أمَّة الوجوه، أيّ أمَّة؟

إبراهيم محمود

 

 

1-في التقصّي وجهيّاً

 

هي ذي أمَّة الوجوه

غابة: كل وجه يتصيد سواه

 

هي ذي أمة الوجوه

سماء كل وجه يزاحم غيره

 

هي ذي أمَّة الوجوه

تاريخ مزكَّى بوجه

 

ليس الوجه التقليدي وجهاً

إنه الوجه المصادَر من نوعه

 

كم ردَّدنا: الإنسان هو وجهه

كم صُدِمنا بما رددناه

 

كم قلنا يا لهذا الوجه الحلو

كم أُذِقْنا مرارته

 

قل لي: بأي وجه أنت

أقل لك من أنت؟

 

ما نراه وجهاً

ترجمان استخفافنا بالمرئي

 

أن يكون لكل شيء وجه

تبسيط للشيء نفسه

 

نقول: ليس للحيوان وجه فضيلة

المغزى: لأنه لا يحمل قناعاً كالبشر

 

وأقول: ثمة وجه حيواني

أجمل من وجوه كثيرين من بني البشر

 

لا يحتاج الحيوان لأن يُسمّي وجهه

لأنه معرّف نفسه بنفسه

 

لا شيء يغطي عرْي الوجه

لا أحد مستثنى من شهادته في عريه

 

نحمّل الوجه أوزارنا

لماذا نعرَف بالخفة التي تسكننا؟

 

لو امتلك الوجه لساناً

كان: أنا بريء منكم، أول قول ٍ له

 

الجغرافية جسدٌ مكشوف

التاريخ وجه سافر

 

حتى الله له وجه

لكي يُهتدى إليه

 

هاهم نحن: محتَجزون في وجوهنا

وحده المعترف بوجهه طليقه

 

2-إشعارات وجه

 

هذا الذي له وجه

أُشفِق على عماه

 

الوجه يبصر

البرهان في من لا يراك

 

لكلٍّ منّا وجهه

الحكمة في الذي يعرف وجهه بحق

 

في وجوه الآخرين نكون

الرهان في عدم الخلط بينها

 

لكلٍّ وجه لغته

حاجتنا إلى تعلم اللغات أبدية

 

كل حركة وجه بريدٌ مرسل

المحك في كيفية معرفة العنوان

 

الوجه اختبار صاحبه أولاً

ثمة من يستهين بالمقروء بصرياً

 

أن يكون الوجه سر صاحبه

تجنيب للناظر من السقوط في ورطة

 

بقدْر ما يكون لدينا من وجوه

بقدْر ما نحتاج إلى تثقيف بصيرتنا أكثر

 

ناشدو الشهوة عديمو الوجوه

لأنهم علّقوا رؤوسهم خلفهم

 

المجتمع المشهود له بكثرة وجوهه

وحده يستحق سماء لا تطال

 

الحضارات وجوه

تاريخها هو الذي يُسمّيها

 

الحرب نفْي للوجوه

السلْم احتفاء بها

 

السلم وجه

الحرب تفسيره غالباً

 

النهار قناع الليل

كم أهلك المفتتنون بالليل

 

أعطني وجوهاً فعلية

أعطك حياة ملؤها سعادة

 

ما أخطأ مَن راهن على الوجه

أول الخْلق وجه

 

أن يكون للإنسان وجه

وحده من يستحق شرف الاسم المختلف

 

ابتعد عن وجهي قليلاً

لأراك ولو قليلاً

 

دعْني من وجهك

وأنت تحجب عنّي وجهي

 

دعْك من وجهي

أرني وجهك أولاً

 

أن تخاف من وجهي

يعني أنك تجهل وجهك

 

وجهي يتقدمني دائماً

لئلا يلبتس علي النظر

 

لا بأس أن تلمس وجهي

إذا كانت يدك تمثّلك حقاً

 

أن نكون وجهاً لوجه

قد يخسر وجهانا معاً

 

أن نتواجه في أمر ما

كما قناعاً يفصل بيننا

 

حسنٌ، فلنعرّ وجهينا

أليس من عري ٍ بعدها ؟

 

وجهك مشرق

كم ليلة عشت مخاضها؟

 

كالحٌ وجهك

أي نهار أطفىَ داخلك ؟

 

يا لجمال الوجه

حيلة لخداع كل وجه

 

في مجتمع الوجوه

ثمة وجوه دائماً تعمل في الخفاء

 

أحب أن يكون لي وجه

لأعرف أن لي اسماً

 

3-عائليات وجهية

 

الزوجان وجهان

أي مرآة يشتركان فيها ؟

 

الزوج وجه زوجته

يد الزوجة على النافذة

 

الزوجة وجه زوجها

يد الزوج على الباب

 

