كاتبنا الكردي محمد سيد حسين في حمّى سنته الرابعة

إبراهيم محمود

 

أيام معدودات تفصل بيننا، وبلوغ رحيل كاتبنا الكردي محمد سيد حسين” 1943-2022 “، سنته الرابعة، أي حين يحل علينا حزن ” 12 شباط ” هذا وشجنه وتبعات أوجاعه المتسلسلة. رحل إلى حيث لن يعود أبداً كما هو مسار الحياة، ورحل، وهو بحجم اسمه كاتباً، وبحجم قلبه إنساناً، وهو بحجم روحه ملءَ كردية منزّهة من قناع، بشهادة كُتُبِه الكتب نثراً وشعراً الأكثر من دزينتين حتى الآن، مخالفاً الرحيل ذاك مقيماً بإجازة مشروعة مما كتب، في قلوب أهل الحرف الحرف، نزيل تاريخه الثقافي على قياسه دون أي تزويق، وحصاد تاريخه المسطور الذي يحتفظ بثراء محتواه، وينتظر من لديه أخلاقية القدرة في التفريق دون عمىُ بين زؤان القول والكتابة، وقمحها، ومحل اعتبار ممن يقدّرون رجلاً أخلص لكرديته على طريقته، مسكوناً بها خارج كل تأطير أو تنظير، أو تلقّي طريقة محادثة وكتابة لها صفة المدرسية والجامعية، كما نوهتُ إلى ذلك. علمته حياته، كما أورثت حياتُه قرّاء المستحق للبقاء ما يبقيهم مخلصين لاسمه وآتيه .

وحين أسمّي ” حمّى سنته الرابعة ” فلأن الكتابة حمى دونه لا قول فعلياً يستحق شرف الإقامة في التداول، ولا كتابة جديرة باسمها، تستأهل النزول في فضاء الورق، أو بين دفتي كتاب.. والمقربون منه خارج إطاره العائلي يقدّرون هذه المجاهدة الروحية، والاستماتة الصامتة والمثمرة لرجل عاش حياة واكتسب حياة .

سنة مغايرة هذه، عن السنوات الأخرى من شقيقاتها الثلاث، في سوريتها حدثاً وكرديتها مشهداً، والمأمول منها تقديراً وتوقعاً وتخوفاً، وفي كل ذلك ما يتلمسه قارئه، أحبته، أصحابه، في الكثير مما قال وصدق في قوله، في نصوصه المعرَّفة بمناخها الشعري، وتلك المعروفة بعناوينها ذات الدلالة التاريخية والتوثيقية لمن يبحث عن كرديته، عن كردستانيته، عما تكون عليه فضة الروح، ذهبها، بلاتينها حديدها وصدأها ممن ينادمون ظلال أصابعهم عراضة، وممن يودعون أقلامهم سخونة قلوبهم دون وسيط خارج الشعاراتية .

أسف شديد شديد، عبَّر عنه كاتبنا الراحل في كتاباته، ممزَّقاً بتمزقات كرده، وأبراج بابلهم الموجعة، ومناشداً ذلك اللسان الذي يهتدي به من يضع صباح مكابد ليله الكردي المعتم والطويل نصب عينيه، في أن يكون ” حبلاً يعتصم به كرده، وهم في عددهم النوعي وليس الكمي. مؤسف أنه يشار إليه أحياناً دون أن يعرَف عنه ما يجب معرفته، من أهل الوجع الكردي، دون أن ينظَر في الذي استنزفه بروحه، كما هو مسقط الكتابة.

من يقرأ محمد سيد حسين، إن تملك القدرة على القراءة المختلفة، سوف يبصر رجلاً إنساناً، موهوباً بروح تغالب جسده الذي تعذّب به كثيراً، كما لو أنه ممثل الحالة الكردية، والجغرافية الكردية، والصوت الكردي، والأمل الكردي المعلق بين هوة وهوة، بين سماء لا ترى في أرضها سوى هشيمها، رجلاً إنساناً، كما هو عهدي وعدي قلة قليلة لازموه في حياته، ولازموه وعايشوه في طباعة كتابه هنا وهناك، يقيم في الآتي، معبّراً عن حرقة الموعود المؤجل كردستانياً، ناظراً من بعيداً في غد لا يعرَف نوع بُعده عنا مجدداً، كما تقول كتبه الكتب، كتب تعلّم من لديه فضيلة التعلم، وتسمّي دون التسمية المباشرة من يتنفس أقنعة طفيليَّ كردية .

