علي شمدين
– 1 –
يعد صدور العدد الأول من جريدة (KURDISTAN )، الذي أصدره الأمير مقداد مدحت بدرخان في القاهرة في (22 نيسان 1898)، بمثابة البداية الحقيقية لإنطلاقة مسيرة الصحافة الكردية التي أخذت على عاتقها خلال أكثر من قرن من الزمن- وبإمكاناتها المتواضعة- مهمة إيقاظ الجماهير الكردية وتعريفها بقضيتها القومية والمساهمة الفعلية في بلورة وعيها القومي الذي ظل هدفاً مباشراً لسياسات (التعريب والتتريك والتفريس)، فضلاً عن سعيها الحثيث باتجاه تعريف الرأي العام غير الكردي بهذه القضية العادلة للتضامن معها والوقوف إلي جانبها ..
وبالرغم من أن الساحة الكردية في سوريا لم تخلُ من بعض المجلات الثقافية والمطبوعات الأدبية ودواوين الشعر خلال النصف الأول من القرن العشرين، إلا إن جريدة (DENGÊ KURD ) التي أصدرتها اللجنة المركزية لـ(لحزب الديمقراطي الكردي في سوريا)(١)، تعد الجريدة السياسية الكردية الأولى من نوعها في سوريا، فكانت بمثابة لسان حالها والناطقة باسم الحزب والمعبرة عن خطابه وتوجهاته السياسية، لا بل كانت ولمدة ما يقرب العقد، بمثابة المنبر الإعلامي اليتيم الذي كان الحزب يمتلكه ويبث عبره سياسته ومواقفه إلى الجماهير الكردية في سوريا بشكل رئيسي، فضلاً عن محاولته وضع الرأي العام الوطني- وإن في حدود ضيقة جداً- في الصورة الحقيقية لمعاناة الشعب الكردي بالانطلاق من البرامج السياسية للحزب التي تطرح القضية الكردية في سوريا على إنها جزء من مجمل القضايا الوطنية التي يرتبط حلها بحل المسألة الديمقراطية في البلاد في ظل مجتمع تسوده العدالة والمساواة وتعيش فيه مختلف فئاته بحرية وأمان، بعيداً عن أساليب التفرقة والتمييز القومي.
كما سعت هذه الجريدة أيضاً إلى استنهاض الشعب الكردي لرفض واقع الظلم والإضطهاد عن كاهله والتمسك بهويته القومية في وجه محاولات الشطب والإلغاء، والنضال من أجل تحقيق أمانيه وطموحاته القومية والإنسانية بالسبل الديمقراطية والسلمية، بعيداً عن أساليب التطرف والمغالاة.
ولم تكن الطريق أمام هذه المبادرة التاريخية الهامة مفروشة بالورد طبعاً، فقد بدأت مسيرة هذه الجريدة على إثر إعلان مؤسسي الحزب عن تأسيسه الذي صادف (14 حزيران 1957) بفترة قصيرة، وقد ظلت هذه الخطوة مرهونة بنفس الظروف الذاتية والموضوعية الصعبة التي كان الحزب يتابع فيها مسيرته النضالية الشاقة لابل انعكست تلك الظروف سلباً على صدورها بشكل أشد وأقوى، ومن هنا فقد شهدت هذه التجربة الصحفية الجنينية منعطفات حادة وصعوبات كبيرة انعكست بشكل مباشر على هويتها وشخصيتها سواء من حيث الشكل أو المضمون، ولأهمية هذه الجريدة في نشر الخطاب القومي والوطني للحزب ودورها الفاعل في رسم الصورة الحقيقية للقضية الكردية في سوريا والمساهمة في تثقيف الجماهير الكردية بها ودعوتها للنضال من أجل تغيير الواقع المؤلم الذي تعيشه، فقد كان من الواجب، لابل من الضروري رصد هذه التجربة المتواضعة في آلية صدورها والغنية بالدروس والعبر، وتلمس الجوانب الإيجابية والسلبية في مسيرتها الطويلة التي ساهمت في رسمها كوادر وطنية ملتزمة بقضيتها القومية، وعملت بإمكاناتها الذاتية والفردية من أجل تطويرها واستمرارها كجنود مجهولين أغنوها وتعلموا منها، على أمل الإهتداء بها وأخذها زاداً للإنطلاق نحو صحافة متقدمة أكثر فعالية وتأثيراً في تنمية الوعي القومي وأشد حضوراً في الوسطين الكردي والوطني، خاصة وإن العالم يسير اليوم بقفزات مذهلة نحو فضاء حرية الإعلام وتحرره من القيود التي ظلت تكبله وتكتم أنفاسه حتى وقت قريب.
يمكن توزيع مسيرة جريدة (الديمقراطي)، على مراحل ثلاثة بهدف رسم الخط البياني لصدورها ومقارنة أعدادها شكلاً ومضموناً ومقاربة صورتها الحقيقية والظروف الذاتية والموضوعية التي حددت ملامحها الأساسية في كل مرحلة من هذه المراحل التي لاشك إنها متداخلة في الكثير من جوانبها وهي بكل تأكيد ليست منفصلة عن بعضها البعض.
– 2 –
المرحلة الأولى:
وتبدأ هذه المرحلة مع صدور العدد الأول من جريدة الحزب ولسان حال لجنته المركزية (DENGÊ KURD) على إثر الإعلان عن تأسيسه بفترة قصيرة، وتمتد لغاية (آب 1966)، حيث تم حينذاك تغيير اسمها إلى (الديمقراطي)، وبالعودة إلى تلك المرحلة يمكن لنا تحديد بعض السمات البارزة التي تعكس بشيء من الوضوح ملامحها الأساسية المميزة لها.
