د. ولات محمد
مقدمة لا بد منها
في وقت ما من عام 2003 نشرت صحيفة كويتية حواراً مع عازف بزق سوري قدم نفسه فيه بصورة بدا وكأنه عازف البزق الوحيد في المنطقة، إذ سرد فيه معلومات غير معقولة عن معرفته الأولى بالآلة، ولم يأتِ على ذكر أي عازف قبله أو بعده. أثارني هذا الأمر فعزمت على إجراء حوار مع الفنان وعازف البزق الكوردي الشهير سعيد يوسف ليكون رداً غير مباشر على ما جاء في ذلك الحوار. وفي صيف العام ذاته قمت بزيارة مسائية للفنان في بيته (ولم أكن قد التقيته قبل ذلك) فاستقبلني في باحة (حوش) منزله الكائن في الحي الغربي في قامشلي.
كان المكان على صغره مزيناً بالأشجار وأحواض الزهور. أجلسنا الفنان في ذلك المكان الجميل، وقد خففت فيه من سخونة الليلة الصيفية نسمات من الهواء تلفحنا بين فينة وأخرى. كان لديه ضيف آخر (أو ربما اثنان)، وبعد أن قدمت له نفسي بينت له أن سبب زيارتي هو رغبتي في إجراء حوار معه، وأخبرته بما جاء في حوار عازف البزق ذاك. لم يتردد في الموافقة على إجراء حوار، واتفقنا على اليوم والساعة.
يوم الحوار أخذت معي عدتي المتكونة من كاميرا تصوير فوتوغرافية وآلة تسجيل صوتي صغيرة (صحافية) مع شريط كاسيت وبضع ورقات بيضاء وقلم. أجلسنا المضيف في غرفة صغيرة كان على أحد جدرانها لوحة مرسوم (أو محفور) عليها صورة آلة البزق بطريقة جميلة قال أبو زورو آنذاك إنها من عمل وإهداء فنان صديق.
كان الحوار شاملاً وممتعاً لدرجة أننا لم نشعر بأننا سجلنا حوالي 90 دقيقة. انقسم الحوار دون تخطيط مني إلى قسمين: تمحور الأول حول آلة البزق وما يميزها عن غيرها من الآلات الوترية وبدايات سعيد يوسف الشخصية معها وعلاقته بها وانتشارها في المنطقة وغير ذلك، وتمحور الثاني حول الأغنية الكوردية بشكل خاص وتطورها وكلماتها وفنانيها … إلخ. ومما قاله آنذاك في هذا القسم غير المنشور إن كل ما لحنه وغناه كان من كلماته ماعدا أغنية واحدة من شعر جكرخوين (گافا سه حَر رابه ژ خَه وْ)، وإن كلمات الأغنية الكوردية بصفة عامة بسيطة ومكررة، وإن لديه عدداً من الدواوين الشعرية وكتاباً عن آلة البزق مازالت كلها مخطوطات ويود نشرها عندما تتاح الفرصة.
بعد عام من إجراء الحوار، أي في صيف 2004 قامت صحيفة “الناس” الكويتية (وهي صحيفة منوعات) بنشر جزء من القسم الأول من الحوار مرفقاً بصورتين شخصيتين بكاميرتي، واحدة للفنان سعيد يوسف وبيده آلة البزق وأخرى يظهر فيها كلانا معاً التقطتها لنا إحدى كريماته كما أذكر. أما القسم الثاني الأكبر من الحوار فقد بقي على شريط الكاسيت ذاك الذي للأسف ضاع أو سُرق (مع أشياء ثمينة أخرى) في طوشة الهجرة.
بعد ظهور الحوار منشوراً في ذلك الصيف اتصلتُ بأبي زورو وأخبرته بأن الحوار قد نشر وبأنني أود تسليمه نسخة من الجريدة، فاتفقنا على أن نلتقي عصراً في مكتبه الكائن في مركز المدينة. في المكتب (وكان لقائي الثالث معه بعد زيارتي الأولى ويوم الحوار) كان حوارنا استكمالاً للحوار السابق ولكن دون تسجيل أي شيء طبعاً. وقد لاحظت آنذاك أنه كان سعيداً بظهور الحوار بتلك الصورة الجميلة حسب تعبيره، كان راضياً تماماً. وقد تأكد لي ذلك عندما قامت قناة رووداو بعد ذلك بحوالي خمسة عشر عاماً (أي قبل رحيله بمدة قصيرة) بعمل ريبورتاج عن حياة الفنان، إذ يظهر سعيد يوسف في إحدى لقطات الفيديو وهو يحمل الجريدة في يده ويشير للصحافي الذي يعمل الريبورتاج إلى صفحة حوارنا ذاك.
