رسالة من الدكتور سرمد التايه حول كتاب “فتنة الحاسة السادسة- تأملات حول الصور”

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الأخ الحبيب، الأستاذ فراس حج محمد

بعد التحية؛

أنا لستُ ناقداً ولا كاتباً يُشار له بالبنان، لكني مُجرَّد كاتبٍ هاوٍ سطرتُ بعضاً من الكتب قد تكون لا شيء أمام كتبكم ومؤلفاتكم ومجهودكم الكبير في هذا المضمار، إلا أنني أود أن أشارككم بعضاً من ملاحظاتي- إن جاز لي ذلك – حول كتابكم المعنون بـ “فتنة الحاسة السادسة- تأملات حول الصور“:

أولاً: بالرغم من أن عنوان الكتاب كان غريباً عليَّ، وكنتُ أعتقد أنه غير جاذب، إلا أن محتواه كان مُذهلاً، وجذاباً، كون الأفكار التي تم التطرق لها من قِبَلكم جديدة في الطرح، وأجزم أنه لم يتطرق إليها أحد قبلكم.

ثانياً: مع أهمية المعاني اللغوية والصورة الأدبية في التشبيه في مقدمة كتابكم إلا أنها للأسف لم تجذبني، وأعتقد جازما أن الخلل كان فيَّ أنا شخصياً كوني غير مُتخصص في اللغة العربية.

ثالثاً: استفزتني طريقتكم وأسلوبكم في الغوص في المراجع المتباينة والنهل من المصادر المتعددة؛ فمرة أراك تلجأ للقرآن الكريم، ومرة للحديث الشريف، ومرة ثالثة للأمثال الشعبية، وأخرى لمواقع التواصل الاجتماعي؛ وهذا فيه غرابة واقتدار وإبداع في آن واحد.

رابعاً: قد يكون وصفكم الصريح لبعض القضايا المطروحة غريبة ومُستهجنة بالنسبة لي، وذلك عند الحديث عن الجنس أو الأعضاء الجنسية بطريقة خادشة للحياء، إلا أنني- وفي نفس الوقت- أحترم جرأتكم منقطعة النظير، والتي لا أستطيع الاقتراب منها أو أحوم حول حماها.

خامساً: يبدو أنك عانيتَ كما عانيتُ أنا أيضاً عندما دخلت معترك الكتابة والأدب، فأعيد كلامك عندما قلت في كتابك هذا أنك عندما أهديت بعض كتبك إلى أناس لا يستحقونها فدحشوها في أدراجهم، وبين أوراقهم المهملة (ص  50)، وأنا أيضا تم دحش كتبي المهداة لهم بين أكوام أوراقهم وأغراضهم المهملة.

وبنفس الوقت، فقد واجهتُ أنا كما واجهتَ أنت المنتقدين والباحثين عن الأخطاء بين ثنايا مؤلفاتي لمجرد البحث عن الأخطاء ولتقزيم العمل المنجز. وكل هذا يهون عن معضلة النشر وتكاليفه واستغلال دور النشر ومطامعهم والتي أجزم أنك عانيتَ في هذا المجال أكثر بكثير مما عانيتُ أنا واكتويتَ اكثر مما اكتويتُ. ولكن ومع كل هذا، فقد عشتُ تجربتك حينما كتبتَ بصفحة (120) أنه كلما كتبتَ صفحة في كتاب جديد، شعرتَ بدماء الشباب تنطلق حرة في شرايينك، وكذا أنا.

سادساً: أعجبني جدا تنبؤاتك عندما تحدثتَ عن (رؤوس الشياطين) (ص 120) ، فقد كتبتُ على هامش تلك الفقرة: (تنبؤات فراس حج محمد أصبحت واقعاً)، وذلك في سياق الحديث عن الثورة التكنولوجية والذكاء الاصطناعي الذي بدأ يتجسد بالفعل وبوتيرة عالية متصاعدة.

سابعاً: حديثك عن غزة كان صادقاً، صافياً، مخلصاً، يفوح منه عبق الروح الوطنية، وذلك في حديثك الخارج من القلب في الفقرات من (45) إلى (50).

ثامناُ: أعجبني جداً حديثكم عن الأسلاف الموتى وتكريمهم والاعلاء من ذكراهم، وبنفس الوقت إهمالهم وهم أحياء. وهذا ما كتبتُ فيه مقالتي بعنوان ـ”تكريم الورى قبل مواراة الثرى” والتي قمتُ بنشرها على موقع (دنيا الوطن) الاخباري بتاريخ 7/5/2017. وهذا رابط المقال:

https://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2017/05/07/435813.html

تاسعاً: عندما كان يُبهرني ويستهويني بعض السطور والكلمات، أقوم باقتناصها وتسجيلها على مفكراتي على جهاز التلفون الخاص بي أو بين دفات دفاتري لأعود وأستعين بها عندما أتعرض لمواقف قريبة من هذه المواقف فأعود واستخدمها على نحو مماثل، وهنا اسمح لي أن أقتبس بعضاً من سطورك الرائعة كالآتي:

  1. ما لا يُدرك كله، لا يُترك بعض بعضه. (ص 158)
  2. في كل مرة يكون الرسم علامة على الوجود وإن غاب الاسم. (ص 185)
  3. هذا ما تفعله صور الراحلين؛ حنين لا يهدأ. (ص 186)
  4. الصور صارت هي “المحل الأرفع” الذي يجعل الروح في مناجاة دائمة. (ص 188)

في النهاية، فقد أثارني واستهواني وأعجبني الحوار المغني عن الخاتمة (ص 199)، إذ كانت أسئلتك ذكية بما يكفي، صريحة وجريئة زيادة عن الحد المطلوب، وهذا طبعاً لما كان فيه من ثقةٍ بالنفس وشفافيةٍ عاليةٍ أغبطك عليها.