يقول الزوج هوذا وجهي

تبكي الزوجة وجهها

 

تقول الزوجة هوذا وجهي أنا

يزمجر وجه الزوج

 

الزوج مأخوذاً بوجه ذكورته

تشعر الزوجة بأسْر روحها

 

عندما تكون العائلة وجهاً واحداً

ينقلب البيت صالة أفراح دائماً

 

كل وجه عائلي مشرق بسواه

كهرباء الروح كاملة الإضاءة دائماً

 

للزوجين وجه واحد

لوجههما وجوه حياة تترى

 

يخرج الزوج بوجهه

يضاء وجه الزوجة في الداخل

 

تخرج الزوجة بوجهها

يتألق وجه الزوج خارجاً

 

الزوجة والزوج وجها أفراد عائلتهما

لا شيء يهز سقف بيتهم

 

ما أكثر ما تسمّي المرأة وجهها

فتحيلها المرآة مسخاً

 

ما أكثر ما يطرح الرجل وجهه

فتزيد المرأة في تفخيمه

 

لا علاقة لوجه الرجل بشاربه

إنه إضافة تزيد في إشكاله

 

لا علاقة لوجه المرأة بمساحيقها

إنها استعارة لوجه سريع التلف

 

ليت امرأة تسمعني وجهَها

لأقول هي ذي الحياة استعادة رشدها

 

ليت رجلاً أظهر وجهَه

لأقول : هنا تبدأ ولادة المرأة

 

حب الزوج للزوجة وجه

لسان الفصاحة في الزوجة

 

حب الزوجة للزوج وجه

السكَينة علامة البيت الفارقة

 

بوجهين يكبر صغير العائلة

طوبى لوجه يحلّق بخ جناحان

 

الحياة الزوجية وجه مفتوح

تتشاركها الفصول الأربعة بنشوة

 

وجه الصغير المشرق

تفاؤل طريق الغد

 

الولد سرّ أبيه، وجهه الداخلي

كم رأينا في الولد فضيحة أبيه

 

البنت سر أمها، وجهها الداخلي

كم سقطنا في امتحان التفريق

 

الحروب العائلية وجوه مقنعة

لا هدنة لها طالما استمرت مقنَّعة

 

 

4-ثنائي الوجه في الوجه

 

هل للحب وجه؟

أي ريشة تستطيع رسْمَه ؟

 

يقول لها أحبّك ِ

تسلّم له وجهها

 

تقول له أحبك

يغزوها وجهاً

 

الحب الذي يُسمي وجهاً

ربما يدشّن لشرْك

 

جائز أن يكون الحب وجهاً

أول قرابين الحب وجهه

 

الوجه فتنة الجسد

أي ضمان لتقوى الروح ؟

 

الجمال قائم في الوجه

لهذا يكون متآمر عليه

 

لعل الكلام بفتح الوجه

أي صمت قادر على غلْقه ؟

 

ما أسرع الوجه إلى القبلة

ما أسرع الجسد إلى تلف الوجه

 

كل شوق وجه غير متاح

كل لقاء ابتداء استباحة له

 

الوجه الذي يصعقه الحب

يؤول جسده إلى الرماد سريعاً

 

وجه الحب في الليل قناع

النهار معرّيه

 

الحب عن بُعد

يبقي الوجه دائم الإشراق

 

5-وجه الكاتب

 

كم عانيت من زحمة الوجوه

وهي تحول دون مصادقة وجهي

 

وعلي أن أحرر كتابتي

أن أسمّي وجوهاً لأدرك وجهي

 

هوذا وجهي الذي يعرّف بي

لا أستطيع فكاكاً منه

 

سؤالي عن وجهي

لم يصلني بجوابه حتى الآن

 

بأريحية كاملة أعطيتُه وجهاً

فقدتُ وجهي في الحال

 

عمري سيرة وجوه معذَبة

الطريق نزيف صارخ

 

ليس لي سوى وجه واحد

في الكتابة لا أكثر من وجوهي

 

طوبى لمن تكون وجوهه من النساء

لا بد أن روحاً خلاقة موهوبة له

 

ثمة وجه امرأة تنظرني من عل

تستحيل الأرض بساطَ ريح لي

 

أحياناً يريني وجهها وجهي

كم ميتة أعيش ليولد نص لي!