فقد صدرت جريدة (DENGÊ KURD) في البداية بخط اليد لإفتقاد الحزب للأدوات اللازمة للطباعة بسبب ضعف الإمكانات والخبرة الفنية، إلى أن تبرع في أواخر (1957)، أحد الوطنيين الكرد من الدرباسية بآلة كاتبة ونسخ، وهو السيد (خليل رزو)(٢)، كمبادرة وطنية فريدة ومساهمة تستحق الذكر والتوثيق في هذا المجال، كونها أحدثت نقلة نوعية في صدور الجريدة بشكل منسوخ لتصبح أكثر سهولة للقراءة من قبل القراء، وأكثر يسراً لطباعة كمياتها مقارنة بعملية كتابتها بخط اليد، وكانت الجريدة تصدر باللغة الكردية حتى عام (1963)، حيث صدر منها عدد (تموز1963) وللمرة الأولى باللغة العربية، ولربما كان هذا التحول يهدف من بين ما يهدف إليه محاولة توسيع دائرة قرائها، نظراً لقلة القراء باللغة الكردية ناهيك عن حرمان غير الكرد من الإطلاع على خطابها السياسي، فضلاً ضيق دائرة قراء الكردية..
ولكن وبسبب تعقد الظروف وقسوتها، فقد اصطدم هذا التوجه نحو التوسع في دائرة توزيعها بسياسات القمع والملاحقة والإضطهاد التي اشتدت مع بداية الستينات والتي استهدفت نشاط الحزب وتنامي دوره الجماهيري، حيث طالت الإعتقالات والسجن القسم الأكبر من الكوادر المتقدمة للحزب، واضطرار القسم الباقي منها إلى الإختفاء والتواري عن الأنظار، كما ظلت آلات الطبع والنسخ في مثل هذه الظروف هدفاً رئيسياً للضبط والمصادرة من قبل السلطات الشوفينية، مثلما حدث في (12 آب 1960)، فكان من الصعب تعويضها مباشرة، هذا إلي جانب عدم إمكانية إصطحاب تلك الأجهزة أثناء التنقل السرّي للكوادر من مكان إلى آخر والذي كان في معظم الأحيان سيراً على الأقدام، وقد كانت آلية توزيع المطبوعات في تلك المرحلة معقدة جداً، إذ أن ضبط أيّة وثيقة من هذا القبيل مع أيّ شخص كان كفيلاً بتعرضه للاعتقال والسجن لشهور طويلة، ليعاني خلالها أشد أنواع القهر والتعذيب(٣)، وصل الأمر إلى درجة الإضطرار أحياناً إلى الإعتماد على العنصر النسائي(٤) اللاتي لعبن دوراً هاماً في نقل البريد الحزبي درءاً للفت الإنتباه في مجتمع كانت فيه حتى مثل هذه المبادرات النسائية النبيلة ضرباً من التمرّد وخروجاً عن التقاليد الإجتماعية آنذاك .
كما أن ظروف الملاحقة والسجن كانت تتسبب في تشتت هيئة تحرير الجريدة فضلاً عن أنها لم تكن متخصصة أو أكاديمية وإنما كانت تعتمد فقط على خبرتها الذاتية، ولا يخفى الدور السلبي الذي لعبته آفة الأمية والجهل المتفشية آنذاك في الوسط الكردي بسبب السياسات الشوفينية التي ضيقت كثيراً من عدد قراء هذه الجريدة.
ولهذا كان توزيع جريدة (الديمقراطي)، مقتصراً على مسؤولي الفرق والخلايا الحزبية وضمن إطار الهيكل التنظيمي فقط، وظلت قراءتها محصورة ضمن حدود اللقاءات والإجتماعات الحزبية بسبب قلة نسبة المتعلمين وبسبب قلة أعداد الجريدة، حيث سرعان ما كان يتم إتلافها أو إخفائها بشكل جيد بعد قراءتها بسبب خطورة نتائج ضبطها من قبل الجهات الأمنية، وهذا ما يفسر لنا ضياع معظم أرشيف الحزب نظراً لعدم التمكن من الإحتفاظ به في تلك المرحلة الخطيرة أمنياً، بإستثناء الأعداد القليلة جداً منها التي سلمت من التلف والضياع عن طريق الصدفة.
ولهذا لم تأخذ الجريدة طريقها إلى الإنتظام في صدورها الدوري، وإنما صدرت أعدادها بشكل متباعد زمنياً، الأمر الذي أفقدها سمة السّبق الصحفي ولم توفق في إيصال الخبر إلى قرائها في حينه طازجاً، الأمر الذي ترك الساحة الكردية في سوريا مفتوحة على مصراعيها أمام الوسائل الإعلامية المضادة التي أمعنت في تشويه صورة الكرد وقضيتهم القومية العادلة مستغلة الفراغ الإعلامي في المجتمع الكردي.
ويمكن ملاحظة عدم إنتظام صدور جريدة (الديمقراطي)، بالنظر إلى تباعد أعدادها زمنياً، فمثلاً صدرت ثلاثة أعداد فقط اعتباراً من تاريخ صدور العدد الأول ولغاية عام (1960)، وصدرت ثلاثة أعداد أخرى بدءاً من هذا التاريخ ولغاية عام (1963)، واعتباراً من هذا التاريخ ولغاية عام (1964)، صدر عدداً يتيماً فقط خلال هذه الفترة، أيّ بمعدل صدور عدداً واحداً فقط كلّ عام.
