أستاذة التمثيل فشلت كممثلة

ابراهيم البليهي

عشقت فن التمثيل ودرست نظرياته واستوعبت بعمق كل ما يتعلق بالمسرح فمعارفها النظرية كانت شديدة العمق فأثرت في الجميع بل قلَبَت فن التمثيل رأسًا على عقب لكنها فشلت في الأداء …..

  فلابد من إزالة الخلط الشديد بين المعرفة النظرية والممارسة العملية فهذا اللبس له نتائج خطيرة واسعة المدى سواء على مستوى الوعي أو على مستوى الممارسة ….

حتى لو افترضنا أن الدارس قد تمكَّن من استيعاب المعلومات والتقنيات والنظريات لأي مجال فإن هذا الاستيعاب يختلف نوعيا عن مجال الأداء فالأداء مجالٌ مختلف تمامًا عن مجال المعرفة النظرية فلا يمكن أن تكون موسيقارًا بقراءة كل ما كُتِب عن هذا الفن ولا يمكن أن تجيد السطرنج بأن تقرأ قواعده وكل ما يتعلق به ولا تكون جراحًا لمجرد أنك درست الجسم البشري وعرفت تكوينه وقرأت كل ما كُتِب عن الجراحة فالمهارات العملية وكل أنواع الأداء لا تُكتسب إلا بالممارسة العملية وقد يلزم التدريب قبل الممارسة فعالم الفيسيولوجيا قد يعرف عن الجسم البشري أعمق وأكثر من بعض الأطباء لكن هذه المعرفة النظرية لا تسمح له بممارسة الطب ليس لنقص معلوماته النظرية وإنما لأنه لم يتلق تدريبًا في مهنة الطب ولا يمكن أن تكون لاعبا عالميا بأن تقرأ القواعد والآليات التي تتعلق بالمجال وكذلك كل مجالات الأداء فالأداء في أي مجال هو فنٌّ قائم بذاته  ….

  الأداء مجالٌ مختلفٌ عن مجال المعرفة النظرية ومن يقرأ عن أي فن من فنون الأداء يجد أن هذه الحقيقة تُعتبَر من البداهات …..

ستيلَّا أدلر كانت تعشق التمثيل وقد بذلت جهودًا عظيمة وتتلمذت على أعظم المنظرين حتى صارت مرجعًا في المعلومات والنظريات والتقنيات الخاصة بالمسرح وبالتمثيل لكنها فشلت أن تجيد التمثيل أداءً …..

ذهبت لروسيا ودرست على المسرحي الروسي العظيم ستانسلافسكي واستوعبت كل تقنيات المسرح وصارت أستاذة في هذا المجال ….

 الممثل الشهير مارلون براندو يثني عليها في سيرته ثناء لا مزيد عليه ويؤكد بأنها قدَّمت تقنيات ونظريات : ((يدين لها كل التمثيل في السينما لقد كان لها تأثير كبير على ثقافة العصر فالتقنية المسرحية التي أحضرتها وتعليم الآخرين قَلَبا فن التمثيل رأسًا على عقب)) ويقول: (( ستيلا أدلر هي روح المسرح)) ويؤكد بأنها استوعبت نظريات المسرح: (( وتقنياته ومبادئه)) وعلَّمَتْ الجميع فهي مرجع نظري عن كل ما يتعلق بالمسرح والتمثيل: (( كانت أمنيتها أن تصبح ممثلة شهيرة لكنها لم تتمكن من تحقيق حلمها)) ويكرر بإلحاح أنها نظريا أستاذة الجميع لكنها حين تدخل مجال الأداء تتراجع تراجعا مؤلما ((الحياة قد خيَّبت آمالها فلم يحالفها الحظ)) ويقول: ((كانت تتمتع بموهبة خاصة عظيمة في تدريس التمثيل كما كانت تتمتع بموهبة نقل معرفتها إلى الآخرين)) كانت تُعَلِّم الممثلين كيف يجيدون التمثيل لكنها هي لم تستطع إجادة التمثيل فالأداء يختلف عن المعرفة النظرية اختلافًا نوعيا لكن هذه البديهية تغيب كثيرًا حيث جرى خلطٌ شديدٌ يُلحق أفدح الضرر خلطٌ  بين المعرفة النظرية التي يمكن أن تتاح للجميع  مقابل الأداء العملي الذي هو في الأصل فنٌّ فرديٌّ ……….

