ذاكرة الفصول

عبدالجابر حبيب

 

يا امرأةَ العصور،

أشرعُ نوافذَ العمرِ

للرِّيحِ، للشَّمسِ،

أغوصُ في التكوينِ،

أُقلِّبُ جنونَ الحكمةِ

في دفترِ الذكرياتِ.

 

 

منذ همسَ العشرينُ باسمكِ،

وأنا ألاحقُ خطاكِ

على عشبِ البيدر،

أرصفةِ المدينة،

وأحجارِ ممرِّ المغامرة.

رأيتكِ

تتفتَّحين بوردةٍ يُغْرِقُها الندى،

تشقِّين أضلاعَ الفجرِ بعطرِ الحُبِّ

للحياة… لصلاةٍ أبدية…

لنهارٍ جديد.

تمزجين ألوانَ القوس

في بوتقةِ رسّامٍ مهووس،

وتُذيبين فتنةَ الكونِ

في كؤوسٍ لا تهدأ زوابعُها.

 

 

حين اقتربتِ من أبوابِ الثلاثين،

تحوَّلتِ إلى طفلةٍ شقيّةٍ

تُبهجُ دموعُها قلوبَ العاشقين،

تُوقدين النيرانَ في العاصفة،

تُضيئين تفاحةً ناضجة

على غصنٍ مُرتَجف،

ويسيرُ آدمُ في أثرِ الأفعى

عارٍ من إرادته

إلى تخومِ الزمان،

بلا بوصلة

ترشده للهروب من قدره المحتوم.

 

 

 

في الأربعين،

أنتِ بحرٌ لا قرارَ له،

أمواجُكِ تُراقصُ الريح،

وتخفي حكايا الحارة

بين مدِّ النبضِ وجزرِ الصمت.

إن غنَّيتِ، توارتِ العصافيرُ،

وذابت أوتارُ صوتِكِ في النسيم.

وبقيتُ وحيداً

أقيسُ مسافاتِ الانتظار

فوق عتباتِ اللهفة.

 

وما أدراك ما الخمسون

في رحلةِ عمرِ امرأةٍ

تقرأ السنواتِ بحذرٍ،

هي، بكلِّ الأسف،

قصيدةٌ مهملةٌ

في دفترِ الزمان،

تقرأها العيونُ العطشى،

لا تلتقطها إلا الأرواحُ المرهقة.

امرأةُ الخمسين،

تجمعُ بين الحبِّ والوهم

في سلالٍ من الألم والذكرى.

 

 

وحين يقتربُ رعبُ الستين،

تحضِّر للرجلِ فنجانَ قهوةٍ

بعطرِ الرفقِ الممتد،

بابتسامةِ سنينٍ مضت،

وبأثرِ العثراتِ الثقيلة.

ترقِّق الحكايا بملمسِ الحنين،

تسردُ موسيقى الأيامِ على نغماتها،

وتروي فصولَ العبورِ

إلى ضفافٍ لا نهاية لها،

تعيدُ طقوسَ الحُبِّ

مرةً… بعد مرة… بعد مرة،

بين أناملِ الحكمة.

 

يا امرأةَ الأمسِ البعيد،

يا نغمةَ الغدِ في وترِ العمر،

يا من جمعتِ سيمفونيةَ الأيام

وأطلقتِها في الهواء،

ألهبتِ الأفقَ بعنفوانك،

رعداً يصرخ في صمت الليل،

وبرقاً يُضيءُ الفجرَ

بعشقٍ لا يزول

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

حاوره: إدريس سالم

تنهض جميع نصوصي الروائية دون استثناء على أرضية واقعية، أعيشها حقيقة كسيرة حياة، إلا إن أسلوب الواقعية السحرية والكوابيس والهلوسات وأحلام اليقظة، هو ما ينقلها من واقعيتها ووثائقيتها المباشرة، إلى نصوص عبثية هلامية، تبدو كأنها منفصلة عن أصولها. لم أكتب في أيّ مرّة أبداً نصّاً متخيّلاً؛ فما يمدّني به الواقع هو أكبر من…

ابراهيم البليهي

منذ أكثر من قرنين؛ جرى ويجري تجهيلٌ للأجيال في العالم الإسلامي؛ فيتكرر القول بأننا نحن العرب والمسلمين؛ قد تخلَّفنا وتراجعنا عن عَظَمَةِ أسلافنا وهذا القول خادع، ومضلل، وغير حقيقي، ولا موضوعي، ويتنافى مع حقائق التاريخ، ويتجاهل التغيرات النوعية التي طرأت على الحضارة الإنسانية فقد تغيرت مكَوِّنات، ومقومات، وعناصر الحضارة؛ فالحضارة في العصر الحديث؛ قد غيَّرت…

إبراهيم أبو عواد / كاتب من الأردن

الخَيَالُ التاريخيُّ هُوَ نَوْعٌ أدبيٌّ تَجْري أحداثُه في بيئةٍ مَا تَقَعُ في المَاضِي ضِمْن ظُروفِها الاجتماعية ، وخَصائصِها الحقيقية ، مَعَ الحِرْصِ عَلى بِناء عَالَمٍ تاريخيٍّ يُمْكِن تَصديقُه ، والاهتمامِ بالسِّيَاقاتِ الثقافية ، وكَيفيةِ تَفَاعُلِ الشَّخصياتِ مَعَ عَناصرِ الزَّمَانِ والمكان ، ومُرَاعَاةِ العاداتِ والتقاليدِ والبُنى الاجتماعية والمَلابس وطبيعة…

فواز عبدي

يقال إن الأمثال خلاصة الحكمة الشعبية، لكن هناك أمثال في تراثنا وتراث المنطقة باتت اليوم تحتاج إلى إعادة تدوير عاجلة… أو رميها في أقرب سلة مهملات، مع بقايا تصريحات بعض المسؤولين. مثال على ذلك: المثل “الذهبي” الذي يخرجه البعض من جيبهم بمجرد أن يسمعوا نقداً أو ملاحظة: “القافلة تسير والكلاب تنبح” كأداة جاهزة لإسكات…