ومن الملاحظ بأن شكلها الفني كان فقيراً إلى حد بعيد، فكانت تصدر في صفحتين تتداخل أحرفها الطباعية وتتلوث بالحبر الذي كان يتسرب إلي سطح الصفحة، ويتصدر صدر الصفحة الأولى اسم الجريدة (DENGÊ KURD / صوت الأكراد ) المكتوبة بخط اليد كيفما اتفق بشكل غير أنيق، وكتب إلى جانب اسم الجريدة باللغة الكردية رقم العدد والتاريخ إضافة إلى عبارة (Organa:P-D-K-S)، وكانت المقالات تكتب على كامل الصفحة دون أن يتم توزيعها فنياً أو تنسيقها على أعمدة صحفية، وكانت الصفحة الأولى تضم عادة الموضوع الأهم في العدد، وكنموذج للدلالة على مضمونها نقرأ بعض العناوين لأعداد من (DENGÊ KURD)(٥):
– الصفحة الأولى من العدد (2)، الصادر بتاريخ (شباط 1960)، تضمنت مقالاً بعنوان: (حول الوضع الكردي في تركيا)، والصفحة الثانية من نفس العدد تضمنت مقالاً بعنوان: (بعد سنتين من الوحدة بين سوريا ومصر).
– والصفحة الأولى من العدد (3)، الصادر بتاريخ (آذار 1960)، تضمنت مقالاً بعنوان: (الكرد كيف سيحيون نوروزهم هذا العام ؟؟).
– وفي الصفحة الأولى من العدد (6)، الصادر بتاريخ (كانون أول 1963)، نشر مقالاً بعنوان: (ما يحتاجه الكرد بعد انقلاب العراق) وفي الصفحة الثانية من هذا العدد نشر مقالاً بعنوان: (حول انعقاد المؤتمر الثامن لجمعية الطلبة الأكراد في أوروبا).
– تصدر الصفحة الأولى من العدد (7)، الصادر بتاريخ (كانون ثاني 1964، العنوان التالي: (في الوحدة فقط يكمن طريق خلاصنا).
ويلاحظ من هذه العناوين توجهات الجريدة وإهتماماتها بالمجالات القومية والوطنية، إلا أن الخطاب الكردستاني لهذه الجريدة كان طاغياً على مضمونها في تلك المرحلة، ومما زاد الطين بلة في هذا الإطار هو تفاقم الخلافات بين صفوف الحزب والتي انتهت بإعلان المتكتلين رسمياً عن إنشقاقهم في (٥ آب 1965)، ولجوئهم إلى المزاودة في طرح الشعارات الكردستانية والمبالغة في تبني الشعارات الطبقية دون أخذ واقع الشعب الكردي في سوريا وخصوصياته القومية وبنيته الإجتماعية وتركيبته الطبقية بعين الإعتبار، وإتخاذهم لتلك الشعارات غطاءاً كثيفاً لإنجاز إنشقاقهم الذي شكل سابقة ليس فقط على الصعيد الكردي في سوريا وإنما الكردستاني أيضاً، ومحاولة تسويق هذا الإنشقاق بين الجماهير الكردية عبر مخاطبة عاطفتها وتخدير عقلها بتلك الشعارات البراقة التي كانت تشكل موضة العصر آنذاك.
لقد تسرب في أوائل عام (1959)، شعار ( تحرير وتوحيد كردستان) إلى الخطاب السياسي الكردي في سوريا، وتغير اسم الحزب حينذاك إلى (الحزب الديمقراطي الكردستاني في سوريا)، وأصبح اسم جريدته (DENGÊ KURDISTAN)، وبعد جهود حثيثة من بعض المتنورين المدركين لخطورة هذه الشعارات وعدم واقعيتها تم التراجع عن الكثير منها، ومن بينها إعادة تصحيح إسم الحزب وإسم الجريدة كما كان سابقاً، واستمرت (DENGÊ KURD) بالصدور بهذا الإسم حتى (آب 1966)، عندما قررت اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي الكردي الذي يقوده عبد الحميد درويش في اجتماعها الإعتيادي تغيير اسمها إلى (الديمقراطي)، للأسباب الرئيسية التالية(٦):
– تمسك المنشقين بإصدار جريدتهم باسم (DENGÊ KURD/ صوت الأكراد)، وهذا ما كان يتسبب في إحداث تشويش وخلط بين جريدتنا وجريدتهم نتيجة الإسم الواحد.
– إن السياسة التي يتبناها الجناح الذي يسمي نفسه باليسار والتي تتجسد في جريدته (DENGÊ KURD) هي سياسة قومية إنعزالية ضيقة من وجهة نظرنا ومن الضروري إشعار القوى والأحزاب السياسية في البلاد، بالتمييز بين حزبنا وهذه الجماعة وبإنه لا علاقة لنا بهذه الجريدة وهذه السياسة.
– إن اسم (DENGÊ KURD)، والذي يعني (صوت الأكراد)، لا يعكس بشكل كاف تطلعات حزبنا الوطنية على الصعيد العام.
وبهذا التغيير في إسم جريدة الحزب ولسان حال لجنته المركزية من (DENGÊ KURD/ صوت الأكراد) إلى (الديمقراطي)، تكون الجريدة قد دخلت مرحلة جديدة في مسيرتها لتأخذ سمات مميزة في شكلها ومضمونها ومفردات خطابها السياسي ودائرة توزيعها.