الحمى قائمة ومستمرة، وهي تعني كل من يعنيه قول المصادَق عليه في الحياة، وفي أيامنا خاصة .

حمى الزمن الكردي الذي يستمر طويلاً، ويُنتَظر مخالفه ممن يسعون إلى الخلاف المشتهى.

رداً لدَيْن، وليس ديناً، دَين التقدير لمن قدَّر حياة تعني الإنساني فيه، دين يستمر بمناقبه، هو صلة وصل كبيرة، صلة قرابة تشمل ما هو كردستاني، بين أحياء بأرواحهم وإن رحلوا إلى الأبد، ويا قلة العدد، وأحياء فعليين بوجداناتهم كردياً، ويا ضعف المدد، رداً لواجب صداقة، واجب معرفة مشتركة، كردية مشتركة، كان هذا الذي كتبته، ومن خلاله أعزّي من وراء مسافات قصية أفراد عائلته، أحبته وأصحابه، وأبارك فيهم هذه الروح التي تمتد بظلالها هنا وهناك، كما هي الكردية المفلترة .. وأورد قائمة مختارات مترجمة عن نصوصه له، تعزيزاً، أو محاولة تعزيز لما نوَّهت إليه، لمن لديه إرادة نشدان الحقيقة، ونُبْل الكردية . والجدير بالملاحظة، أن هذه المختارات مقتبسة من الطبعة الثانية لأعمال راحلنا الكبير:

 

من  مجموعة ” كردستان قصيدتي “

Kurdistan helbesta mine

كلمات

 

ألاحظ

أن كلماتي

في القصيدة

تمشي بمفردها

في أغلب المرات

تنقر على رجْل واحدة

 

عندما لا أراني حراً

بالقلم

أشعر أنني

أبحث عن الجواب

معقود اللسان محموماً

 

عندها ومرة أخرى

تجعلني قصة الكسل

في المضايقة

أتمرد

ومقام الآمال

ينقسم

في توقعاتي . ص 31

 

الوحدة

 

أحياناً

عندما أعيش في وحدة

تحاصرني

حمّى الخوف

صمت غرفة

ذكريات التاريخ

مكتبته

قلمي الحر

صوت شيدا الرنان

عويل ناي صفقان

في يوم جميل

ربيعي

وتلتقي اللغة بالقصيدة

العالم كله

يلتمّ علي. ص33

 

توصية

 

انتَقلَ إلى رحمة الله

مغتبطاً مبتهجاً

لأنه سجَّل توقعاته

في كردستان الحرة

والمستقلة

 

بأم عينيه رأى

أن القصية الكردية

الفن الكردي

الثقافة، اللغة، والأدب

كلها لامستْ عنان السماء

هو بكامل اعتقاده

أن استمرارية الحياة

في كل آن وحين

قائمة في الإبداع. ص43

 

صمت

 

في صمت

لم يقرأ كتاباً

مثل سيجارة

تلتهم رمادها

كأس من النسيان

موضوع محظور

وهو في ذكرياته

توحَّم.

مثل جثة

ومن دون نشيد

دون سر وتفتح

دون تأوه وبكاء

دون نوم وعشق

على درابزون الزمان

همَد مهمَلاً. ص58

 

 

الوطن قصيدتي ” مقطع “

 

وطني

هل يجوز أن تشك

في حبّي

أو حين تتملكني الحمى

أفكر في حبك

مثل جبهة صخورك وحافاتك

نضدتُ

قصيدتي

في مديحك

نسجتها بأبيات مرتبة

أسكنتك

خلاخيل الحور الحلال

وحللتُكَ بين رموش عيني. ص72

 

شتات

 

أنا لا أرى أي سبب أبداً

لكي ألوم وطني

لأن الشتات

زاد في ضرام النار في الغابة

 

لا أنا ولدتُ هناك

ولا عشت طفولتي

هناك

أشعر مباشرة

أنني أعيش غريباً

في القصيدة

خبزي اليومي

كل متطلبات الحياة

مؤمَّنة هنا

أعرف أنني

لا أعيش

حراً

ولا مستقلاً كذلك..

