إبراهيم شيخو: ابن الصوت الُكردي، وسليل الذاكرة الموسيقية

آناهيتا حمو. باريس

في عوالم الموسيقى الكُردية التي امتزجت فيها الآهات بالحكايات، والحلم بالمنفى، يبرز إسم إبراهيم شيخو كامتداد حيّ لذاكرة وطنية وروحية جسّدها والده الفنان الراحل محمد شيخو، البلبل الكردي وصوت المنفى الخالد. لم يكن الإرث الذي ورثه إبراهيم مجرد لحن، بل كان ذاكرة جماعية حملت وجع المنفى، وأمل العودة، وقصة شعب لا ينسى.

إبراهيم شيخو، الحائز على درجة الماجستير في الموسيقى،من الجامعة الألمانية، حوّل غربته إلى إبداع فني، لم يكتفِ بمجرد العزف، بل قدّم مشروعاً فنياً في رسالة الماجستير، يحمل بصمته الخاصة، دون أن ينسلخ عن جذوره. معزوفته الأخيرة “Soprano Kurde »، التي وصل صداها إلى قاعات باريس، تندرج ضمن مشروع فني عميق يسعى إلى ترجمة الوجدان الكردي إلى لغة موسيقية كونية. ليست مجرد نغمة، بل هي وثيقة صوتية تنبض بالهوية، بالألم، وبالفرح المؤجل.

خلفية كل نغمة كُردية يعزفها إبراهيم، يختبئ صدى بعيد لثورة مصطفى البارزاني، تلك الثورة التي ألهمت والده، محمد شيخو، وأعطت لفنه بُعداً أكبر من مجرد الغناء؛ بل جعلته نشيداً شعبياً يتغذى من التاريخ المقاوم. محمد شيخو لم يكن يذكر الثورة كمجرد حدث، بل كذاكرة حيّة تنبض في أغانيه؛ من بارزان وذاكرة جمهورية مهاباد، إلى أصغر زقاق في قامشلو، من ذلك الحي الغربي ،شارع عامودا، حيث كانت الأغنية تُتهَم بالخيانة فقط لأنها كردية.

هذا الإنتماء الثوري إنتقل بحنكةٍ نادرة إلى موسيقى إبراهيم، ليس عبر الكلمات فقط، بل عبر الإحساس المرهف، فمعزوفته “Soprano Kurde » ليست فقط تحية موسيقية لروح والده، بل هي أيضاً نشيد صامت لكل من حمل السلاح من أجل الحرية، ثم حمل العود ليكمل الطريق. في هذه الموسيقى، نجد شواهد حقيقية على إستمرارية الروح البارزانية؛ والبشمركا حماة كُردستان، لا كحالة عسكرية فقط، بل كقيمة ثقافية، حضارية، تتجسّد في كل وتر عود ونغمة.

لقد شبّ إبراهيم على صوت والده، الذي كان يعزف لأطفاله في جلسات عائلية دافئة، رغم المنع والقمع. تربى على فكرة أن الفن ليس ترفاً، بل مقاومة. أن الصوت قد يُمنع، لكن صداه لا يُعتقل. تلك اللحظات الأولى كانت بذوراً نمت لاحقاً في أعماله، وهي التي شكّلت نبرته الخاصة، ذلك المزج بين الحنين والرقي، بين الحزن الكردي العميق والإنفتاح الموسيقي العالمي.

من باريس إلى مهاباد، من شارع عامودا حيث تم قطع رزق والده بالشمع الأحمر، إلى روجهلات، تعبر موسيقى إبراهيم شيخو الزمان والمكان، مثلما فعل والده. إلا أن الفارق أن إبراهيم ينقلنا من الغناء إلى المعزوفة، من القصيدة إلى السمفونية، “سوبرانو”،وكأن قدر هذه العائلة أن تُترجم الوجع الكُردستاني إلى فن كُردي أصيل خالد.

في زمن باتت فيه الهويات تذوب، تذكّرنا أعمال إبراهيم أن الأصالة ليست معاكسة للتجديد، بل هي روحه. وأن من حمل عود والده ذات يوم، صار اليوم يحمل قضية شعبه بين أوتار البيانو والكمان، بكثير من الحكمة، والكثير من الحب.

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ابراهيم اليوسف

تقف الأديبة الشاعرة الكردية مزكين حسكو في فضاء الشعر الكردي الحديث، شاهدة على قوة الكلمة في مواجهة تشتت الجغرافيا. جبل شامخ كآرارات وجودي لم تنل منه رياح التغيير القسرية.

شاعرة كرّست قلمها لرسم جماليات الهوية الكردية من منفى اختاره القدر، فنسجت قصائدها بلغة أمّها كوطن بديل يحمل عبق تلال كردستان ووجعها. كما تقول في إحدى…

عبدالرزاق محمود عبدالرحمن

كان في صدري شرفة تطل على سماوات بعيدة،
أعلق عليها أمنياتي كفوانيس صغيرة،
حتى وإن كانت الحياة ضيقة، كنت أزيّنها بخيوط من الأمل،
أجمع فتات الفرح، وأصنع منه أحلامًا تكفيني لأبتسم.
كنت أعيش على فكرة التغيير، أتنفسها كل صباح،
وأخطط، وأتخيل، وأصدق أن الغد قد يجيء أجمل.

أما الآن…
فالنوافذ مغلقة، والستائر مثقلة بغبار الخيبات،
وألواني باهتة، وفرشاتي صارت ثقيلة بين…

عِصْمَتْ شَاهِينْ اَلدُّوسَكِي

وَدَعَتُ فِي نَفْسِي ضِيقَ الْحَيَاة

وَأَلَمَّ الْأحْزْانِ والْجِرَاحَات

أَذْرُفُ الدُّمُوعَ بِصَمْتٍ

كَأَنِّي أَعْرِفُ وَجَعَ الْعَبَرَات

أُصِيغُ مِنْ الْغُرْبَةِ وَحْدَتِي

بَيْنَ الْجُدْرَانِ أَرْسُمُ الْغُرْبَات

 

**********

يَا حِرمَاني الْمُكَوَّرِ فِي ظَلَامي

يَا حُلُمي التَّائِهِ فِي الْحَيَاة

كَمْ أشْتَاقُ إلَيْكَ وَالشَّوْقُ يُعَذِّبُنِي

آَهٍ مِنْ شَوْقٍ فِيه عَذَابَات

لَا تَلَّومْ عَاشِقَاً أَمْضَى بَيْن سَرَابٍ

وَتَرَكَ وَرَاءَهُ أَجْمَلَ الذِّكْرَيَات

**********

أَنَا الْمَلِكُ بِلَا تَاجٍ

أَنَا الرَّاهِبُ بِلَا بَلَاطٍ

أَنَا الْأَرْضُ بِلَا سَمَوَات

وَجَعِي مَدُّ الْبَحْرِ…

ميران أحمد

أصدرت دار ماشكي للطباعة والنشر والتوزيع مؤخراً المجموعة الشعرية الأولى، للشاعر الإيزيدي سرمد سليم، التي حملت عنوان: «ملاحظات من الصفحة 28»، وجاءت في 88 صفحة من القطع المتوسط.

تأتي هذه المجموعة بوصفها التجربة الأولى للشاعر، لتفتح باباً على صوت جديد من شنكال، يكتب من هوامش الألم والذاكرة الممزقة، بلغة جريئة تشبه اعترافاً مفتوحاً على الحياة…