– 3 –
المرحلة الثانية:
وتبدأ هذه المرحلة مع صدور العدد الأول من الجريدة بإسمها الجديد (الديمقراطي) والذي صدر في (آب 1966)، واستمرت بهذا الاسم لغاية العدد (233)، الذي صدر في أعقاب المؤتمر الثامن الإستثنائي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا الذي إنعقد في نيسان عام (1993)، وقد تميزت هذه المرحلة بسمات هامة أثرت على وتيرة صدور الجريدة ودفعتها نحو الأمام، حيث توجه خطاب جريدة (الديمقراطي) في هذه المرحلة نحو الإستقرار والتوازن على عدة محاور هامة ورئيسية، يمكن تأطيرها في النقاط التالية:
أ- إبراز خصوصية الحركة الكردية في سوريا، وفرض شخصيتها الإعتبارية وإحترامها في الساحة الوطنية التي تتحسس بطبيعتها من الشعارات الكردستانية التي طرحت في المرحلة السابقة، والتي كانت تثير لديها المخاوف والشكوك تجاه نوايا الحركة الكردية في سوريا، كشعار (تحرير وتوحيد كردستان) على سبيل المثال، وتجعلهم يصدقون إتهامات الشوفينيين بأن الكرد إنفصاليون ويهددون البلاد بالتقسيم ويشكلون خطراً على أمن البلاد وغيرها من الإتهامات الباطلة.
وبدأت الجريدة شيئاً فشيئاً تأخذ في خطابها السياسي الساحة الوطنية بعين الإعتبار، بدلاً من إهمالها وإستفزازها بطرح شعارات كردستانية مغالية لا تتلائم مع واقع الشعب الكردي في سوريا وخصوصيات وجوده القومي، هذه الشعارات التي جرّت الجماهير الكردية حتى وقت ليس ببعيد إلى خارج ساحتها النضالية الحقيقية، وقد اتخذ المنشقون مثل هذا التطور في خطاب الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا وجريدته المركزية (الديمقراطي)، ذريعة لتنظيم الإشاعات وتلفيق الإتهامات حوله، فوصمته بمعاداة قيادة الثورة الكردية في كردستان العراق، وبأنه إنسلخ عن عمقه الكردستاني بإتجاه المواطنة السورية والمساومة على حقوق الشعب الكردي.. إلخ.
ب- مواجهة الشعارات الطبقية (اليسارية) المزاودة، التي شكلت صرعة عالمية على مدى القرن المنصرم، والكردستانية البراقة التي برزت خلال تلك المرحلة في الساحة الكردية بكثافة مستهدفة عاطفة الجماهير البسيطة وغريزتها، فانتشرت بينها- مع الأسف- كانتشار النار في الهشيم، وهذه المواجهة دفعت بالمتخفين وراء تلك الشعارات لنعت الحزب بـ(اليمينية).
ج- الربط بين البعدين الوطني والقومي، والتوازن بينهما عبر الدعوة إلى ربط حل القضية الكردية في سوريا، بحل مسألة الديمقراطية في البلاد وضرورة أخذ هذا التوجه بعين الإعتبار في الخطاب السياسي الكردي، الأمر الذي وصفه الإنعزاليون بـ(المساومة).
د- إهتمامها بشكل مستمر بالقضايا الخدمية واليومية للجماهير ونقل همومها ومعاناتها، هذه القضايا التي جذبت إهتمام القراء بشدة.
وبسبب هذه الدعوة الجريئة والتوجهات الواقعية، تعرضت (الديمقراطي) للكثير من المشاكل و الضغوطات ولكنها تابعت مسيرتها النضالية بتصميم وعناد بين سندان الممارسات الشوفينية وأساليب القمع والملاحقة والتعذيب التي ظلت مستمرة بحق الحزب وكوادره المتقدمة من جهة، ومن جهة أخرى بين مطرقة المغامرين والمضللين من الوسط الكردي الذين لم يتوانوا عن إثارة تلك الشعارات الضارة بالشعب الكردي في سوريا وقضيته الوطنية والديمقراطية العادلة.
وبالإطلاع على أعداد (الديمقراطي) الصادرة في هذه المرحلة، يمكن الوقوف على الخطوط العريضة لهذا الخطاب الواقعي.
إن الشعارات التي كانت تكتب بشكل ثابت على الصفحة الأولى من جريدة (الديمقراطي)، للتعريف بتوجهاتها وسياستها منذ بداية صدورها، هي:
– الإشتراكية والديمقراطية صنوان لا ينفصمان.
– لا اشتراكية بدون عدالة إجتماعية شاملة.
– لا ديمقراطية بدون حرية ومساواة تامة.
وقد إستمرت (الديمقراطي) في ظل هذه الشعارات لغاية العدد (113)، الصادر بتاريخ (أوائل تشرين الثاني 1981)، حيث تغيرت تلك الشعارات منذ هذا التاريخ، إلى:
– دحر القوى الرجعية والإمبريالية.
– تحقيق الاشتراكية العلمية الصحيحة.
– تحقيق الديمقراطية الشعبية، رفع الإضطهاد عن الأكراد.
ولكن سرعان ما تم تعديل هذه الشعارات الأخيرة أيضاً في المؤتمر الخامس المنعقد خلال فترة (23-25 كانون الأول 1982)، فصدرت (الديمقراطي) إعتباراً من العدد (125)، الصادر بتاريخ (كانون الثاني 1983)، تحت الشعارات التالية:
– دحر القوى الرجعية والإمبريالية.
– تحقيق الاشتراكية العلمية.
– تحقيق الديمقراطية الشعبية.
– رفع الإضطهاد عن كاهل الشعب الكردي في سوريا.
واستمرت (الديمقراطي) بهذه الشعارات لغاية العدد (224)، الصادر بتاريخ (تموز 1992)، فصدرت الجريدة منذ ذاك التاريخ تحت الشعارات التالية:
– توفير الحريات العامة وإشاعة الديمقراطية.
– تحقيق المساواة والعدالة الإجتماعية.
– تأمين الحقوق القومية للشعب الكردي في سوريا.
وقد جاءت هذه الشعارات إنعكاساً مباشراً للمتغيرات الدولية التي أعقبت إنهيار المعسكر الإشتراكي، وأفول بريق الشعارات التي كان يروجها هذا المعسكر ويصدرها بغزارة إلى المجتمعات المتخلفة النامية ومن ضمنها المجتمع الكردي.