لاحقاً سألتقي بالفنان سعيد يوسف للمرة الرابعة في دمشق (ربما كان عام 2010) حينما قام بإحياء أمسية عزف منفرد على البزق مميزة في دار الأوبرا هناك. كنت حضرت مع العائلة تلك الأمسية، وبعد انتهائها ذهبنا إليه معاً وسلمنا عليه وقدمنا له التحية والتهنئة على عزفه المميز ونجاح الأمسية. لقائي الأخير كان مع الفنان المتميز عام 2012 في قامشلي على هامش حضورنا لمحاضرة عن الأغنية الكوردية قدمها الباحث الأستاذ إبراهيم محمود، إذ قمت بعد انتهاء المحاضرة بإلقاء التحية عليه والسؤال عن أحواله الصحية وآخر أخباره الفنية.
إضافة إلى ما سبق أود الإشارة إلى النقاط الآتية:
1ـ هذا كامل نص الحوار الذي أرسلته إلى جريدة “الناس” الكويتية عام 2004 ولكن الجريدة لأسباب تتعلق بحجم الحوار أو لأسباب أخرى خاصة بها لم تنشره كاملاً.
2ـ قسم من الأسئلة التي طرحتها في هذا الحوار كنت قد حضرتها مسبقاً، ولكن أغلبها جاءت بناء على إجابات الفنان نفسه. أما الفنان سعيد يوسف فكل إجاباته جاءت دون تحضير مسبق لها لأنني لم أكن قد أعلمته بالأسئلة الخاصة بذلك الحوار.
عندما نشر الحوار عام 2004 في جريدة الناس الكويتية لم يطلع عليه سوى عدد من قراء الجريدة هناك، أما جمهور سعيد يوسف من أبناء المنطقة فلم يطلع أحد منهم على هذا الحوار، بل لم يعلم به أحد إلا من قام الفنان الراحل نفسه بإطلاعه عليه من أصدقائه ومقربيه. وقد قمت العام الماضي بنشر نص الحوار بمناسبة الذكرى الرابعة على رحيل الفنان، وكان بعض القراء الأعزاء قد عاتبني آنذاك على نشري لنص الحوار على مقدمة وقسمين.
اليوم في الذكرى الخامسة لرحيل الفنان سعيد يوسف وددت نشر إعادة نشر هذا الحوار ولكن كنص واحد هذه المرة. وقد كانت الغاية من هذه المقدمة إلقاء الضوء على الأسباب والظروف التي أحاطت بإجراء هذا الحوار (قبلاً وبعداً) بغية وضعه في إطاره السببي والزماني والمكاني والاجتماعي.
نص الحوار
بدأ الفنان سعيد يوسف العزف على آلة البزق منذ ستة وثلاثين عاماً، جاب خلالها معظم البلدان الأوربية وأقام فيها حفلات ونال جوائز تقديرية متنوعة، وقام كذلك بزيارة إلى دولة الإمارات وأقام فيها حفلاً فنياً. يعزف يوسف على أكثر من آلة موسيقية ويرى أن البزق لم ينتشر في العالم العربي كما ينبغي. يكن تقديراً خاصاً لأمير البزق محمد عبد الكريم، ولا يرى أن هناك الآن من العازفين من يروي ظمأه. ألّف كتاباً عن آلة البزق وكل ما يتعلق بها، ويرى أنه لم ينل حظه من الانتشار. عن آلة البزق وتاريخها وعن رحلته الشخصية معها وعن أهم ميزاتها وعازفيها حدثنا سعيد يوسف في الحوار الآتي:
* خارج بلاد الشام كثيراً ما ألتقي بأناس متخصصين في الموسيقى وأتفاجأ بأنهم لا يعرفون آلة البزق أو يكادون. لماذا برأيك؟
** هذا صحيح، رغم أنها آلة آسيوية شرقية قديمة صنعتها الشعوب التي كانت تقطن المنطقة الممتدة من بحيرة وان (شرق تركيا) إلى شمال العراق. أما في المناطق العربية فانتشارها أقل بكثير ويكاد عامة الناس لا يعرفونها. أما من يشتغل على الموسيقى فيعرفها جيداً، علماً بأنها في السنوات الأخيرة بدأت تنتشر في كل أنحاء العالم العربي.
