الطبعة الجديدة من كتاب «جحيم حي» تصدرها «نوس هاوس»

أصدرت دار نوس هاوس للنشر والترجمة والأدب، الطبعة الثالثة، من المجموعة الشعرية «جحيم حيّ»، للشاعر الكردي السوري، إدريس سالم، والتي وقعت في (124) صفحة، وفيه قصائد بأغراض شعرية مختلفة، مكتوبة ما بين أعوام (2010م – 2019م).
تبدأ المجموعة الشعرية، بقصائدها العشرين، المحصّنة، المختارة بعناية، والمكتوبة في بداية اندلاع الحرب في سوريا بنصف كلمة تركت أثراً بليغاً في النفس، حيث تقول:
«كتبْتُ هذه النصوصَ، وأنا أقنعُ أبي «العنيدَ»؛ للذهاب إلى المشفى؛ مرّةً لارتفاع ضغط الدمِ لديه، ومرّةً لضيق التنفّسِ، وأخرى من قَرْحة تسْكرُ في أحشائه. كتبْتُ هذه النصوصَ، وأنا أسهرُ – مُراقِباً – حالةَ الشهيقِ والزفيرِ، التي كانَ يمارسُها، وهو نائمٌ يتألّم. كتبْتُ هذه النصوصَ، وأنا أترجّاه في أن يأخذَ دواءَه، ويأكلَ طعامَه، وألّا يذهبَ إلى الخارج؛ حيث طقوسُ الشتاءِ، أو الصيف… كتبْتُ هذه النصوصَ، وأنا أنصحُ أمّي؛ بألّا تدخّنَ شتاءً في مطبخِنا العاري، وصيفاً في شرفتِنا المنسيّةِ؛ لعلّها تتنعّمُ قليلاً بملح الطعامِ وسُكّرِ الشاي…
يسألُني في كلّ قصيدةٍ أو مقالةٍ أكتبُها:
«لم أنتَ سهيّرٌ إلى هذه الدرجة؟!».
أجيبُه بسؤالي الدائمِ:
«وهل استفدْتَ من النوم مُبكِّراً؟!».
يجيبُني بضحكة طفلٍ لا أسنان له:
«النومُ صحيٌّ لجسدي».
«والسهرُ صحيٌّ لروحي».
كانَ يعودُ إلى سكينته من جديد، ويضعُ رأسَه على وِسادته، فيسرحُ شخيرُه في أرجاء الغرفةِ!
ما يقهرُ الروحَ يا أبي: «غريبٌ يَرانا كِباراً، وقريبٌ يَرانا صِغاراً…».
هو وجهُ العدالةِ القبيح…».
وتتناول المجموعة أهم القضايا المجتمعية، الإنسانية والسياسية، على عدة أصعدة متعلّقة بالقضية الكردية والسورية وقضاياها الأخرى، وتسلّط الضوء على المجازر الشنيعة التي ارتكبت بحق السوريين والكرد.
وتتوزّع المجموعة على قصائد عدة، تبدأ بقصيدة «وحي الحرائق»، وتنتهي بقصيدة «بقايا امرأة»، ويعقد الشاعر مقارنة بين عالمين، عالم الكتابة بما تشكّل من ترياق ضدّ آلامه وخيباته، وعالم مسكون بانكسارات وصور لشخوص وأمكنة وأزمنة، تتوحّد جميعها في ترسيخ هذا التضاد.
وفي ذروة هذا الصراع الأبدي بين العالمين، يصدح صوت الشاعر وهو يخطّ من خلال اللغة ورؤاه ميسماً خاصاً لبعض من الأمل الذي ينفتح من قيم المحبة والقدرة على الانتصار لقيم الحياة، كما يستحقّ أن يعيشها الإنسان.
ومن أجواء الكتاب قصيدة (لنعد صغاراً):
– 1 –
أنطقُها
أجدُها…
فأشعرُ برغبة عارمةٍ
قدرةٍ إلهيةٍ
لمُجابهة كلّ الحروبِ،
والانتصارِ على ثعابين
جوارحَ
دبّاباتٍ
كوارثَ
وما في النساء من كيد
وما في الحياة من فقر
عطشٍ
جوعٍ،
وأوبئةٍ.
– 2 –
إن لم أنطقْها
إن لم أجدْها
تأكلْني ديدانٌ
نملٌ
دبابيرُ
رياحٌ،
وأشباحٌ.
– 3 –
أتساءلُ
عن إخوة يتقاسمون القمحَ
صِغاراً…
يتخاصمون عليه
كِباراً…؟!
– 4 –
هذيانٌ يهذي
سدودٌ مَجهولةٌ تُبنى
على حدود السؤالِ
تسليمُ حياةٍ
لوسواس جبانٍ
لخنّاس جربان.
– 5 –
ضعْ أصابعَ قلبِك
في تخوم وجعي؛
ولنركعِ الشمسَ
على ركبتيها.
هيّا…
هيّا يا أخي
هيّا… لِنعدْ صغاراً.
تجدر الإشارة إلى أن المجموعة الشعرية صدرت لأول مرة عام 2020م، عن دار فضاءات للنشر والتوزيع في الأردن، فيما صدرت الطبعة الثانية عن دار الدراويش للنشر والترجمة عام 2022م، وفيها – بحسب الكاتب سربند حبيب – يتحرّر الشاعر من ثنائية الشكل والمضمون التقليدي، بحيث يصرف طاقاته الإبداعية في بنية الإيقاع التي تتولد عنها الدلالات والإيحاءات، التي تنبجس أساساً من الإيقاع، وهذه العلاقة الجدلية تبدأ من تلك التقاطعات – الإيقاع مع الدلالة – حيث يتفاعل النبرة اللغوية مع الروح الشعرية، مشكّلة حيوية إيقاعية دلالية للقصائد.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبدالعزيز قاسم