وهكذا بدأت (الديمقراطي) تستكمل خطابها السياسي شيئاً فشيئاً، وصارت تشكل بوصلة معبرة بصدق وأمان عن مصلحة الشعب الكردي في سوريا ومعاناته وطموحاته القومية والوطنية، وتابعت مسيرتها في حدود إمكاناتها المتواضعة وأصدرت أعدادها بشكل شهري تقريباً بالرغم من عدم تمكنها من الحفاظ على وتيرة إنتظامها الدوري بسبب الظروف الصعبة التي ظلت تعترضها دون توقف.
يقول عبد الحميد درويش بمناسبة الذكرى السنوية الثلاثين لصدور (الديمقراطي)، ما يلي: (لقد صدرت الديمقراطي في البداية بشكل متواضع جداً حيث كانت فقط في صفحتين من حجم ورق السحب بسبب الإمكانات المادية الضعيفة جداً، ولكن رغم ذلك واصلتـ الديمقراطي- مسيرتها لتؤدي دورها وواجبها الوطني في ظل ظروف أمنية وسياسية قاسية في السنوات الأولى من عمرها كما كان شأنها عندما كانت تصدر باسم- صوت الأكراد- الأمر الذي أدى في كثير من الأحيان- إلى جانب عوامل أخرى- إلى عدم صدورها بانتظام بشكل شهري..)(٧).
وهكذا فقد وصلت أعدادها إلى الرقم (233)، وذلك خلال مرحلة الـ(1966-1993)، وذلك بمعدل (8) أعداد فقط كل عام، وبهذا يكون قد انقطع (91) عدداً عن الصدور على مدى هذه الفترة، فضلاً عن أن أعداداً كثيرة أخرى صدرت بشكل مزدوج في عددٍ واحد.
ومن السمات الأخرى التي ميزت (الديمقراطي) هو الخط التصاعدي لعدد صفحاتها التي بدأت بصفحتين فأربع فست صفحات، إلى أن صدر منها عدد واحد فقط في صفحتين كبيرتين بقياسات (25,5 × 35,5) سم، تصويراً على (الفوتوكوبي)، بدلاً من آلة (الرينيو) البدائية، وهو العدد (204)، الذي صدر بتاريخ (تشرين أول 1990)، ولكنها سرعان ما عاودت صدورها في (8) صفحات من قياس (17,5 × 25,5) سم وبأناقة افضل من ذي قبل نظراً لإستمرارها في الطباعة تصويراً بالفوتوكوبي، الأمر الذي سهل نسبياً من إمكانية طباعة الأعداد بالكميات اللازمة وبوقت أسرع من ذي قبل.
يلاحظ بإن (الديمقراطي) كانت مسعرة بـ(25) ق.س إلى العدد (66)، الذي صدر بتاريخ (أوائل كانون الثاني 1976)، ومن ثم تم تسعيرها بـ(50) ق.س، إلى أن تم زيادة سعرها إلى (100) ق.س، لتستمر بهذه التسعيرة لغاية العدد (167)، الصادر في (نيسان 1988)، ومن ثم تم حذف التسعيرة نهائياً عن الجريدة بعد ذلك، ولا بدّ من التنويه بأنها ظلت توزع مجاناً حتى ذاك الوقت رغم كتابة التسعيرة على صفحتها الأولى.
وكانت (الديمقراطي) تصدر كـ( لسان حال اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي الكردي في سوريا )، إلاَ أنها وإعتباراً من المؤتمر الرابع المنعقد في (أواخر تشرين الثاني 1977) ، تم إضافة كلمة (التقدمي) إلى اسم الحزب، وتعود أسباب هذا التغيير وبحسب التنويه الذي أوردته الجريدة نفسها إلى أن: (المؤتمر الرابع لحزبنا أقر تغيير إسم الحزب من الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا، إلى الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، وذلك انسجاماً مع مبادئه وأهدافه من جهة، وتحاشياً للإلتباس مع المنظمات الكردية الأخرى التي تعمل تحت اسم الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا، من جهة ثانية )(٨).
ومن الملاحظ بأن (الديمقراطي) شهدت خلال هذه المرحلة تقدماً ملحوظاً في إصدارها وتوزيعها، ومن بين العوامل التي ساعدت على ذلك، نذكر ما يلي:
- تعزيز الوضع التنظيمي للحزب- نوعاً ما- وإمتداد تنظيماته إلى مختلف المناطق الكردية في سوريا، الأمر الذي أمن جهازاً تنظيمياً مقبولاً ساهم في زيادة توزيع أعدادها وتوسيع دائرة قرائها، لتصل إلى خارج الساحة الكردية وإن في مجالٍ محدود جداً.
- اكتسبت الكوادر الحزبية المعنية من خلال الممارسة والتجربة المزيد من الخبرة العملية والتجربة الذاتية، التي ساهمت في دفع سوية الجريدة نحو الأمام في مجال الكتابة والطباعة وأساليب النشر والتوزيع.
- إن انتشار التعليم في الوسط الكردي خلال النصف الأول من هذه المرحلة ساهم في ازدياد المتعلمين والمثقفين والمهتمين بالشؤون الكردية، الأمر الذي ساهم في تنامي عدد قراء الجريدة والمتابعين لها.
- بداية تنظيم هيئة تحرير (الديمقراطي) وإعتمادها المعايير التخصصية في تأسيس هيئتها وتشكيلها، بعد أن كانت مشتتة قبل ذلك، ومرتهنة في تحريرها للمبادرات الفردية والإرتجالية لعددٍ محدود من أعضاء القيادة وأمزجتهم بعيداً عن الإمكانات والمهارات والخبرات.