* هل تحدثنا عن طبيعة آلة البزق؟
** هي صورة متطورة عن آلة الطنبورة التي كانوا يصنعونها من شجر الجوز أو التوت أو البلوط، لها قصعة أصغر من قصعة العود وذراع أطول، وعلى الذراع تتوزع الدوستات أو الداستات أو الداستانات التي تشكل العلامات الموسيقية لهذه الآلة، إضافة إلى المفاتيح التي تأتي في نهاية الذراع ووظيفتها شد الأوتار وضبطها.
* وهل للآلة أسماء أخرى؟
** آلة الطنبورة (التي انبثقت عنها آلة البزق) لها تسميات عدة، وذلك حسب الشعوب التي تعزف عليها؛ ففي الهند يسمونها “سيتار”، وفي إيران يسمونها “تار”، وفي تركيا يسمونها “ساز”، ونحن الكورد نسميها “الطنبورة”. أما آلة البزق نفسها فليس لها سوى هذا الاسم.
* هل هذه التسميات كلها لآلة واحدة؟
** الأسماء التي ذكرتُها تكون لآلات متشابهة بنسبة 95%، ولا تختلف إلا قليلاً في الشكل الخارجي.
* إذن، ما الفرق بيت البزق والطنبورة ما عدا الشكل؟
** في البداية صنعوا الطنبورة وعلى ذراعها أوكتاف واحد، أي سلّم موسيقي (دو، ري، مي…) كامل، ثم طوروها إلى أوكتاف ونصف. أما البزق فهي آلة أكثر تكاملاً، إذ تحتوي على أوكتافين كاملين، وهي بالتالي تلبي حاجة الملحن (والعازف عموماً) أكثر من الطنبورة. ونتيجة لهذا الفرق كانت على ذراع الطنبورة في البداية من 11 إلى 13 دستاناً، أما الآن فيتراوح عدد الدستانات ما بين 21 و 25، أما البزق فتحتوي على 33 دستاناً.
* هل هناك فرق بين الآلتين من حيث الصوت والعزف؟
** نعم، فآلة البزق تتميز بشيء من القساوة والعنف، بينما تبدو الطنبورة أكثر هدوءاً ورزانة، كما أن ريشة البزق أقسى وأسرع من ريشة الطنبورة.
* ولكن هناك فرق واضح بين آلة البزق وآلة العود. أليس كذلك؟
** العود آلة لها خصوصيتها وطقوسها الخاصة، أما البزق فيمكن أن تعزف عليها للصغار والكبار، إنها آلة مرحة تحب المرح والرقص. من حيث الصوت، العود صوتها رخيم، أما البزق فتتميز بالرقة والعذوبة. الفرق بينهما كالفرق بين صوت رجل مسن وصوت شاب يافع.
* دعنا نرجع إلى بدايات سعيد يوسف مع آلة البزق.. متى بدأت؟ وكيف؟ ممن تعلمت وبمن تأثرت؟
** البيئة التي نشأت فيها كانت مليئة بمن يعزفون على البزق أو الطنبورة، وكنت على احتكاك دائم بهم، فأحببت الآلة وقررت أن أشتري واحدة. في تلك الفترة كنت أستمع إلى معزوفات على البزق والطنبورة من الإذاعة لفنانين مرموقين من أمثال محمد عبد الكريم ومحمد عارف جزراوي، فكنت أتمنى أن أصبح مثلهم. في أواخر 1966 (وأنا من مواليد 1946) ألححت على والدي كي يشتري لي طنبورة فاشتراها لي بـ 16 ليرة سورية آنذاك، وبعد سنة ونصف استطعت أن أنال إعجاب من كانوا يستمعون إلى عزفي. وخلال سنتين كنت أحيي حفلات الأعراس، وبعدها بمدة قصيرة ذهبت إلى بيروت وأحييت هناك حفلات وسجلت أسطوانة. ومنذ ذلك الوقت (36 سنة) والآلة تلازمني ولا أفارقها في حلي وترحالي.
* إذن، لا بد أن تكون بينكما علاقة روحية أيضاً..
