نعيم هاجري… بائع “الكاتو” الذي أصبح أيقونة شعبية في شوارع قامشلو

شفيق جانكير

من منا لا يعرف نعيم هاجري؟
ذلك الرجل البسيط والمكافح، الذي جمع بين الشهرة والتواضع، واشتهر في أرجاء القامشلي ببيعه للحلويات المخبوزة، وخاصة “الكاتو” وقطع جوز الهند التي كان يصنعها بنفسه في منزله، مستخدما وصفة خاصة لم يبح بسرها يوما.

كان نعيم يتنقل يوميا بصينيته الشهيرة، التي يوازنها بإتقان على رأسه، يجوب بها الأسواق، المحلات، وحتى الدوائر الرسمية، من دون كلل أو ملل. ومع مرور السنوات، ترك ثقل الصينية أثرا واضحا عليه، فمال عنقه نحو الجهة اليمنى، وأصبح هذا الميل سمة مميزة له حتى عندما يسير دون حملها.

لم يكن ملعب نادي الجهاد في القامشلي مجرد مكان لبيع الحلويات بالنسبة لنعيم، بل كان يومه “المحرز”، حيث يجد جمهورا متعطشا لبضاعته. كان يعتلي المدرجات أثناء المباريات، يتنقل بين الجماهير، يتبادل معهم الضحكات والمداعبات. وعرف بين المشجعين بعبارته الشهيرة التي يرد بها على من يحاول أخذ قطعة دون إذنه: “إيدك!”، فيلتفت سريعا ويستعيدها بخفة ظل لا تنسى.

تحولت مداعبة نعيم إلى طقس كروي، حيث اعتاد الجمهور مناداته بصوت جماعي: “إيدك، إيدك!”، فيلتفت فلا يرى شيئا، فيتابع طريقه ضاحكا، راضيا بهذا التفاعل الذي يعكس محبة الناس له.

لم تقتصر جولات نعيم على القامشلي فقط. كان يتنقل إلى ملعب الحسكة عندما لا تتعارض مواعيد مباريات نادي الجزيرة مع مباريات الجهاد، بل وكان يسافر إلى دمشق عند إقامة مباريات مهمة للمنتخب السوري، دائما بصينيته، ونكهته الخاصة التي لا تفارق ذاكرة من تذوق حلواه.

في إحدى زياراته لدائرة شعبة الخدمات الفنية، دعاه أحد الموظفين للجلوس إلى جانبه بعد شراء بعض القطع منه. كانت لحظة راحة لنعيم، تحدث خلالها عن تفاصيل صنع حلوياته، وعن أوضاعه المالية، وقارنها بحال شقيقه الأستاذ زهير هاجري، مدرب التربية العسكرية في مدارس القامشلي ومدرب ناشئي نادي الجهاد في إحدى الفترات.
قالها بصدق: “اشتريت شقة محترمة، وسيارة فوكس لنقل الركاب على خط قامشلي – ديريك”، قبل أن يضيف بأسف: “راتب أخي لا يكفيه حتى نهاية الشهر…”

في زيارتي الأخيرة لسوق قامشلو، صادفت نعيم مجددا. نفس الصينية، ولكن البضاعة تغيرت. كان يبيع حلويات جاهزة ومغلفة. أما وضعه الصحي، فلم يكن على ما يرام. بدا عليه التعب، لكن روحه بقيت صافية كما عرفناها دائما.

نتمنى لنعيم هاجري الصحة والعافية الدائمة، والعمر المديد. فهو ليس مجرد بائع، بل جزء من ذاكرة مدينة، وابتسامة عابرة في قلوب أهلها.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

غريب ملا زلال

أحمد الصوفي ابن حمص يلخص في تجربته الفنية الخصبة مقولة ‘الفن رؤيا جمالية وبدائل لفساد الروح’، وهو كثير الإنتماء إلى الضوء الذي يحافظ على الحركات الملونة ليزرع اسئلة محاطة بمحاولات إعادة نفسه من جديد.

يقول أحمد الصوفي (حمص 1969) في إحدى مقابلاته : “الفن رؤيا جمالية وبدائل لفساد الروح”، وهذا القول يكاد ينبض في…

عبد الستار نورعلي

في الليلْ

حينَ يداهمُ رأسَك صراعُ الذِّكرياتْ

على فراشٍ مارجٍ مِنْ قلق

تُلقي رحالَكَ

في ميدانِ صراعِ الأضداد

حيث السَّاحةُ حُبلى

بالمعاركِ الدُّونكيشوتيةِ المطبوخة

على نارٍ هادئة

في طواحينِ الهواء التي تدور

بالمقلوبِ (المطلوبِ إثباتُه)

فيومَ قامَ الرَّفيقُ ماوتسي تونغ

بثورةِ الألفِ ميل

كانتِ الإمبرياليةُ نمراً..

(مِنْ ورق)

بأسنانٍ مِنَ القنابلِ الذَّرية

ومخالبَ مِنَ الاستراتيجياتِ الدِّيناميتية

المدروسةِ بعنايةٍ مُركَّزَة،

وليستْ بالعنايةِ المُركَّزة

كما اليوم،

على طاولته (الرفيق ماو) اليوم

يلعبُ بنا الشّطرنج

فوق ذرى…

حاوره: إدريس سالم

إن رواية «هروب نحو القمّة»، إذا قُرِأت بعمق، كشفت أن هذا الهروب ليس مجرّد حركة جسدية، بل هو رحلة وعي. كلّ خطوة في الطريق هي اختبار للذات، تكشف قوّتها وهشاشتها في آنٍ واحد.

 

ليس الحوار مع أحمد الزاويتي وقوفاً عند حدود رواية «هروب نحو القمّة» فحسب، بل هو انفتاح على أسئلة الوجود ذاتها. إذ…

رضوان شيخو
وهذا الوقت يمضي مثل برق
ونحن في ثناياه شظايا
ونسرع كل ناحية خفافا
تلاقينا المصائب والمنايا
أتلعب، يا زمان بنا جميعا
وترمينا بأحضان الزوايا؟
وتجرح، ثم تشفي كل جرح،
تداوينا بمعيار النوايا ؟
وتشعل، ثم تطفئ كل تار
تثار ضمن قلبي والحشايا؟
وهذا من صنيعك، يا زمان:
لقد شيبت شعري والخلايا
فليت العمر كان بلا زمان
وليت العيش كان بلا…