ورغم تقدم (الديمقراطي) نحو الأمام في هذه المرحلة، إلاَّ أن خطها البياني لم يستمر في التصاعد بنفس الوتيرة حتى نهاية المرحلة، بل تلكأت في أواخر الثمانينات من القرن المنصرم بسبب بروز نزعة تكتليه لدى عدد من أعضاء القيادة، وهم الذين نال الخمول والملل من عزيمتهم، إنعكست سلباً على وتيرة تحريرها، مثلما إنعكست على مجمل حياة الحزب التنظيمية والسياسية بالرغم من أن مواقع الحزب الجماهيرية كانت تتعزز شيئاً فشيئاً، ويكتسب خطابه السياسي المزيد من المصداقية والإحترام، والأنكى هو تمسك المتكتلين بأساليب روتينية ضارة، حالت دون تعويض هيئة التحرير بالدماء الجديدة ورفدها بأقلام واعدة بين قواعد الحزب، لا بل سُدت الطريق أمامها، بحجة أن أعضاء هيئة التحرير لابد أن يكونوا من أعضاء اللجنة المركزية حصراً، بذريعة إن الجريدة هي لسان حالها فقط، وبهذا السلوك الأناني المتخلف حرمت- آنذاك- الجريدة من طاقات هامة، إرضاءً لعقلية التكتل والجمود تلك.
لذلك بدأت سوية (الديمقراطي) تتراجع قليلاً إلى الوراء إلى أن تم عقد المؤتمر السابع للحزب (5-7 آيار1992)، حيث تحررت على إثره إرادة الحزب من هيمنة هؤلاء الذين تمردوا على قرارات المؤتمر السابع رغم مساهمتهم في صياغتها بأنفسهم.
-4-
المرحلة الثالثة:
وتبدأ هذه المرحلة بإنعقاد المؤتمر الثامن الإستثنائي للحزب ( أواخر نيسان1993)، والذي جاء إستكمالاً لما بدأه المؤتمر السابع والتطورات اللاحقة له، فقد كان المؤتمر الإستثنائي مكرساً لدراسة وضع المتكتلين والسبل الكفيلة بإزالة الصعوبات التي أثاروها فكان الإعلام من المجالات التي نال إهتمام المؤتمرين لما له من دور مؤثر في الرأي العام، فاستجاب المؤتمر لظروف المرحلة التي تفترض حضوراً مكثفاً على الساحة الوطنية والإنفتاح على الأوساط غير الكردية (الرسمية منها والجماهيرية)، ومخاطبتها بخطاب سياسي أكثر موضوعية ووضوحاً، وبالتالي تنقيته من المفردات القومية البراقة والطبقية المضللة، وتشمل هذه الدراسة لغاية العدد (389)، الصادر في (أوائل كانون أول 2000).
ولاشك بأن الذي شجع الحزب على هذا التوجه الذي ظل ملتزماً به خلال مسيرته أكثر، هو المتغيرات الدولية التي أفرزت نظاماً دولياً جديداً كان من سماته البارزة (إشاعة الديمقراطية وإحترام حقوق الإنسان)، التي إنتشرت على حساب إنحسار وتلاشي الشعارات المغامرة والبراقة التي راجت خلال مرحلة الحرب الباردة، مثلما شكلت ضغطاً موازياً على الأوساط الشوفينية والعنصرية التي باتت ممارساتها مكشوفة للرأي العام العالمي ومثار إهتمامه المستمر والدقيق، ولحسن الحظ فقد إنعكست هذه المتغيرات إيجابياً لصالح سياسة الحزب وتوجهاته، وأكدت على مصداقية خطابه السياسي وواقعيته بالتجربة الميدانية، هذا الخطاب الذي ظل مترفعاً عن المزاودة وأساليب الإثارة والتشويق المضللة للجماهير، حيث ركز الحزب نشاطه خلال هذه المرحلة بإتجاه الساحة الوطنية، مبتعداً قدر الإمكان عن إسلوب المهاترات والصراعات العقيمة التي سادت الساحة الكردية لأكثر من ثلاثة عقود..
وشكلت جريدة (الديمقراطي) بإمكاناتها المتواضعة والظروف القاهرة التي تابعت فيها مسيرتها، الرافعة الحقيقية لخطاب الحزب وتوجهه الجديد هذا، ونجحت إلى حد مقبول في عرض هذا الخطاب ونشره في الأوساط المعنية.
ولعل من أهم العوامل التي ساهمت في إنجاح وتطوير صدور (الديمقراطي)- شكلاً ومضموناً- للإرتقاء بها إلى مستوى المهام التي تنتظرها، هي:
1- البدء بتوسيع هيئة التحرير وتنظيمها، لتضم فضلاً عن الكوادر القيادية، أيضاً كوادر من الهيئات القاعدية، للمساهمة معاً في رفع سوية (الديمقراطي) وتحسين أدائها، وقد أثبتت التجربة العملية نجاح هذه المبادرة التي انعكست مباشرة على مستوى الجريدة وتحريرها، وتم بذلك كسر حاجز الأنانية والانغلاق التي سادت المرحلة السابقة، عندما كانت هيئة التحرير محتكرة لأعضاء قيادة الحزب حصراً بذريعة كونها لسان حال الحزب، الأمر الذي حرّم جريدة (الديمقراطي) من إمكانات ثقافية لايستهان بها..