** أنا أعزف على آلات عدة (البزق، العود، الكمان، الجنبش، الطنبورة)، لكن البزق هي الآلة الوحيدة التي عندما أسألها شيئاً فإنها تلبي طلبي، وهي التي تناديني لأداعب أوتارها، وهي التي عندما أعزف عليها أنسى العالم.
* هل هناك من العازفين الآن من يعزفون بشكل جيد على الآلة؟
** بالأمس القريب ومنذ سنوات رحل فنان كبير له الفضل على كل من عزف ويعزف وسيعزف على آلة البزق، أعني الفنان محمد عبد الكريم رحمه الله. لقد كان بارعاً بهلواناً، وهو الذي جعلنا نعرف آلة البزق على حقيقتها. كذلك كان لي صديق في لبنان اسمه محمد مطر، رحل منذ خمس سنوات وكان عازفاً رائعاً. أما الآن فليس هناك من يروي ظمئي ويثلج صدري.
* ولكن هناك من يدعي أنه عازف البزق الأول والأخير وأنه لولاه لما عرف الجمهور العربي آلة البزق.
** من تقصد؟
* عازف سوري… وقد قال ذلك في مقابلة مع صحيفة كويتية. وقد سجلت عندي بعضاً مما قال، إذ يقول مثلاً وبالحرف:
ـ تعرفت إلى البزق بعد تخرجي من كلية الشرطة.
ـ في نهاية اليوم الثالث من حصولي على آلة البزق بدأت أعزف.
ـ بعد أسبوعين من العزف كنت أقيم حفلة تخرج في الجامعة.
ـ ارتبط اسم آلة البزق باسمي.
** (يضحك) في الحقيقة هذه أمور غريبة، فمَن يستطيع بعد ثلاثة أيام من معرفة آلة موسيقية أن يعزف عليها؟! ومن يستطيع بعد أسبوعين من العزف أن يقيم حفلة؟! أما مسألة الارتباط (بين اسمه وآلة البزق) فلم يرتبط اسم البزق إلا باسم المرحوم محمد عبد الكريم، ومن ثم باسم سعيد يوسف، ومن المخجل أن يتحدث شخص يعتبر نفسه فناناً عن البزق ولا يذكر محمد عبد الكريم الذي ألف معزوفة رقصة الشيطان، وهو أمير البزق دون منازع كما تعلم.
* هل يحب سعيد يوسف الألقاب؟
** الصراحة، لا أحب الألقاب؛ فكلمات مثل الأستاذ الكبير أو “عازف البزق الأول” أسمعها كثيراً ولكنني لا أحبها. أنا تكفيني نظرات الإعجاب في عيون المستمعين واستمتاعهم بما أقدم…
* هل التقيت شخصياً بأمير البزق المرحوم محمد عبد الكريم؟
** نعم.
* ماذا كان انطباعه عن سعيد يوسف؟
** أخبرني أحد أصدقائه بعد رحيله أنه قال لمحمد عبد الكريم: يا أمير، ستموت يوماً وسيُدفن البزق معك، فقال له: طالما هناك سعيد يوسف فالبزق سيظل حياً ولن يموت. إضافة إلى ذلك كان لدى المرحوم آلتا بزق، وقُبيل وفاته أوصى أحدَ المقربين له بأن يعطي إحداهما لسعيد يوسف كهدية منه لي بعد وفاته.
* وهل حصل هذا الشيء فعلاً؟ يعني هل حصلت على بزق محمد عبد الكريم؟
** للأسف لا.
* لماذا؟
** عندما حصل هذا الكلام كنت في أوربا، وعندما عدت وعرفت الخبر ذهبت إلى نقابة الفنانين في دمشق وطالبتهم بالآلة، لكنهم قالوا لي إن وزارة المالية أصدرت قراراً بجعل تركة محمد عبد الكريم ملكاً لوزارة الثقافة.
* هل شاهدت تلك الآلة؟
** نعم، وعزفت عليها في مقابلة مع التلفزيون السوري.
* جميل جداً. الآن إذا سمحت لي أبو زورو أود أن نتحدث قليلاً عن مسألة التلحين على آلة البزق.
** بكل سرور.. تفضل.
* الملاحظ أن التلحين على آلة البزق قليل. لماذا؟
** ليس التلحين على آلة البزق قليل، وإنما العازفون عليها قلائل. وحتى هؤلاء القلائل ليس كلهم ملحنين. لا توجد علاقة بين المهارة في العزف والقدرة على التلحين؛ فهناك من يعزف ولا يلحن وهناك من لا يعزف على أية آلة ولكنه يلحن.
