الاسد العجوز و النهاية المؤلمة*

خالد حسو

….. كان يا ما كان في قديم الزمان، أسد عجوز عاش سنوات طويلة سيدًا لغابة مترامية الأطراف، وكان يحكمها بحكمته وقوته. وفي الجوار، كان هناك نمر شاب في مقتبل العمر، طموحه السيطرة على تلك الغابة وفرض نفوذه.

نشب قتالٌ شرس بين الأسد والنمر. كان النمر مليئًا بالطاقة والشراسة، بينما الأسد، رغم خبرته، كان يرزح تحت وطأة الشيخوخة. وبعد معركة طويلة، انتصر النمر، وأصيب الأسد بجروح بليغة، جرحٌ عميق في جسده، وجرحٌ أعمق في كبريائه.

أدرك الأسد أنه لم يعد قادرًا على البقاء في الغابة التي كانت يومًا مملكته. بدأ بالانسحاب ببطء، يجرّ خطواته المثقلة بالألم والهزيمة، فيما كان قلبه ينزف كرامةً أكثر من جروحه الجسدية.

وفي طريقه الموحش، وبينما يسير متألمًا، سمع صوتًا غريبًا يتردد خلفه: “لاو لاو… هي هي”. توقف والتفت ببطء، لكن لم يرَ أحدًا. ظنّه مجرد وهم، فأكمل سيره.

لكن الصوت عاد مجددًا: “لاو لاو… هي هي”. توقف الأسد مرة أخرى، ونظر خلفه بحذر، لكنه لم يرَ شيئًا. بدأ يشك في أن هناك من يتبعه. أكمل سيره، ولكنه للمرة الثالثة سمع الصوت ذاته: “لاو لاو… هي هي”.

توقف الأسد هذه المرة بحزم، وأخذ يبحث حوله، فرأى سلحفاة صغيرة مختبئة تحت القش. نظرت السلحفاة إلى الأسد وقالت له بصوت واهن:

“أيها السيد العظيم، كن حذرًا، فإن أطفالي الصغار يقفون في طريقك، وهم يخططون لقتلك!”

وقف الأسد العجوز مذهولًا من كلام السلحفاة، وحدّق بها مليًا، ثم قال بصوت غاضب مليء بالأسى:

“أنا الأسد الذي هزمت أقوى الوحوش، وأصبحت سيد هذه الغابة لسنوات طويلة، لن أُهزم بجروحي العميقة التي تنزف الآن. لكنني سأموت قهرًا من كلماتك هذه! أطفالك؟ أطفالك الصغار تريد قتلي؟ كيف لي أن أعيش وأواجه هذا الانكسار؟!”

وبينما كان الأسد يتكلم، كان الألم يزداد في قلبه، ليس من الجرح، بل من الإهانة. أخذ يسير ببطء، وهو يتمتم لنفسه:

“أهذه نهاية القائد؟ أن يخشى حتى من أضعف المخلوقات؟!” …..

==============

قصة كوردية قديمة (شفوية)

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

في حضرةِ الشعر، حيث يتناسلُ المعنى من رمادِ الكلمات، وحيث يشعلُ الحرفُ فتيلَ الوجود، يولد هذا الديوان: جحيم الأمل.

ليس عنواناً عابراً ولا استعارةً تلقى على عتبة الصدفة، بل هو صرخةٌ تتناوبُ فيها النارُ والندى، وتتعانقُ فيها خيبةُ التاريخ مع شغفِ الإنسان الذي لا يعرفُ الاستسلام.

“جحيم الأمل” انعكاسٌ للروح حين تلقى في أتونِ الأسئلة الكبرى، في…

عِصْمَتْ شَاهِين الدُّوسَكِي

يَقُولُونَ

: لِمَاذَا تَكْتُبُ قَصَائِدَ حَزِينَةً

دَمْعُ هُمُومٍ مَآسِي رَهِينَةٍ

قُلْتُ : مِنْ آدَمَ وَحَوَّاءَ

مَنْ جَمَعَ الْبَشَرَ عَلَى السَّفِينَةِ

قَالُوا : حِكَايَاتٌ رِوَايَاتٌ

قُلْتُ : تَوَارَثْنَا الْعُرَى

نَمْشِي عَلَى أَرْضٍ جَرْدَاءَ قَرِينَةٍ

هَذَا الْوَطَنُ

كُورٌ فِيهِ كُلُّ الْأَجْنَاسِ رَغْمَ أَنِينِهِ

عَرَبٌ أَكْرَادٌ مَسِيحٌ تُرْكْمَانٌ صَابِئَةٌ

بِأَلْوَانِ بَنَاتِهِ وَبَنِينِهِ

مِنْ حَضَارَاتٍ ذَهَبٍ وَصُولْجَانٍ

وَفُرْسَانٍ وَقَادَةٍ

تُخْرِجُ الْأَسَدَ مِنْ عَرِينِهِ

………….

ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُ الْمَآذِنِ

دُقَّتْ أَجْرَاسُ الْكَنَائِسِ

وَتَجَلَّتْ أَلْوَاحُ السَّمَاوَاتِ

طَافَتْ وَهَبَّتِ الْفَيْضَانَاتُ

عَلَى الْخَنَاجِرِ…

سيماف خالد محمد

في المطبخ كعادتي كل يوم استيقظتُ على فنجان قهوة أُحاول به أن أفتح عينيّ وأمنح نفسي شيئاً من التركيز قبل أن أبدأ بتحضير الغداء.

بينما كنتُ منشغلة بالطبخ أفتح هذا الدرج وذاك، دخلت أختي مايا تحمل لابتوبها جلست أمامي، فتحت الجهاز لتعمل عليه وكأنها أرادت أن تؤنس وحدتي قليلاً وتملأ صمت المطبخ بأحاديث خفيفة.

لم…

فراس حج محمد| فلسطين

تثيرني أحياناً في بعض الكتب عتباتها التمهيدية، من الغلاف وتصميمه، وما كتب عليه في الواجهة وفي الخلفية (التظهير)، والعتبات النصيّة التمهيدية: العنوان، والإهداء، والاقتباس الاستهلالي، وأية ملحوظات أخرى، تسبق الدخول إلى عالم الرواية أو بنيتها النصيّة.

تقول هذه العتبات الشيء الكثير، وتدرس ضمن المنهج البنيوي على أنها “نصوص موازية محيطة”، لها ارتباط عضوي…