 

أحياناً يعدم أفقي كلَّ وجه

يتوقف قلبي عن الخفقان

 

لو أن الله خلق المرأة أولاً

لكان الوجه غير ما هو عليه

 

لكل وجه أمَّته ولغته وفنه

لا يقدّر الكتابة إلا من يعيشها

 

أحياناً يلتبس علي وجهي

حين يتقدمني في الكتابة

 

يا لخيالي الطليق

حين أتحرر من وجهي

 

ليس للكاتب وجهه

هوذا شرطه ليكون كاتباً

 

الشاعر مسكون بدفق الوجوه

الروائي مسكون بصراعاتها

 

هل للناقد وجه؟

أليست كتاباته ظلال وجوه حيّة؟

 

وقوع الكاتب بين وجهين

مردّه عدم تحرره من وجهه الفعلي

 

هبْني وجهاً لأكتشف نصك

هبني نصاً لأقرأ وجهك

 

لا تلمني على غموض نصي

عليك أن تتجاوز وجهي المرئي

 

الفتاة التي أرتني وجهها

تلاشت وقد أرفقته بنص لها

 

المرأة التي شغلتني بوجهها

هل التي ألهمتني بروحها

 

وجه الكاتبة : يا للبحر المهيب

وحده الناقد الغواص يسمّي روعته

 

في اعتقادي كان آدم وجهاً

كانت حواء وجهاً عصياً على التسمية

 

كلما اشتقت إلى وجه مختلف

أكابد الغياب سعياً إلى كتابة مختلفة

 

وجه المرأة خميرة كتابة الرجل

إذا أحسن صناعة عجين روحه

 

ما أقل نظري إلى وجهي

وأنا مسكون بوجوه ترعى روحي

 

كل كتابة توسُّل إلى وجه جديد

أي وجه يكون ملهم كتابتي الاخيرة

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

في حضرةِ الشعر، حيث يتناسلُ المعنى من رمادِ الكلمات، وحيث يشعلُ الحرفُ فتيلَ الوجود، يولد هذا الديوان: جحيم الأمل.

ليس عنواناً عابراً ولا استعارةً تلقى على عتبة الصدفة، بل هو صرخةٌ تتناوبُ فيها النارُ والندى، وتتعانقُ فيها خيبةُ التاريخ مع شغفِ الإنسان الذي لا يعرفُ الاستسلام.

“جحيم الأمل” انعكاسٌ للروح حين تلقى في أتونِ الأسئلة الكبرى، في…

عِصْمَتْ شَاهِين الدُّوسَكِي

يَقُولُونَ

: لِمَاذَا تَكْتُبُ قَصَائِدَ حَزِينَةً

دَمْعُ هُمُومٍ مَآسِي رَهِينَةٍ

قُلْتُ : مِنْ آدَمَ وَحَوَّاءَ

مَنْ جَمَعَ الْبَشَرَ عَلَى السَّفِينَةِ

قَالُوا : حِكَايَاتٌ رِوَايَاتٌ

قُلْتُ : تَوَارَثْنَا الْعُرَى

نَمْشِي عَلَى أَرْضٍ جَرْدَاءَ قَرِينَةٍ

هَذَا الْوَطَنُ

كُورٌ فِيهِ كُلُّ الْأَجْنَاسِ رَغْمَ أَنِينِهِ

عَرَبٌ أَكْرَادٌ مَسِيحٌ تُرْكْمَانٌ صَابِئَةٌ

بِأَلْوَانِ بَنَاتِهِ وَبَنِينِهِ

مِنْ حَضَارَاتٍ ذَهَبٍ وَصُولْجَانٍ

وَفُرْسَانٍ وَقَادَةٍ

تُخْرِجُ الْأَسَدَ مِنْ عَرِينِهِ

………….

ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُ الْمَآذِنِ

دُقَّتْ أَجْرَاسُ الْكَنَائِسِ

وَتَجَلَّتْ أَلْوَاحُ السَّمَاوَاتِ

طَافَتْ وَهَبَّتِ الْفَيْضَانَاتُ

عَلَى الْخَنَاجِرِ…

سيماف خالد محمد

في المطبخ كعادتي كل يوم استيقظتُ على فنجان قهوة أُحاول به أن أفتح عينيّ وأمنح نفسي شيئاً من التركيز قبل أن أبدأ بتحضير الغداء.

بينما كنتُ منشغلة بالطبخ أفتح هذا الدرج وذاك، دخلت أختي مايا تحمل لابتوبها جلست أمامي، فتحت الجهاز لتعمل عليه وكأنها أرادت أن تؤنس وحدتي قليلاً وتملأ صمت المطبخ بأحاديث خفيفة.

لم…

فراس حج محمد| فلسطين

تثيرني أحياناً في بعض الكتب عتباتها التمهيدية، من الغلاف وتصميمه، وما كتب عليه في الواجهة وفي الخلفية (التظهير)، والعتبات النصيّة التمهيدية: العنوان، والإهداء، والاقتباس الاستهلالي، وأية ملحوظات أخرى، تسبق الدخول إلى عالم الرواية أو بنيتها النصيّة.

تقول هذه العتبات الشيء الكثير، وتدرس ضمن المنهج البنيوي على أنها “نصوص موازية محيطة”، لها ارتباط عضوي…