عادةً إذا توفر مثل هذا الشغف والحماس فأقبل الفرد على أي مجالٍ بكل قلبه وعقله وجوارحه فإنه يبلغ أقصى المدى الممكن لكن حالة ستيلا أدلر تكشف حقيقة الفرق النوعي الهائل والفجوة الواسعة التي تفصل المعرفة النظرية عن الأداء العملي ….

إذا كان هذا العقم العملي يحصل حتى مع الشغف فماذا يكون شأن الذين يُدفعون إلى التعلُّم دفعًا ويكابدون اغتصاب قابلياتهم ليحفظوا ما هم مجبرون على حفظه إننا أمام حقيقة صارخة عن عُقم التعلُّم اضطرارًا  ……..

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

 

 

صبحي دقوري

 

حكاية

 

كان “دارا” يمشي في شوارع المدينة الأوروبية كما يمشي غريبٌ يعرف أنه ليس غريباً تماماً. العالم لا يخيفه، لكنه لا يعترف به أيضاً. كان يشعر أنه ككلمة كورديّة ضائعة في كتاب لا يعرف لغتها. ومع ذلك، كان يمشي بثقة، كما لو أن خطواته تحمل وطأة أسلافه الذين عبروا الجبال بلا خرائط.

 

في تلك الليلة، حين…

عِصْمَت شَاهِين الدُّوسْكِي

 

دُرَّةُ البَحْرِ وَالنُّورِ وَالقَمَر

دُرَّةٌ فِيكِ الشَّوْقُ اعْتَمَر

كَيفَ أُدَارِي نَظَرَاتِي

وَأَنْتِ كُلُّ الجِهَاتِ وَالنَّظَر

***

أَنْتَظِرُ أَنْ تَكْتُبِي وَتَكْتُبِي

أَشْعُرُ بَيْنَنَا نَبْضَ قَلْب

بِحَارٌ وَمَسَافَاتٌ وَأَقْدَارٌ

وَحُلْمٌ بَيْنَ أَطْيَافِهِ صَخَب

***

دَعِينِي أَتَغَزَّلْ وَأَتَغَزَّل

فِي عَيْنَيْكِ سِحْرُ الأَمَل

مَهْمَا كَانَ النَّوَى بَعِيدًا

أُحِسُّ أَنَّكِ مَلِكَةٌ لَا تَتَرَجَّل

***

دُرَرٌ فِي بَحْرِي كَثِيرَةٌ

لَكِنَّكِ أَجْمَلُ الدُّرَرِ الغَزِيرَةِ

أَقِفُ أَمَامَ الشَّاطِئِ

لَعَلَّ مَقَامَكِ يَتَجَلَّى كَأَمِيرَةٍ

***

أَنْتِ مَلِكَةُ البَحْرِ وَالجَمَالِ

لَا يَصْعُبُ الهَوَى وَالدلالُ

لَوْ خَيَّرُوكِ…

فواز عبدي

حين وقعت بين يديّ المجموعة الشعرية “مؤامرة الحبر، جنازات قصائد مذبوحة”[1] للشاعر فرهاد دريعي، وأردت الكتابة عنها، استوقفني العنوان طويلاً، بدا لي كمصيدة، كمتاهة يصعب الخروج منها فترددت في الدخول، لكن مع الاستمرار في القراءة وجدت نفسي مشدوداً إلى القصيدة الأولى بما تحمله من غنى وتعدد في المستويات، فهي تكاد تكثف فلسفة…

فراس حج محمد| فلسطين

لا أقول صدفة، فأنا لا أحبّ موضوع الصدف، ولا أومن فيه، لكنّ شيئاً ما قادني إلى هذا الكتاب، وأنا أتصفّح أحد أعداد جريدة أخبار الأدب المصريّة (عدد الأحد، 26/10/2025)، ثمّة نصّ منشور على الصفحة الأخيرة لـ “نجوان درويش”، بعنوان “بطاقة هُوِيّة”، لوهلةٍ التبس عليّ الأمر فبطاقة هُوِيّة اسم قصيدة لمحمود درويش، وهي…