لكن هناك كثيرون

يريدون أن يبدلوا

بيئة وجودهم

بخاصتي

يدعو أرض بني جلدتهم

للانتهازيين

إنهم لا يرون أنفسهم

في مستوى علوها

لا يجدون أنفسهم

مذنبي الحرية

ليبتهجوا

على رقعة أجنبية

وعبْر شباكها

يرون أحلاماً بالوطن. ص 115

 

 

من مجموعة ” الوطن جنتي : أنينك جعلني أسير الحب “

Welat bihuşta mine ” nalîna te kirime dîlê evînê  ” helbest “

 

نار الحب ” مقطعان “

 

ماذا تريدين مني

أي دنيا تريدينها منّي

ما عداك

لا أحب أحداً

أكثر من ذلك

لا أريد أن أهرب أبعد

حيث بيئتك أطلقت عبرها غزوات

عليّ

لحبك قلبي

منصوبٌ سابقاً

كما هو اليوم قلبك هدف سهامي وأقواسي

لا تنهمّي أبداً

أكثر من ذلك

لا تشغلك رغبات

أشعر مع ضحكتك

أن براعم العالم

كلها  تتفتح يانعة ً

قبل أن أراك

كان الكون في عمومه

في قبضتي

يضطرب مثل خروف

معدّ للذبح ..

***

مثل الطائر الحر

أحط على أعالي شجر المحبين

أحرس الهمهمات

وهتافات العشاق

هكذا أكون ذاهلاً كثيراً أيضاً

لا أدري

كيف أوضح لك الصورة

لأنك باستمرار

مقيمة في قلبي

مثل سيلان الصمغ

نافذة  وملتصقة  في عقلي ووجداني

لقد اختلست ِ مني القلب بهدوء لافت

رميتني بعيداً

بين سهام الرمشين

بعدَها

بالغرة

النازلة على العينين الكحيلتين

وعلى الجيد

ضفرت تينك الجديلتين

من ليلة البارحة

علمتُ أن دولاب حظي

صوب التغيرات

قد خطا سريعاً…” ص82 “

 

 

الوطن من دونك رسالة خواء

 

اعتقادي هو هكذا

أن الحياة ظهرت من أجلك

من أجلك كنت بدايتها

ومن أجلك ستستمر

طبعاً الموت والحياة

جاءتا من أجلك

إنما للأسف عندما أحدنا يصبح زعيماً

أو صاحب مال

فإنه في الحال يقطع صلاته بالأخلاق الطبيعية

المباشرة

مثل الأعمى

الذي

لا يفصل بين الألوان

المصاب بالعمى الليلي

لا يميّز بين الليل والنهار

***

من صميم القلب

جعلتُ حياتي

دون حدود

نور عينيك

في الجسم الواحد نفسه

معروف جداً أيضاً

أن الحياة رحلة طويلة جداً

لهذا أقدَّم حياتي

لكي ينير القلق طريقي

أن الزمان يحكم

كلَّ شيء.

***

تمنيتُ أن أعرف

لماذا قلبي يخفق هكذا

تمنيت أن أعرف

كل أساليب حب القلوب

تجرأتُ

على سرْد ذنوبي

رميتُ كل ما هو محزن وثقيل

من قلبي خارجاً

تمنيتُ أن أعبّر

عن كل ما يفيض في قلبي عبئاً

لك بكفاءة

وأحاول أيضاً

أن أموت وأحيا لأجلك .

***

أحياناً أرى خيالات لك

وسْط الغيوم

أحياناً أتلمسك في الأحلام

بالروح وبكاملي

حينها أشعر أن قلبي

يريد لقاء

لعله يداوي جراحاتنا

أعلم أن ثمن الحب

غال ٍ جداً

أن الحياة دون مكابدة

خربة في أساسها

كذلك لا نعلم

متى وتحب من

وأي قلب ستسلبه

وتنهبه

***

إيه أيتها الأخت المدللة

تلك الرقصة

على وقْع ألحان خلخالك

الأغنية المرنَّمة

على وقْع اهتزاز قرطيك

صوت، كلام.. و

وملامح أنفاسك

مؤكدٌ أنها

كانت ستعرّفنا ببعضنا بعضاً

مثل  الأصحاب والمخطوبين

ولما كان هناك عنف  وظلم

أن هذه الشمس المشرقة

كانت ستطل من بين الظلمة

قوس قزح

وأن النسيم العليل

كان سيستقبل ضفائرك باستمرار

وأنا أيضاً كنت تركت كل الآمال

أمانة ووديعة لديك.

