جمال العالم الموجود: البحث عن الجمال في أكثر الأماكن انكسارا

أصدر الكاتب والشاعر والمترجم الكردي السوري عبدالرحمن عفيف مجموعة قصصية جديدة بعنوان “جمال العالم الموجود”، عن دار نشر “سامح” في السويد 2025، بتصميم غلاف من إبداع الفنان الكردي لقمان أحمد. المجموعة، التي تضم أكثر من ٣٠ قصة قصيرة، تأخذ القارئ في رحلة عبر تفاصيل الحياة اليومية في بلدة عامودا السورية ومحيطها، حيث تلتقي الشخصيات العادية بحكايات استثنائية تلامس الوجود الإنساني بكل تعقيداته.

تنساب القصص بلغة شاعرية مقتصدة، تختزل المشاعر في كلماتٍ تحمل طبقات من الدلالات. في قصة “ملاحظات لم يُنطق بها أوان شرب الشاي”، يُجسّد عفيف صراع الهوية الكردية من خلال حوار صامت بين أصدقاء يزورون كاتبا يعمل على تأليف معجم كردي، بينما تطفو على السطح أسئلة عن جدوى اللغة في مجتمع يُكافح للبقاء. أما في “شارع الكتم”، فيحول الحب المسكوت عنه إلى استعارة للذاكرة الجمعية، حيث يرافق العاشق رموزا مثل “نهر الخنزير الجاف” و”السينما المحترقة”، كشهود على مآسي لا تُقال.

تتنوع القصص بين الواقعي والسريالي، كقصة “عسل المسيحيين”، التي تدمج السخرية السوداء مع مأساة أبٍ فاقد الذاكرة، و”جاكيت النبوة” التي تستكشف التناقض بين الزهد الديني والرمزية السياسية عبر جاكيت أخضر يرتديه شيخٌ متصوف. أما قصة “جمال العالم الموجود” (التي تحمل المجموعة اسمها)، فتُقدم تأملا فلسفيا في مفهوم الجمال عبر فتاةٍ يُصبح جمالها مصدر عذابٍ لإخوتها، ليرفضوا في النهاية رؤية أنفسهم في مرآة تُظهر جمالهم الداخلي، متمسكين بالجمال الخارجي كقيدٍ وجودي.

لا تُغيب المجموعة تجربة الكاتب الشخصية كلاجئ في ألمانيا منذ 1996، حيث تظهر تأثيرات الهجرة في قصص مثل “الاسكندراني في فيلنيوس”، التي تروي مغامرة شابٍ سوري يختلق هوياتٍ وهمية في رحلته عبر أوروبا، أو “رجوع الغبار” التي ترمز إلى الحنين إلى تراب الوطن عبر غبارٍ يتحول إلى أزهار لوز بيضاء. هذه الثنائية بين الغربة والانتماء تُكرّسها المجموعة كعلامة فارقة في أدب عفيف، الذي وصفه الناشر بأنه “يكتب اللامرئي بالهمس، لكن صوته يصل بعيدا”.

وصفت دار نشر “سامح” المجموعة بأنها “نافذة على الحياة الكردية في سوريا، بكل ما تحمله من تناقضات بين البساطة والتعقيد”. وأضافت: “عبدالرحمن عفيف لا يروي حكاياتٍ فحسب، بل يحفر في ذاكرة المكان لينتج أدبا يجعل من التفاصيل الصغيرة بوابة لفهم العالم”.

ساهم الفنان الكردي لقمان أحمد في إثراء المجموعة بتصميم غلاف يعكس جوهر القصص، حيث يظهر مشهد لعاشق فقد عينيه في سبيل عشقه مع رموز ثقافية كردية، كحصان وحيد ضائع وأزهار رمان متوارية في تكوينٍ يجمع بين الواقعية التجريدية والألوان الترابية التي توحي بثراء التراب الكردي السوري.

تتوفر المجموعة في الأسواق السويدية والأوروبية عبر منصات البيع الإلكترونية.

“جمال العالم الموجود” ليست مجرد مجموعة قصصية، بل سردٌ لِما يهمس به المُهمّشون في زوايا البيوت الطينية وشوارع البلدة المُهمَلة. عبدالرحمن عفيف يقدم هنا أدبا لا يخشى مواجهة الأسئلة الكبرى عن الهوية والوجود، مُذكرا بأن الجمال الحقيقي يكمن في القدرة على رؤية العالم بعينٍ لا تتوقف عن البحث عن المعنى، حتى في أكثر الأماكن انكسارا.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

حاوره: ماهين شيخاني

 

من أجمل الأصوات المميزة على الساحة الغنائية ،ذو نبرة جبلية صلدة كصخور جبال كردستان،ثم تراه كبلبل صداح يغرد بعذوبة لا يضاهيه سوى عذوبة انهار كردستان، وهبه الله

حنجرة ذهبية ليبدع بها تلك الأغنية الفلكلورية الرائعة (أسمر) و التي غنتها العديد من المطربين

من أمثال الراحلين محمد عارف جزراوي و رفعت داري وغيرهم ،انه بحق أعطى…

صبري رسول

 

توطئة للفسحات:

يهندس خالد حسين أشكال الحب في قصيدة: واحدة، في مجموعته رشقة سماء تنادم قلب العابر الصادرة عن دار نوس هاوس بداية 2025. المجموعة عبارة عن أربع فسحات، وهي الفهرسة الهندسية الخاصّة التي تميّزت بها، أربعة أقسام، كلّ فسحة مؤلفة من أربع فسحات صغرى معنونة، وتحت كل عنوان تندرج عدة مقاطع شعرية مرقمة وفق…

أصدرت منشورات رامينا في لندن رواية “ليالي فرانشكتاين” للروائيّ والفنّان الكرديّ العراقيّ عمر سيّد بترجمة عربية أنجزها المترجم ياسين حسين.

يطلّ عمر سيّد “ليالي فرانكشتاين”، حاملاً معها شحنة سردية نادرة تمزج بين الميثولوجيا السياسية والواقع الجحيمي، بين الحكاية الشعبية والتقنيات المعاصرة، ليقدّم نصاً مكثّفاً عن الجرح الكردي، وعن الوطن بوصفه جثةً تنتظر التمثال المناسب كي تُدفن…

عبد الجابر حبيب

 

يا لغرابةِ الجهات،

في زمنٍ لا يعرفُ السكون،

وعلى حافةِ قدري

ما زالَ ظلّي يرقصُ على أطرافِ أصابعي،

والدروبُ تتشابكُ في ذاكرتي المثقوبة،

ولا أحدَ لمحَ نهايتَها تميلُ إلى قبري،

ولا حتى أنا.

 

على الحافة،

أُمسكُ بزهرٍ لا يذبل،

يتركُ عبيرَه عالقاً في مساماتِ أيّامي،

كأنّه يتسرّبُ من جلدي

ثم يذوبُ فيّ.

 

الجدرانُ تتهامسُ عنّي،

تعدُّ أنفاسي المتعثّرة،

وتتركُ خدوشاً على جلديَ المتهالك،

كأنّ الزمنَ

لا يريدُ أن…