2- إصدار الجريدة بشكل (نصف شهري) إعتباراً من العدد (253)، الصادر في (أوائل كانون الأول 1994)، كمبادرة نوعية فريدة في الساحة الكردية في سوريا، وإنتظام صدورها الدوري في (أوائل و أواخر) كل شهر، وتجلى تصميم الحزب والتزامه العملي بتنفيذ قراره من خلال انتظام صدور الجريدة في الفترة بين (العدد 233/ نيسان 1993) و (العدد 252/ تشرين الثاني 1994) دون إنقطاع، وبمعدل عدد واحد شهرياً، أما بعد أن تقرر إصدارها بشكل نصف شهري، فقد صدر منها /136/عدداً، بدءاً من (العدد 253/ أوائل كانون أول 1994)، ولغاية (العدد 389/ أوائل كانون أول 2000)، أي بمعدل (23) عدداً خلال العام الواحد، وانقطاع عدد واحد فقط كل عام كعطلة سنوية للجريدة، فبلغ مجموع الأعداد التي صدرت خلال هذه المرحلة الأخيرة والتي امتدت (7) سنوات، /156/ عدداً من دون أن تضطر (الديمقراطي) إلى إصدار أيّ عدد مزدوج، وبمقارنة سوية الصدور في هذه المرحلة مع المرحلتين السابقتين، يتبين لنا حجم الجهود التي بذلت في هذا السبيل منذ المؤتمر الثامن للحزب.
3- التوسع (أفقياً وعمودياً) في توزيعها في الوسطين الكردي والوطني، فضلاً عن المبادرة الأخيرة في هذا المجال والتي كانت الأهم، وهي دخول (الديمقراطي) إلى شبكة الأنترنيت اعتباراً من (12 آذار 2000)، والتي صار من الممكن لمن يرغب تصفح أعدادها والإطلاع على أرشيفها على العنوان التالي www.dimoqrati.info.
4- إعتماد التقنية الحديثة في إخراج (الديمقراطي) وطباعتها، فصارت تصدر في هذه المرحلة بواسطة التصوير الإلكتروني الحديث، كما تم البدء بكتابتها بالكمبيوتر، بدلاً من الآلة الكاتبة وورق الحرير، وذلك اعتباراً من (العدد 279/ أوائل كانون الثاني1996)، الأمر الذي ساعد في إخراجها بحلة جديدة وأنيقة، بقياسات (29.5× 21) سم.
5- تقرر إصدار جريدة (الديمقراطي)، بناءً على قرارات المؤتمر العاشر الذي انعقد بتاريخ (1 تشرين الأول 1999)، كجريدة (يصدرها الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا)، بدلاً من اعتبارها: (لسان حال اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا)، وذلك اعتباراً من (العدد 364/ أوائل تشرين أول 1999)، الأمر الذي فتح المجال أكثر أمام المشاركين في كتابة موادها واغنائها، وتوسيع مساحة اهتماماتها وتطويرها، هذه الخطوة التي جاءت انعكاسا للمبادرات التالية:
آ ـ فتح المجال أمام الرأي الأخر ليأخذ طريقه إلى صفحاتها، بالإعلان عن افتتاح (الزاوية الحرة) اعتباراً من (العدد 268/ أواخر تموز 1995)، وذلك تجسيداً لنهجها المتمثل في فتح قنوات الحوار وتنشيطه، وبالفعل ساهمت في هذه الزاوية أقلاماً معروفة وطرحت عبرها محاور ومواضيع هامة، أثارت النقاش والحوار المثمر، مثل (العلاقة بين المثقف والسياسي، ماذا حققت الحركة الكردية، الحركة الكردية بين السرية والعلنية، الشباب والحركة الكردية في سوريا.. الخ).
ب- تنويع مواضيعها، وتوزيعها على المحاور (الوطنية، والكردية والكردستانية، والدولية.. الخ)، وتزويدها بأبواب هامة، مثل (أخبار قصيرة)، وذلك بدءاً من (العدد 251/ تشرين أول 1994)، والزاوية (التاريخية والكاريكاتير)، بدءاً من (العدد 269/ أوائل آب 1995)، وزاوية (عرض الكتب والمطبوعات) من (العدد 282/ أواخر شباط 1996)، كما عرضت سلسلة من المقالات الهامة التي تناولت معانات الكرد وخاصة المجردين من الجنسية ونشر الوثائق المتعلقة بها، وفتحت مجالاً لاستقبال بريد القراء..
ج- تطوير وتحسين شعار الجريدة (الشمس)، والذي بات علامة مميزة للجريدة وتدل عليها بسهولة.
د- تنشيط باب الاشتراك السنوي بالجريدة، والذي بلغ آنذاك (240) ل.س، وأن التقدم في أعداد المشتركين في شراء الجريدة، يعكس بوضوح نجاحها وحضورها وتزايد مصداقيتها وإحترامها بين القراء، الأمر الذي يضع على عاتق هيئة التحرير والمعنيين بطبعها وتوزيعها، مسؤولية أكبر للمثابرة على إصدارها المنتظم وإيصالها للقراء قبل أن تفقد مضمونها وقيمة أخبارها، ولأن تتميز بالسبق الصحفي بالإعتماد على وسائل الإتصال المتوفرة.
الحقيقة، إن هذا التقدم الملحوظ في مستوى الجريدة (شكلاً ومضموناً)، ساهم في تشجيع ظاهرة فريدة وجديرة بالإحترام بين أوساط قراء الجريدة والمتابعين لها، وهي إقتنائها والبدء بأرشفة أعدادها والاحتفاظ بها كوثائق تاريخية تعبر عن الصورة الحقيقية للمرحلة التي صدرت فيها، وتعكس واقعها الحقيقي بأمانة وصدق.