***

تذكاراتك الرائعة

لن أنساها أبداً

 

أقيّمها سامية فخمة

من أجلك

قاتلت النجوم

أدرتُ وجهي

عن القمر

لأنه حصتي من الحب

نحيَّت خارجاً

***

أحياناً

أمتعض من هذا العالم

لأنني لا أهتدي إلى مقصدي

أسنِدُ أحلامي إليك

أحياناً أيضاً يبرز فألي جلياً

لأنني أحلم بك

ترجع أفكاري

عن النزوح

لا أستطيع الابتعاد عن همك

الطبيعة جعلت حبك

من نصيبي

لأعيش مرفوع الرأس

بحثتُ عنك منذ زمان

دون أن نعرف هويتنا

تعاسة هذا الطريق طويلة

جعلتني أحياناً

ألا أعرف نفسي

لهذا ألم الحنين

يتماوج في ركاب ظلّي . ص 179

 

 

مأزق الحياة

 

لا تموت يا ” كديش “

حتى ينبت الحشيش

 

يا عالم ..

يحدث في هذه المنطقة

ما لم يره أحد

الأكاذيب تتسلق الحيطان

الصدق يتعفر بالرماد

الأنظمة خالفت القواعد

الأنهار عاجزة

عن عبور الحدود

النجوم في السماء

تتفاخر على القمر

لقد تلوثت الآفاق والجوار

يا للمفارقة

الحرية لم تعد قادرة على الاستواء

الحمامة في المنطقة

عاجزة على الاحتفاء

بالسلام

ولو بلحظة

الإنسانية تتداعى شيئاً فشيئاً

في الأفراح والأعراس

في الهزائم والانتكاسات

لا يجد الشاعر فرصة

أن يكتب مديحاً

في الوجدان الخيّر . ص 180 .

 

 

نداء قامشلو – 3 –

 

قامشلو تنادي

كرد الغربة

ارجعوا إلى الشرق

بعمق ورحابة

أنا مستلق ٍ تحت أشعة الشمس

حتى الآن لم أصدّق

أن سيل الطرْق المخادع

قد أثَّر عليّ

لقد عرفت من تجربة الحياة

أن الشمس في الغرب تغيب

و.. أن الماء توضَّأ بالدم البريء

منذ زمان

لم أسمع عرس الأغنية

نهلتُ فقط من الكأس المزخرفة

ألم العذاب

وزرعت من مآسي الكون

البؤس والخوف

في قلبي

وقد دفنتُ معها المرامي والمقاصد

في التراب

كلمة التذوق حلت علي نحساً

وردة قوس قزح

أصبحت أمام مرآي

غراباً أسود

وأصبح بيتي خراباً .ص 195

 

من مجموعة ” من أثار الجهات المتنفذة “

Kê destane sorkirine ?

 

الرسالة غير المقروءة

 

تُرى، هل أستطيع الكتابة

بعد هذا العمر الطويل

بلى، أنا ابنك يا أماه

بك ِ جئت إلى الدنيا

بقيت وحيداً

أمام صفير الرياح

لا تلوموني وأنا أكتب

قلبي مكدَّر على الأخت والأخ

***

في ذاكرة كل من مضى ولن يرجع

أنى كانت التجارب والمشاهدات

تلك التي جرت وتجري

في ترقب عابري السبيل

حيث إنهم لن يرجعوا بسفك الدموع

أعرف أنني لا أغيّر شيئاً

إنما علي بالكتابة رغم ذلك

للأسلحة والتسليح

للاستقلال والحرية

لكل هذا عليَّ أن أكتب

***

غنّوا ذات مرة بصوت عال ٍ

حيث لا زلنا مقتدرين

لا زلنا نملك العزيمة والقوة

على الحياة أن تحضننا

مع كل الكوارث وأنواع السلب والنهب

يجب أن نكون نحن العشاق المخلصين

أن نكون نحن أوتار الموسيقى

وقادة مرشدي الثورة..

و

التوثب الدائم نحن

***

سوف نؤلّف أغنية

لأجل كل مرحلة خراب دائر

نحن أصحاب المسيرة القصيرة لا الطويلة

لماذا يسخّنون الشمس

لكي تحرقنا

لماذا يديرون وجوههم عنا

أم يريدون أ، تكون أغنيتنا صامتة

لهذا لا بد

أن يكون هناك  كتّاب .

