ليلة في البئر

عبدالإله يوسف
 
إلى روح عباس أحمد رشك الشجاع الذي أنقذ حياة طفلة
كانت ليلة خريفية باردة، الرياح تعصف في أزقة القرية، وصوت الأوراق الجافة يتطاير في الهواء. لم أكن هناك حينها، كنت في مدينة قامشلو مع إخوتي، ووالدي كان معنا، يزورنا. لم يكن أحد منا يعلم أن تلك الليلة ستصبح واحدة من أكثر الليالي رعبًا في حياتنا.
في المنزل، أرادت أختي الصغيرة أن تقدم الماء لأمي. حملت السطل الصغير وذهبت إلى البئر وحدها. لم تجد أحدًا ليساعدها، فقررت أن تسحب الماء بنفسها. لكنها لم تكن تملك القوة الكافية، فانزلقت قدماها وسقطت في البئر العميق!
مرت دقائق من الرعب، كانت تصرخ وتبكي، لكن الظلام ابتلع صوتها. الماء البارد أحاط بها، وجسدها الصغير ارتجف من الخوف. بعد فترة، جاء أحد القرويين ليسقي خرافه، وفجأة سمع صوتًا خافتًا ينبعث من داخل الجب. اقترب أكثر، أنصت جيدًا، وعندها أدرك أن هناك طفلة تستغيث من الأعماق!
ركض مسرعًا إلى القرية، مناديًا أهلها. اجتمع الناس على الفور، بعضهم جلب الحبال، وآخرون المصابيح، ووسط الارتباك والخوف بدأوا محاولات إنقاذها. نزل أحد الرجال إلى البئر، وجدها متشبثة بالحجارة، بالكاد تستطيع التنفس، فحملها وربطها بالحبل، حتى تم إخراجها إلى الحياة من جديد.
لم يكن هناك هواتف حينها، ولم يصلنا الخبر في قامشلو إلا بعد فترة. عندما علمنا، شعرنا بصدمة قوية. لم نكن هناك، لم نرَ ما حدث، لكن الخوف اجتاح قلوبنا جميعًا. تم نقلها إلى المستشفى الوطني، حيث بقيت هناك أربعة أيام تحت الرعاية الطبية.
حاولنا زيارة شقيقتي.  كان ذوو المرضى يزورون مرضاهم لكن
الحارس لم يسمح لنا
واجهه أخي بقوة ومضى لداخل المشفى ليطمئن على شقيقته التي كانت فاقدة للوعي نتيجة جروحها وحالة الرعب.
علم رئيس المشفى د. إسكندر حمرة ودون أن يعرف اسرتنا منحنا كتابة بالسماح لمرافقة المريضة، وهو ما لاأنساه
بعد خروج أختي من المستشفى، عدنا إلى القرية، وهناك رأيتها أخيرًا. كانت بخير، لكن نظراتها حملت أثر تلك الليلة الرهيبة. احتضنتها بقوة، وشعرت حينها بمدى هشاشة الحياة، وكيف يمكن للحظة واحدة أن تغير كل شيء.
تلك الليلة لن أنساها أبدًا. كانت درسًا في الخوف، في الألم، وفي المعجزات التي تحدث حين نكون على وشك الانهيار.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

غالب حداد

1. مقدمة: استكشاف “العالم الجميل الموجود”

تُقدّم مجموعة القاص والشاعر الكردي السوري عبد الرحمن عفيف، “جمال العالم الموجود”، نفسها كعمل أدبي ذي كثافة شعرية فريدة، يرسم ملامح مجتمع مهمش، ويحول تفاصيل حياته اليومية إلى مادة للتأمل الفني والوجودي. ويأتي تحليل هذه المجموعة، التي تمثل تطورا لافتا في مشروع عفيف الأدبي الذي تجلت ملامحه…

مصطفى عبدالملك الصميدي| اليمن

باحث أكاديمي

هي صنعاء القديمة، مدينة التاريخ والإنسان والمكان. من يعبر أزِقَّتها ويلمس بنايتها، يجد التاريخ هواءً يُتَنفَّس في أرجائها، يجد “سام بن نوح” منقوشاً على كل حجر، يجد العمارة رسماً مُبهِراً لأول ما شُيِّد على كوكب الأرض منذ الطوفان.

وأنتَ تمُرُّ في أزقتها، يهمس لك الزمان أنّ الله بدأ برفع السماء من هنا،…

أُجريت صباح اليوم عمليةٌ جراحيةٌ دقيقة للفنان الشاعر خوشناف سليمان، في أحد مشافي هيرنه في ألمانيا، وذلك استكمالًا لمتابعاتٍ طبيةٍ أعقبت عمليةَ قلبٍ مفتوح أُجريت له قبل أشهر.

وقد تكللت العمليةُ بالنجاح، ولله الحمد.

حمدا لله على سلامتك أبا راوند العزيز

متمنّين لك تمام العافية وعودةً قريبةً إلى الحياة والإبداع.

المكتب الاجتماعي في الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الكرد في…

د. فاضل محمود

رنّ هاتفي، وعلى الطرف الآخر كانت فتاة. من نبرة صوتها أدركتُ أنها في مقتبل العمر. كانت تتحدث، وأنفاسها تتقطّع بين كلمةٍ وأخرى، وكان ارتباكها واضحًا.

من خلال حديثها الخجول، كان الخوف والتردّد يخترقان كلماتها، وكأن كل كلمة تختنق في حنجرتها، وكلُّ حرفٍ يكاد أن يتحطّم قبل أن يكتمل، لدرجةٍ خُيِّلَ إليَّ أنها…