(كان من المقرر ان اقدم هذه المداخلة عن “اللغة الشعرية في القصيدة الكردية المعاصرة ـ ڕۆژاڤا” في مهرجان فولفسبورغ للشعر الكردي اليوم السبت ٢٥ اكتوبر، ولكن بسبب انشغالي بواجب اجتماعي قدمت بطاقة اعتذار إلى لجنة إعداد المهرجان).

وهذه هي نص المداخلة:

من خلال قراءتي لنتاجات العديد من الشعراء الكرد (الكرمانجية) المعاصرين من مناطق مختلفة “بادينان،…

إبراهيم محمود

 

تلويح خطي

كيف لرجل عاش بين عامي” 1916-2006 ” وفي مجتمع مضطرب في أوضاعه السياسية والاجتماعية، أن يكون شاهداً، أو في موقع الشاهد على أحداثه، ولو في حقبة منه، إنما بعد مضي عقود زمنية ثلاثة عليه، دون تجاهل المخاطر التي تتهدده وتتوعده؟ وتحديداً إذا كان في موقع اجتماعي مرصود بأكثر من معنى طبعً، كونه سياسياً…

د. محمود عباس

حين يمرض الضوء، تبقى الذاكرة سنده.

قبل فترةٍ ليست بعيدة، استوقفني غياب الأخت الكاتبة نسرين تيلو عن المشهد الثقافي، وانقطاع حضورها عن صفحات التواصل الاجتماعي، تلك التي كانت تملؤها بنصوصها القصصية المشرقة، وبأسلوبها المرهف الذي حمل إلينا عبر العقود نبض المجتمع الكوردي بخصوصيته، والمجتمع السوري بعموميته. كانت قصصها مرآةً للناس العاديين، تنبض بالصدق والعاطفة،…

خالد حسو

 

ثمة روايات تُكتب لتُروى.

وثمة روايات تُكتب لتُفجّر العالم من الداخل.

ورواية «الأوسلاندر» لخالد إبراهيم ليست رواية، بل صرخة وجودٍ في منفى يتنكّر لسكّانه، وثيقة ألمٍ لجيلٍ طُرد من المعنى، وتشريحٌ لجسد الغربة حين يتحول إلى قَدَرٍ لا شفاء منه.

كلّ جملةٍ في هذا العمل تخرج من لحمٍ يحترق، ومن وعيٍ لم يعد يحتمل الصمت.

فهو لا…