وقد إستمرت الجريدة بهذه الوتيرة التي شهدتها المرحلة الثالثة حتى إندلاع الثورة السورية وتدهور الأوضاع على كافة الصعد، الأمر الذي جعل من الصعب الإستمرار في إصدارها والحفاظ على وتيرتها السابقة، فتراجع صدورها شيئاً فشيئاً إلى حد الإقتصار على صدور أعداد إستثنائية خاصة فقط، ولعل من الأسباب التي ساهمت في ذلك فضلا عن الأوضاع القاهرة التي أفرزتها الثورة، هو أن تسارع الأحداث وغزارة الأخبار جعلت من دورية نصف شهرية كالديمقراطي عاجزة عن ملاحقة هذه المتغيرات والمستجدات في حينها، فتم التعويض عنها بتنامي دور الأنترنيت والفيسبوك والتويتر الذي هيأ الفرصة لمتابعة الحدث بشكل لحظي، كما إن الإعلام الكردستاني ساهم بملئ هذا الفراغ إلى حد كبير بمبادرته إلى الإهتمام بالثورة السورية عامة والكردية منها بشكل خاص، وكانت قناة (Gele Kurdistan) سباقة في هذا المجال بتخصيصها لبرنامج ثابت لمتابعة الشأن الكردي في سوريا، ملتزمة في سياستها بتوجهات الحركة الكردية في سوريا ومصلحة قضيتها القومية، هذا إلى جانب إهتمام الإعلام العربي والعالمي أيضاً من جانبه بتغطية الأحداث أول بأول والذي أتاح فرصة نسبية للشعب الكردي وحركته السياسية من إيصال صوتها إلى جماهير أوسع.
– 5 –
نأمل بهذه القراءة المتواضعة لمسيرة (الديمقراطي)، أن نكون قد وفقنا في تلمس الخطوط العريضة لمسارها، ورسم خطها البياني بشكل سليم، هذا الخط الذي إعترضته صعوبات كثيرة، والذي ظل مع ذلك متصاعداً نحو الأعلى رغم الانحناءات والمنعطفات في بعض المراحل بسبب الظروف الموضوعية القاهرة التي تابعت فيها مسيرتها الشاقة والمريرة، وهي مسيرة تعكس صورة الصحافة الكردية في سوريا، وتبين حجم الجهود الإستثنائية التي صرفها روادها الأوائل للتمكن من دفعها نحو الأمام كأداة نضالية لا يمكن التفريط بها، وكذلك تولد الأمل بآفاق صحفية أفضل تحقق فيها طموحات هؤلاء الرواد الذين أضاءوا هذه الشمعة منذ عقود وما زالوا يضيؤنها بروحهم وعقلهم لينيروا بها الأنفاق المظلمة التي لم يتوان المضللون لحظة في دفع الشعب الكردي نحوها.
فإذا كان هؤلاء الرواد قد حملوا بتحدي راية جريدة (الديمقراطي)، إلى أن أوصلوها إلى عددها الجديد (٦٤٢)، الذي صدر في (نيسان ٢٠٢٥)، وحافظوا عليها خفاقة في وجه أمواج الظلم والإضطهاد المتلاطمة وخاصة خلال هذا العقد والنصف من الأزمة السورية الكارثية، فإن متابعة المشوار تبقى مسؤولية الذين تخرجوا من المدرسة النضالية لهؤلاء الرواد وتتلمذوا على أيديهم.. ولا نعتقد بإنها مسؤولية سهلة في مثل هذه الظروف المتغيرة بشكل لحظي، التي باتت مرهونة لسلطة الكمبيوتر والعقل الإلكتروني والأقمار الصناعية وشبكة الإنترنت والذكاء الإصطناعي.. وتمسك وسائل التواصل الاجتماعي (الفيسبوك، والواتس آب، والتويتر والإكس..)، في هذه الظروف القاهرة زمام الرأي العام وتوجيهه بعيداً عن يد الرقابة وأعين الجواسيس وفقهاء الظلام.
الهواميش:
(١)- تأسس الحزب باسم (حزب الديمقراطيين الكرد السوريين)، بحسبما ثبتت هذه التسمية في البرنامج السياسي الأول الذي طبع باللغة الكردية في دمشق عام 1956، وقد تم تغييره إلى (الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا) بعد الإتفاق مع مجموعة حلب التي إنفصلت عن الحزب الشيوعي السوري، واشترطت هذا التغيير لإنضمامها إلى الحزب الجديد، وبعد إن إنشق صلاح بدرالدين في 1965، باسم اليساري الكردي في سوريا، تابع الحزب بزعامة عبد الحميد درويش بنفس الإسم (الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا)، إلى أن تم إضافة كلمة التقدمي إليه عام 1977.
(٢)- كتاب (أضواء على الحركة الكردية في سوريا)، تأليف عبد الحميد درويش، ط1/2000.
(٣)- وكان والد الكاتب أحد هؤلاء المناضلين الذين طالهم الإعتقال لمدة ستة أشهر في السجن العسكري بدير الزور أوائل الستينات من القرن المنصرم لمجرد إنه تم ضبط ورقة مكتوبة باللغة الكردية مع أحد أعضاء الفرقة الحزبية التي كان يديرها..
(٤)- من أمثال المناضلات (وزيرة تيلو، فاطمة شرنخي، كلسن، سينم..).
(٥)- الوثائق مأخوذة من كتاب (أضواء على الحركة الكردية في سوريا) الذي طبع عام 2000.
(٦)- كتاب (أضواء على الحركة الكردية في سوريا)، تأليف عبد حميد درويش، ط1/2000، (ص102).
(٧)- جريدة (الديمقراطي) / العدد (292)، الصادر بتاريخ (أوائل آب / 1996).
(٨)- جريدة (الديمقراطي) / العدد (83)، الصادر بتاريخ (تشرين الثاني 1977).
(*)- نقلاً عن :
الاعلام والراي العام الکردي في سوريا
المٶلف: علي شمدین
من منشورات مرکز مارغریت
الطبعة الاولی – ٢٠١٤
الرابط الكتاب:
http://www.hewalname.com/ku/wp-content/uploads/2024/06/275.pdf