***

سوف يكون هناك سَيْر

أصحاب المستقبل مستمراً

سوف يخرج العشب من تحت الصخور

يانعاً نضراً

وينبت ويتفرع

ويحيل الجوار إلى خضرة

والعالم الكبير

يرى ذلك بأم عينيه

لا شيء أجمل من

أن ينشغل المرء بمفرده

بأفكاره الخاصة به

ويدع القلب مفتوحاً كذلك

مثل قلب دون دعامة

الذي لا يوصَد أبداً . ص 28

 

سؤال…؟

 

سألوني

كيف تفصل ما بين

الحقد والحب؟

أجبت بإيجاز شديد

هكذا،

الحب جوع

لا يهدأ

إنما في الحقيقة الملموسة

وحده السيف

من يفصل بينهما

إذاً، الأكثر فظاعة،

هو أنهما معاً

يرضعان من ثدييّ الأم نفسها. ص 31

 

يا مطر

 

من أجل ممر رجليّ

اللتين تضرجتا بالدم

من أجل الأطفال الجوعى

الثياب المهلهلة، الأرض العطشى

أجنحة الطيور المكسورة

من أجل أحلام الصغار

سأهدي كلتا عينيّ

صحبة روحي

إليك

فقط لتحيل

بذوري في الحقل

تتألق خضرة َ. ص 32

 

الزمان

 

في أغلب الأحيان

يكون الزمان مثل ثوب مهلهل

ثقيلاً كالرصاص

ملؤه رُقَعٌ وتشققات

لا يُرتدى

يمشي مشي السلحفاة

إنما أحياناً

يستيقظ الحس أيضاً بتفتح ٍ

من أجل الزهرة

فقط يسمّي وصية

لا تستيقظوا أبداً

من رقدة النوم

مع جرس الزمان

إنما قيسوا فقط قيمة الزمان

في ميزان الحب. ص 34

 

السلام

 

إليك يا شمس

القلب والكبد معاً

خذيهما من يدي

أرسلت حمامة بيضاء

من النافذة

انطلقت وحلَّقت عالياً

الجناحان مفتوحان للهواء

بحماس المقدامين

مضت مندفعة إلى الأمام

مضت بعيداً وعميقاً

اختفت ضائعة من أمام عينيّ

في آفاق غير محدودة

في مَستر الغابة

مضت منكسة …دون رجعة

مضت مختفية وهي تتمرجح

بحثت عنها كثيراً

العينان في إثرها تجمدتا

أصبحت حدثاً تاريخياً

الغابة استحالة بحراً

واسعاً ودون شطآن

إنما في الصباح الباكر

ليوم عيديّ

الشمس ويداي

في الحي

استحالت بيضاء

مثل قلبي الطيب والمسالِم. ص 45 .

 

 

السراب

 

لا تبحثي عني

لا، بدءاً من اليوم

لا تبحثي عني

لا تبحثي  ولا تسألي

عن العينين الكحلاوين

الجدائل المضفورة

الخدود الوردية

نار قلبي

لا تؤججيها

ارجعي

لا، لا تبحثي كثيراً

سوف تقعين في بحيرة الدم

***

لا تطيلي، ارجعي

لا داعيَ للذهاب والإياب

إنه ركض وراء الذئاب

لا تبحثي

عن البيوت المهدمة

الأنقاض الخربة

التي لا أهل لها

أكوان العظام المحروقة

أفضل لك إن سمعت كلامي

أن ترجعي

لأنك لن تري شيئاً بعينيك

لن تتلمسي باليدين

لن تتخيلي

سوى السراب

أيليق بك التحسر

الهم والمعاناة

انظري بعيداً

بتفكير واعتقاد

إن كنت أنت أنت

ابحثي عن الماء

تأملي

ركزي تفكيرك

ارجعي إلى نفسك

ابحثي عن نفسك . ص47

 

 

أمسية

في أمسية الليل

فتحت نافذة أخرى

لأجد فيها وحدتي

وسط نظرات ساكنة

لا أثبت استراحاتي

في زوايا سجنية

صوت يريد دائماً

أن يدوي من الداخل

فقط لكي يرى الشمس

أفضل من الاحتماء

بطالع الأحلام

ابحث عن نفسك دائماً

وسط اللوحة الجامدة

لأنها تكون ذاتها

المرآة التي يرى نفسه فيها

ويبحث عنها

بعينيّ صياد قناص. ص 118

 