وأخيراً، فقد كانت الخاتمة التي قد وضعتها في نهاية كتابكم (ص 206) شاملة كاملة مكتملة حتى أبهرتني لدرجة أنني أؤكد أنني لو قرأتها من البداية لكنت اكتفيت بها وحسب، ولما كنتُ قد أمعنتُ واستفضتُ بقراءة جميع صفحات الكتاب؛ وذلك لما كان لها من الأثر الجميل الموجز في إجمال وإيجاز كل ما جاء في هذا العمل العظيم.

أخي الحبيب….

أعتذر إن كنتُ قد تطاولتُ عليكم، وعلى أدبكم وثقافتكم، لكني أردت أن أضع بين أيديكم ما أثارني واستهواني وجذبني واستفزني بهذه السطور التي أعود وأكرر أنه لم يتم التطرق لها ولمثلها ومثيلها أبداً حسب علمي وخبرتي البسيطة المتواضعة.

ودمتم…

أخوك: د. سرمد فوزي التايه

السبت: 26/4/2025

بيتا- نابلس

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

في حضرةِ الشعر، حيث يتناسلُ المعنى من رمادِ الكلمات، وحيث يشعلُ الحرفُ فتيلَ الوجود، يولد هذا الديوان: جحيم الأمل.

ليس عنواناً عابراً ولا استعارةً تلقى على عتبة الصدفة، بل هو صرخةٌ تتناوبُ فيها النارُ والندى، وتتعانقُ فيها خيبةُ التاريخ مع شغفِ الإنسان الذي لا يعرفُ الاستسلام.

“جحيم الأمل” انعكاسٌ للروح حين تلقى في أتونِ الأسئلة الكبرى، في…

عِصْمَتْ شَاهِين الدُّوسَكِي

يَقُولُونَ

: لِمَاذَا تَكْتُبُ قَصَائِدَ حَزِينَةً

دَمْعُ هُمُومٍ مَآسِي رَهِينَةٍ

قُلْتُ : مِنْ آدَمَ وَحَوَّاءَ

مَنْ جَمَعَ الْبَشَرَ عَلَى السَّفِينَةِ

قَالُوا : حِكَايَاتٌ رِوَايَاتٌ

قُلْتُ : تَوَارَثْنَا الْعُرَى

نَمْشِي عَلَى أَرْضٍ جَرْدَاءَ قَرِينَةٍ

هَذَا الْوَطَنُ

كُورٌ فِيهِ كُلُّ الْأَجْنَاسِ رَغْمَ أَنِينِهِ

عَرَبٌ أَكْرَادٌ مَسِيحٌ تُرْكْمَانٌ صَابِئَةٌ

بِأَلْوَانِ بَنَاتِهِ وَبَنِينِهِ

مِنْ حَضَارَاتٍ ذَهَبٍ وَصُولْجَانٍ

وَفُرْسَانٍ وَقَادَةٍ

تُخْرِجُ الْأَسَدَ مِنْ عَرِينِهِ

………….

ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُ الْمَآذِنِ

دُقَّتْ أَجْرَاسُ الْكَنَائِسِ

وَتَجَلَّتْ أَلْوَاحُ السَّمَاوَاتِ

طَافَتْ وَهَبَّتِ الْفَيْضَانَاتُ

عَلَى الْخَنَاجِرِ…

سيماف خالد محمد

في المطبخ كعادتي كل يوم استيقظتُ على فنجان قهوة أُحاول به أن أفتح عينيّ وأمنح نفسي شيئاً من التركيز قبل أن أبدأ بتحضير الغداء.

بينما كنتُ منشغلة بالطبخ أفتح هذا الدرج وذاك، دخلت أختي مايا تحمل لابتوبها جلست أمامي، فتحت الجهاز لتعمل عليه وكأنها أرادت أن تؤنس وحدتي قليلاً وتملأ صمت المطبخ بأحاديث خفيفة.

لم…

فراس حج محمد| فلسطين

تثيرني أحياناً في بعض الكتب عتباتها التمهيدية، من الغلاف وتصميمه، وما كتب عليه في الواجهة وفي الخلفية (التظهير)، والعتبات النصيّة التمهيدية: العنوان، والإهداء، والاقتباس الاستهلالي، وأية ملحوظات أخرى، تسبق الدخول إلى عالم الرواية أو بنيتها النصيّة.

تقول هذه العتبات الشيء الكثير، وتدرس ضمن المنهج البنيوي على أنها “نصوص موازية محيطة”، لها ارتباط عضوي…