فدوى كيلاني
ليس صحيحًا أن مدينتنا هي الأجمل على وجه الأرض، ولا أن شوارعها هي الأوسع وأهلها هم الألطف والأنبل. الحقيقة أن كل منا يشعر بوطنه وكأنه الأعظم والأجمل لأنه يحمل بداخله ذكريات لا يمكن محوها. كل واحد منا يرى وطنه من خلال عدسة مشاعره، كما يرى ابن السهول الخضراء قريته كأنها قطعة من الجنة، وكما يرى ابن الصحاري فيها حضنًا دافئًا يملؤه الحنين.
الوطن ليس مجرد مساحات من الأرض، بل هو ذاكرتنا المليئة بالوجوه التي أحببناها، والأماكن التي ضحكنا فيها، والأصوات التي طربت لها أرواحنا. هو تلك الأطعمة التي عرفناها جيدًا، روائحها التي أصبحت جزءًا من تكويننا. لذا، يمكن أن نجد الفرح في لقاء صديق قديم حتى لو كان ذلك اللقاء في أقصى بقاع الأرض، ونشعر بلهفة على طعم فنجان قهوة من مقهى صغير بينما نحن في أفخم مطاعم العالم.،
الوطن ليس مكانًا نعود إليه بأقدامنا، بل هو ذاك المكان الذي نعود إليه بقلوبنا في كل لحظة، حتى ونحن بعيدون عنه. إنه الذاكرة التي تبقى حية فينا، تتنفس معنا أينما كنا..