* كما تعلم لحّن محمد عبد الكريم للمطربة نجاح سلام أغنية جميلة بعنوان “رقة حسنك وسمارك”، وقال في مقابلة قبيل رحيله إن لديه ألحاناً كثيرة، ولكن المطربين لا يأتون إليه.
** محمد عبد الكريم كان عازفاً وملحناً، ولكن قامته القصيرة [يقال إن طول المرحوم محمد عبد الكريم كان فقط 96 سم (إضافة من المحاوِر)] واحديداب ظهره ربما حالا دون انخراطه في المجتمع بشكل عام وفي الوسط الفني بشكل خاص ومنعاه من إقامة علاقات واسعة مع المطربين.
* عازار حبيب أيضاً عزف على البزق ولحن لنفسه..
** عازار حبيب له أسلوبه الخاص ونمطه في التلحين، وهو أسلوب هادئ وجميل، ولكنني لا أظن أنه يطرح نفسه كعازف بزق.
* فعلاً، هو لا يطرح نفسه كعازف بزق. طيب، لمن لحن سعيد يوسف؟
** لحنت لكثير من المطربين الأجانب. ومن العرب لحنت لسميرة توفيق.
* من المعروف أنك ألفت ولحنت أغاني باللغة العربية مثل “هاتي إيدك” و “يا حيف عليك” وغيرها، ولكننا سمعناها فقط بصوت سعيد يوسف. لماذا لم تعطها لأحد المطربين كي يغنيها هو مثلاً؟
** أنا لا أذهب إلى أحد، ومن يريدني فأهلاً به. هناك مجموعة من الأغاني الجاهزة، ولها من يغنيها قريباً، وهناك أغان أخرى تنتظر من يغنيها في المستقبل.
* وماذا عن ولدكم “زورو”؟ هو أيضاً عازف جيد.
** زورو شهادتي فيه مجروحة، ولكنه عازف موهوب وجميل، والدليل على ذلك أنه منذ سنوات وهو يعزف مع فرقة الأستاذ زياد الرحباني. وقبل ذلك كان قد عزف مع الكثير من المطربين والمطربات حتى التقى به الأستاذ زياد وأعجب به وبعزفه فقام بضمه إلى فرقته وظل معه حتى سافر إلى أوربا لأسباب خاصة، وربما يعود مرة أخرى.
* على ذكر أوربا. رحلاتك إلى أوربا كثيرة وحفلاتك أكثر. هل تحدثنا عنها؟ ولماذا لم تقم بزيارات مماثلة إلى بلدان عربية؟
** رحلاتي إلى أوربا تصل أحياناً إلى ست مرات في السنة، وذلك بقصد إقامة حفلات تتم دعوتي إليها من قبل جهات من هنا وهناك. وقد قمت كذلك بجولة واسعة في أفريقيا بمرافقة فرقة موسيقية لبنانية. أما الدول العربية فقد زرت لبنان مرات عدة كما تعلم وأقمت فيها حفلات كثيرة. وقد قمت كذلك بزيارة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة قبل ثلاث سنوات تقريباً وأقمت حفلة هناك.
* هل التقيت بفنانين إماراتيين؟
** للأسف لا، لأن الزيارة كانت قصيرة وخاطفة. وقد كان بودي أن تكون أطول لألتقي ببعض الفنانين الإماراتيين والخليجيين، وخصوصاً أنهم يحبون آلة البزق.
* قمتَ مؤخراً بزيارة إلى تركيا.. ماذا كانت المناسبة؟
** كنت مدعواً لإحياء حفلة عرس، وقد حضرها جمهور كبير، كما سبقتها حفلة أخرى حضرها نحو 5000 آلاف شخص، وقد كانت رائعة.
* كيف ترى الأغنية الخليجية؟
** جميلة، حلوة، مرحة ومتميزة بكلماتها وبألحانها. وجمال الأغنية الخليجية يكمن في كونها حافظت على الكلمات الراقية واللحن الراقي والصوت المتميز.
* من تسمع من المطربين الخليجيين؟
** من الأوائل كنت وما زلت أسمع الفنان محمد عبده والمرحوم طلال مداح. أما الجيل الحالي فمنه ما هو جميل ومنه ما هو على طريق الجمال.