من مجموعة ” ذبول الشمس “

Gernejîna rokê

السجن

السماء الزرقاء

في صمت

العصفور وشجرة التين

يغنيان في شجن

الألم الخالص

الأحلام العقيمة

بكاء أمي

يضايق شبابي. ص49

 

 

المطر

قطرات دم القلب

دموع العينين الملتهبتين

الجرح المتقيح

لعاب الجائع

يوقظوا ذكرياتي . ص 80

 

 

شرارة لأجل 70 عاماً على ظهور ” هاوار “

 

آباؤنا وأجدادنا

كانوا يحلفون

بالنار، بالهواء، بالتراب، والشمس

وأحياناً بالقمر أيضاً

والدي كان يحلف

بالتوراة

بالإنجيل والمصحف المقدس

إنما أنا اليوم

أحلف –فقط-

بـ” هاوار” بكردستان

زمنياً

أنتخي بهما

بألفباء هاوار

برأس المير جلادت

حيث إنه في جزيرى

أشعلها حياة

بتلك العينين

في الجبهة العالية

حيث إنهما من أشعة الشمس والقمر

نشرتا النور

على مجتمع كردستان. ص 92

 

 

 

 

الصباحات الباكرة

 

أيتها الصباحات الباكرة أسرعي في المجيء

أيقظينا

من رقدة النوم الثقيلة

من بيوت شبيهة بالقبور

تعالي ربما تستطيعين

كشف القناع عن وجوه الطغاة

ربما تدخلين حباً حماسياً

في روح المساكين

ربما هم مرة أخرى

يبصرون قرص الشمس

دون الستار الأسود . ص 101

 

 

الخريف

 

أنين ناي الراعي

يلمس قلبي

لسعات المنغصات

الأزمنة البعيدة والقديمة

تبكيني

الرياح والعواصف هنا وهناك

مثل ورق الخريف

تلعب بي . ص 132

 

****

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

سلمى جمّو

القراءة مؤنّثة، أو لتسمح لي قواعدي اللغوية المتعنّتة أحياناً كثيرة بممارسة غيٍّ صغير وتسميتها بالأنثى. ولأنها أنثى فمعاملتها معاملة القوارير واجب. والترحال على خارطتها وكشف معالم حدودها الملغّمة بالمجازات والأفكار المخفيّة، بشكل شعوري تارة من قبل كاتبها ولا شعوري تارة أخرى، واجب. أو الإبحار فيها بعيداً عن استعمال أدوات الغوص الحديدية المصطنعة بلا روح،…

غريب ملا زلال

في اخر احتفال
وعلى تخوم البلاد
كانت المدينة حبلى
ففيما كان الذئب شبق
والرب لا يريد
لهذه الفراشات
أن تساق ļلى الضوء
كان الملك
يفترش أريكة على العرش
وهو يجدد شهواته المفتوحة
على السموات
كان ينبغي
لهذه الوجوه
أن تبتل بالأحمر
حتى يكتمل الاحتفال
بالتراب المراق
على جلباب المكان المقدس
لم يتعرض النهر
إلى ذبح كالآن
منذ جريانه الأول
ولم تكن الوليمة
التي حف بها الخدم
تحت الدالية وقفاً لعيد الدم
ولم يكن البكاء جديداً
على فواصل…

صبري رسول

أطلّت علينا الكاتبة وجيهة عبد الرحمن بنصّ سرديّ، يحمل إشكالية المجتمع المتنوّع دينياً ولغوياً وقومياً، معنونٍ بـ «لالين» مع عنوانٍ فرعيّ مكمّل «حدث أن تزاوجت دور العبادة» صادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط1، بيروت 2016م. تتضمن الرّواية فصلين، الأول غير معنون ومؤلف من ثلاثة عشر مقطعاً مرقماً، الثّاني معنون بـ«لالين… سليل نهايات الحروف»…

ناشرون فلسطينيون| رام الله
مقدمة:
كتاب “سر الجملة الاسمية” (الرقمية، 2025) للكاتب الفلسطيني فراس حج محمد يمثّل إضافة نوعية للمكتبة العربية، فهو لا يقتصر على دراسة لغوية بحتة، بل يتعداها إلى تحليل أدبي عميق، ويكشف عن أبعاد جديدة للشعرية العربية. يركز الكتاب على قوة الجملة الاسمية وإمكانياتها الإبداعية، مستعرضاً نماذج متنوعة من الشعر والنثر العربي، والكتاب عمل…