نشيدُ الريحِ والمنفى

 خالد إبراهيم (Bêkes)

لا أسماءَ للراحلين في صحائفِ الغبار. 

يُبصرُ الكرديُّ ظلَّهُ على حوافِّ الخرائطِ، لكنه لا يمسكُ به.

 يُلاحقهُ ككلبٍ يعضُّ قيدَهُ، كريحٍ تتعقَّبُ مراياها المكسورة. 

ليس المنفى منفاه، ولا الوطن وطنه. سليلُ الجهاتِ التي تنكرهُ، وابنُ الريحِ التي تقيمُ فيهِ كإرثٍ قديمٍ من الغيابِ.

 

 لا ينامُ الكرديُّ على ضلعِ جبلٍ، ولا يسندُ ظهرَهُ إلى جدارٍ، أينما حلَّ طوّقتهُ الأسئلةُ: “ممن جئتَ؟ إلى أين تمضي؟” لكنه لا يجيبُ.

 

يجمعُ الصمتَ في كفِّهِ كحفنةِ ترابٍ، ينثرُهُ في الهواءِ، ثم يُكملُ السيرَ كأنَّهُ لم يكن. 

 في كِنانتهِ لغةٌ تشبهُ الطعنةَ، وفي عينيهِ مقبرةٌ سرّيَّةٌ للأحلامِ، يُراوغُ الكلماتِ كما يُراوغُ الصيّادُ ظِلَّهُ، يقتلُ المعاني ليحييها، يفضُّ بكارتَها ثم يُعيدُها إلى القاموسِ، كأنها لم تُمسسْ بسؤالٍ.

 يقولُ للريحِ: 

“خذيني حيثُ لا تدلُّني خُطايَ، حيثُ الأسماءُ تُنسى قبلَ أن تُولدَ، وحيثُ لا يطلبُ الترابُ ثأرَهُ من أقدامي.” 

 يا ابنَ الريحِ، يا كبشَ الفقدِ في المراعي السرمديّةِ، إذا رأيتَ أباكَ مُعلَّقًا بين سطرٍ وسطرٍ، فلا تُنزلْهُ، لا تُكفِّنْهُ بنشيدِ الرُّعاةِ، لا تحفرْ لهُ قبراً، فالكرديُّ يدفنُ موتاهُ في القصائدِ، ويتركُ أسماءَهم للريحِ كي تحفظَها عن ظهرِ نسيانٍ.

 خذْ دمَكَ واصنعْ منهُ قوسًا، وشُدَّهُ نحوَ هذا الليلِ، فلعلَّ القصيدةَ تصيبُ قلبَ المنافي، فلعلَّ الغيابَ يغفو، ولو للحظةٍ واحدةٍ…

 قلتُ له: 

إلى أين تمضي؟ 

قال: حيثُ لا تتذكَّرُني الجهاتُ. قلتُ: وأنا كذلك. ثم نظرنا إلى الريحِ، وردَّدنا بصوتٍ واحدٍ: “عِمْتِ مساءً، أيتها الأزمنةُ التي لا تليقُ بنا!”

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

م: محمد حاج سعيد رشو

في الماضي كان الإنسان يقف طويلاً أمام الكتاب كما لو كان أمام مرآة يرى فيها نفسه ويعيد تشكيل وعيه. لم تكن القراءة مجرد وسيلة للترفيه بل كانت فعلًا يؤسس للمستقبل ويبني العقول التي صنعت التقدم والنجاح. فكل نهضة حقيقية تقف خلفها عقول قرأت كثيراً وتأملت أكثر.

أما اليوم فنحن نعيش في زمن…

نارين عمر

الشاعر الوفي أحمد شيخ صالح!

سنظل نتذكر لقاءاتنا الدافئة في منزلك الدافئ كقلبك، الهادئ كهدوء نفسك وفي حديقة منزلك العطرة بورود روحك وزهور عطائك الهانئة في كنف عين ديور وستظل ديرك تحتضنك في صدرها وفكرها بحبّ ووفاء، وقد كنت المخلص لها والمحب

حياته ونشأته:

ولد شاعرنا أحمد شيخ صالح عام 1935 في قرية عين…

مصطفى عبدالملك الصميدي

أعمى أهـيـمُ

ولـنْ يـرْتـدّ لِـي بَـصَـرُ

ما لمْ تكـوني بقُـربـي ضَـوْئِيَ النّظَرُ

 

فحدِّقِي

في جيوبِ الغَيـمِ

وانتظري

قـمَـراً يـطِـلُّ علـى الدُّنـيـا

وينتـظـرُ

 

عـينـاك فـي اللـيل

مِـرآةٌ يحـطّ بها

وطِـبُّ عـيْنـايَ فـي مِرآتك

الـقَـمـرُ

 

يا رُبَّ أعمى

غداً يصـحـو بَصِيرا إذا

ما عـاد يذكُـر إنْ قَـد مَـسَّـهُ

الـضّـرَرُ

 

حتى وإنْ جاءَهُ سُؤْلٌ:

شُفِيتَ متى؟

يقـول لا عِلْـمَ لـي

مـا شَـاءَهُ الـقَــدَرُ

 

=========

اليمن

يسر موقع ولاتى مه أن يقدم إلى قرائه الأعزاء هذا العمل التوثيقي القيم بعنوان (رجال لم ينصفهم التاريخ)، الذي ساهم الكتاب : إسماعيل عمر لعلي (سمكو): نارين عمر سيف الدين، حاجم موسى، هشيار عمر لعلي، وبهجت حسن أحمد، في تأليفه.

وسيقوم موقع ولاتى مه بالتنسيق مع الكاتب إسماعيل عمر لعلي (سمكو). بنشر الحلقات التي ساهم الكاتب (سمكو)