* هل ترغب في تلحين الأغنية الخليجية؟
** أنا عندي الأساس الذي يمكنني من تلحين أية أغنية وأي لون غنائي وبأي إيقاع كانت، ولكن للأغنية الخليجية وقع خاص في قلبي وإحساسي.
* وما سر هذا الإحساس؟
** الأغنية الخليجية حافظت على نفسها، ولم تقتبس من الآخر إلا ما يلائم طبيعتها ولونها وبيئتها، إضافة إلى كلماتها وألحانها المتميزة كما ذكرت.
* كيف يرى سعيد يوسف عملية إدراج آلة البزق في الفرق الموسيقية في السنوات الأخيرة؟
** البزق آلة شرقية جميلة وتضفي جمالاً على أية فرقة موسيقية تعزف معها، وأعرف عازفين أتراكاً ذهبوا إلى القاهرة ويقيمون هناك الآن للعمل. وعندما شاهد الإخوة الملحنون في مصر آلة البزق أعجبوا بها وأدخلوها في بعض ألحانهم، فهي آلة مرحة كما قلت وصوتها مميز.
* وكذلك بعض الأغاني الخليجية استخدمت البزق..
** نعم. وكانت منسجمة مع اللحن ومع الفرقة. وبالمناسبة، طُلب ابني “زورو” للذهاب إلى القاهرة ليشارك فرقاً موسيقية على آلة البزق. أنا مستغرب لعدم انتشار هذه الآلة كأية آلة أخرى في البلاد العربية.
* ما أهم الأعمال التي سنراها قريباً للأستاذ سعيد يوسف؟
** لديّ أعمال كثيرة، منها ديوان شعر غنائي ربما أدفعه للطباعة قريباً، وقد لحنت بعض قصائده وأصبحت أغاني جاهزة. وقد ألفت كذلك كتاباً عن البزق وكل ما يتعلق به بعنوان “بدائع تعريف آلة البزق”، وهو جاهز منذ عام 1997، وقد حصلت على موافقة وزارة الإعلام على طباعته، ولكنني لا أملك الوقت الكافي الذي يسمح لي بالوقوف على رأس الطباع لأصحح له هذه الإشارة وتلك العلامة وهذه النوتة وغير ذلك، ولكنني قد أفعل ذلك قريباً. أضف إلى ذلك أن بعض المنتجين من حلب تواصلوا معي لإنتاج أسطوانة، ومازلت أفكر بالموضوع.
* حصل الفنان سعيد يوسف على جوائز عدة.. هل تحدثنا عنها؟
** الجمعية الثقافية التابعة لوزارة الإعلام في السويد أصدرت طابعاً تذكارياً يحمل صورة سعيد يوسف. أما منظمة اليونسكو فقد سجلت سي دي CD من عزف سعيد يوسف. وقد علمت منذ فترة أنني مرشح لنيل درجة الدكتوراة الفخرية من إحدى الجمعيات الثقافية بباريس.
* هل يرى سعيد يوسف أنه لم ينل نصيبه من الشهرة والانتشار؟
** طبعاً.
* ما نصيحتك لعازفي البزق من الشباب؟
** القراءة أولاً وثانياً وثالثاً، والثقافة الموسيقية بشكل خاص، ثم المتابعة والاستمرار والصبر، ثم التواضع التواضع.
* أرى لوحة جميلة على جدار الصالون، ما قصتها؟
** هذه لوحة أهداني إياها شاب فنان مرهف الحس منذ سنوات. وكما ترى رسم عليها عن طريق الخطوط فقط (دون ألوان) آلة البزق بطريقة جميلة، ورسم عليها مفتاح صول كبير واسم سعيد يوسف.
* هل هناك سؤال أحببتَ أن تجيب عنه ولم أطرحه أنا؟
** شكراً على كل أسئلتك.
* إذن، كلمة ختام؟
** فيما يتعلق بمن يدعي أنه عازف البزق الأول والأخير أقول: إن على الفنان أن يكون متواضعاً، وإن من صفات الفنان الحقيقي أن يعترف بفضل من سبقوه ومن يتقدمون عليه. أؤكد لك أن ذلك المدعي لا يعرف إلا أسماء القليل من الدساتين الثلاثة والثلاثين للبزق. ورحم الله امرأ عرف حده فوقف عنده.
* شكراً لكم على منحي هذا القدر من وقتكم الثمين وعلى جميل الضيافة.
** أهلاً وسهلاً.. سَرْ سَرا سَرْ جافا
******
انتهى