عبدالجابر حبيب
- دور المسرح في المجتمع
المسرح ليس مجرد وسيلة ترفيه، بل هو فن يحمل رسالة، يعكس قضايا الناس، ويشكّل وعياً جمعياً. منذ نشأته، كان المسرح مساحةً للحوار، يسلط الضوء على المآسي الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ويجسد الأحلام والآمال. فهو “مرآة تُعرض عليها الفضائل والرذائل”، كما وصفه الكاتب المسرحي شكسبير.
يقول جان فيلار: “المسرح مدرسة الشعب”، وهذه المقولة تلخّص دوره في تشكيل وعي المجتمعات، فالعروض المسرحية لم تكن مجرد أداء فني، بل كانت محركاً فكرياً واجتماعياً، تسهم في تطور الأمم ورقيّها.
- تأثير المسرح وقدرته على التغيير
للمسرح قدرةٌ على التأثير تفوق أحياناً الخطابات السياسية والمقالات الفلسفية، لأنه يخاطب العاطفة والعقل في آنٍ واحد. “أعطني مسرحاً، أُعطِكُم شعباً عظيماً”، المقولة تُنسب إلى أكثر من مفكر ومبدع، وبغض النظر عن القائل، فهي إشارةٌ إلى أن المسرح قادرٌ على تشكيل الإنسان الواعي القادر على التغيير.
المسرح يعرّي الواقع دون تجميل، ويواجه الجمهور بالحقيقة، مما يجعله أداةً حقيقيةً لإحداث ثورةٍ فكرية. ففي بعض الأزمنة، كانت العروض المسرحية تُمنع لأنها تهدد سلطة المستبدين، مما يدلّ على تأثيرها العميق في صناعة الوعي.
- المسرح كمرآةٍ للمجتمع
لطالما قيل إن المسرح مرآة المجتمع، لكن هل يعكس الواقع كما هو، أم أنه يقدّم رؤيةً أعمق؟ يقول أرسطو: “المسرح ليس تقليداً للحياة، بل هو تفسيرٌ لها”. فالمسرحية قد لا تكون تصويراً حرفياً لما يحدث، لكنها تمنح الجمهور زاويةَ نظرٍ مختلفة، تساعده على إدراك قضاياه من منظورٍ جديد.
ويؤكّد برتولت بريخت أن المسرح لا يجب أن يكون مجرد انعكاس، بل وسيلةً لإعادة تشكيل الواقع، حيث يقول: “يجب أن لا يكون المسرح مرآةً تعكس الواقع، بل مطرقةً تحطّمه وتصنع واقعاً جديداً”.
- كيف ننهض بالمسرح؟
المسرح في بعض الدول يواجه تراجعاً لأسبابٍ متعددة، منها غياب الدعم، وعدم اهتمام الجمهور، وضعف النصوص المقدّمة. لكن النهوض به يتطلب استراتيجياتٍ واضحة، منها:
– التعليم المسرحي: إدخال المسرح ضمن المناهج الدراسية لصقل جيلٍ جديدٍ من الممثلين والكتّاب والمخرجين.
– الدعم الحكومي والمجتمعي: المسرح بحاجةٍ إلى تمويلٍ يضمن استمراريته وتطوّره.
– إحياء المسرح الجماهيري: يجب إعادة العروض المسرحية إلى الشارع والساحات العامة، كما كان في المسرح الإغريقي.
– تقديم قضايا تهمّ الجمهور: فالمسرح الجيد هو الذي يتناول هموم المجتمع ويقدّم طرحاً جديداً لها.
يقول أنطونين آرتو: “علينا أن نعيد إلى المسرح طاقته الخام، ليهزّ الجمهور ويفرض عليه رؤيةً جديدةً للحياة”، وهذا بالضبط ما نحتاج إليه اليوم.
- المسرح كحياةٍ أخرى تحاكي الواقع
المسرح ليس مجرد تمثيلٍ للحياة، بل هو حياةٌ بديلة، يجسّد مشاعر الإنسان وأحلامه وأوجاعه، ويمنحنا تجربةً عاطفيةً وفكريةً قد لا نعيشها في الواقع. يقول بيتر بروك: “المسرح يبدأ عندما يعبر شخصٌ ما فضاءً فارغاً، بينما يراقبه شخصٌ آخر”، مما يؤكّد أن الحياة المسرحية يمكن أن تنبع حتى من أبسط المواقف.
وفي مسرحيات صامويل بيكيت وتشيخوف ويوجين يونسكو، نجد أن المسرح يعكس عبثية الحياة، لكنه في الوقت نفسه يخلق معانيَ جديدة، تجعل الإنسان يتأمل واقعه بشكلٍ مختلف.
- ماذا يعني تراجع المسرح في بلدٍ ما؟
حين يتراجع المسرح، فهذا يعني أن المجتمع فقد أحد أهم أدوات الوعي والتفكير النقدي. في الأنظمة القمعية، يكون أول المستهدفين هو المسرح، لأنه مساحةٌ للحوار والحرية. كما أن ضعف المسرح قد يكون مؤشراً على أزمةٍ ثقافية، تدلّ على انشغال الناس باستهلاك الترفيه السطحي بدلاً من البحث عن فنٍّ يعالج قضاياهم.
ينسب إلى بريخت قوله: “أعطني خبزاً ومسرحاً، أُعطِك شعباً مثقفاً”. حين يكون المسرح حيّاً، يكون المجتمع قادراً على الازدهار. أما في الدول التي يتراجع فيها المسرح، فإن ذلك يعكس أزمةً في الفكر والهوية، وهو ما يستدعي العمل على إعادة إحيائه، لأنه ليس مجرد فنٍّ، بل ضرورةٌ حضارية.
- خاتمة
المسرح ليس ترفاً، بل هو نبض المجتمع وصوته الحر. في كل عصر، كان المسرح علامةً فارقةً في نهضة الشعوب، وكلما ازدهر المسرح، ازدهرت الثقافة والفكر. وكما قال أوغستو بوال: “المسرح هو سلاح، وإذا كان الفن هو الحياة، فإن المسرح هو أصدق تجلّياتها”.