هيثم حسين يخوض غمار القصة القصيرة في “حين يمشي الجبل”

أصدرت منشورات رامينا في لندن مجموعة قصصيّة بعنوان “حين يمشي الجبل” للكاتب والروائيّ السوريّ الكرديّ هيثم حسين، في خطوة تُعدّ إضافة إبداعيّة جديدة في مسيرة الكاتب، الذي عرفه القرّاء من قبل في فضاء الرواية والسيرة والنقد.

يكشف هيثم حسين في مجموعته التي تضمّ أربعاً وعشرين قصة قصيرة، عن عوالم داخلية مثقلة بالمنفى، تتقاطع فيها اللغة مع الذاكرة، والظلّ مع المعنى، والمنزل المؤقّت مع سؤال الانتماء.

لا تكتفي المجموعة بعرض سرديات النفي واللجوء والتشظي، إنّما تؤسّس لوثيقة أدبية تمكن قراءتها كأرشيف للمحو والانمحاء، وللصمت بوصفه لغة. ويشكّل عنوان الكتاب، “حين يمشي الجبل”، مفتاحاً تأويلياً يختزل تجربة التحدّي والعبور واللاعودة، وزعزعة اليقينيّات، حيث الجبل، رمز الثبات، يتحوّل إلى كائن يتقدّم، يهرب، يتكلّم، يمشي ويشهد.

تُفتتح المجموعة بقصة “نافذة لا تُغلق”، التي تحوّل شقّةً لندنيّةً إلى فضاء للتماهي بين الحقيقيّ والمتخيّل، وتختم بـ”ظلّي العائد من الكتاب”، في بنية تحتفي بالكتابة كفعل مقاومة، وبينهما، تتوزّع القصص على محاور متداخلة، تحضر فيها صور الجبال التي تمشي، والمكتبات التي تُمحى، والهواتف التي تُسرق لتكشف هشاشة الهوية الرقمية، وشخصيات مثل الغجريّ الذي يحمل بقجته، والشاعر الذي قرّر أن يصمت، والمترجم الذي أضاع اسمه بين اللغات.

وفي قصة “قاموس شخصي”، يعيد حسين بناء علاقته بالكلمات بوصفها بقايا أماكن وشظايا لغات، بينما ترسم قصة “جسور لندن” لوحة غرائبية لمدينة تُفقد جسورها واحداً تلو الآخر، بوصفها استعارة لسقوط المعنى في المدن المنفية.

تُعدّ هذه المجموعة القصصية نقلة في مسار هيثم حسين الأدبي، حيث ينتقل من سرد الحكاية الكبرى في الرواية، إلى الالتقاطات المجهرية في القصة، راسماً عالماً تتجاور فيه الوثيقة والخيال، والحزن والتهكّم، والمكان واللا-مكان.

ممّا جاء في كلمة الغلاف:

في “حين يمشي الجبل”، يكتب هيثم حسين عن أطياف لا تزال تبحث عن أسمائها، عن منازل لا تظهر على الخرائط، عن لغةٍ تتنفّس في الخفاء.

هذه المجموعة مرثيّة مطوّلة للمنفى الكرديّ، بكلّ ما فيه من تفاصيل لا تدخل كتب التاريخ، ولا تُذاع في نشرات الأخبار، ولا تُدرّس في المدارس، لكنّها تحفظ الحياة الحقيقيّة؛ تلك التي يمشي أصحابها بصمت، ويُسرق صوتهم حتّى حين يتكلّمون.

ينسج هيثم حسين عالماً متصدّعاً، لا يحاول إصلاحه، إنّما يرسم شقوقه بدقّةٍ لا تُجامل. يكتب عن اللاجئ الذي يتكلّم كلّ اللغات ما عدا لغته، عن الكاتبة التي تخشى أن تكتب قصّتها الحقيقيّة، عن الأب الذي يموت دون أن ينطق اسم الجبل الذي نشأ عند سفحه.

في هذه القصص، لا تنتهي الحكاية عند الخاتمة، إنّما تبدأ. يصبح الصمت نفسه طريقة في السرد، يصبح المنفى حالة لغوية، وتصبح الكتابة محاولة لتسجيل ما لا يمكن كتابته أصلاً. كلّ قصّة تبدو وكأنّها تقف على الحافّة؛ حافّة اللغة، حافّة الجغرافيا، حافّة الاعتراف، حافّة الضياع… ومع ذلك، لا تسقط، إنّما تبقى هناك، تتأمّل من بعيد، وتتردّد في قول الحقيقة، لا لأنّها تخاف أو لا تعرفها، لكن لأنّها تعرف الثمن جيّداً.

الجبل، هذا الرمز الأثيريّ في الميثولوجيا الكرديّة، يصبح هنا كائناً حيّاً، يمشي لا ليُرى، لكن ليكسر القيود المفروضة عليه، ليقول: إذا كنتم لا تعترفون بنا، فلن نعترف بخرائطكم.

يشار إلى أنّ لوحة الغلاف هي للفنّان التشكيليّ الكرديّ السوريّ خضر عبد الكريم، والمجموع تقع في ١٩٦ صفحة من القطع الوسط.

تعريف بالكاتب:

هيثم حسين: روائيّ كرديّ سوريّ، من مواليد عامودا 1978م، مقيم في لندن، عضو جمعية المؤلفين في بريطانيا، مؤسّس ومدير موقع الرواية نت. ترجمت أعماله إلى الإنكليزيّة والفرنسيّة والتشيكيّة والكرديّة..

من أعماله الروائية والنقدية: “آرام سليل الأوجاع المكابرة”، “رهائن الخطيئة”، “إبرة الرعب”، “عشبة ضارّة في الفردوس”، “قد لا يبقى أحد”، “العنصريّ في غربته”، “كريستال أفريقيّ”، “الرواية بين التلغيم والتلغيز”، “الرواية والحياة”، “الروائيّ يقرع طبول الحرب”، “الشخصيّة الروائيّة.. مسبار الكشف والانطلاق”، “لماذا يجب أن تكون روائياً؟!”.

الموقع الشخصيّ للكاتب:

Haithamhussein.uk

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

فواز عبدي

يقال إن الأمثال خلاصة الحكمة الشعبية، لكن هناك أمثال في تراثنا وتراث المنطقة باتت اليوم تحتاج إلى إعادة تدوير عاجلة… أو رميها في أقرب سلة مهملات، مع بقايا تصريحات بعض المسؤولين. مثال على ذلك: المثل “الذهبي” الذي يخرجه البعض من جيبهم بمجرد أن يسمعوا نقداً أو ملاحظة: “القافلة تسير والكلاب تنبح” كأداة جاهزة لإسكات…

شكري شيخ نبي (ş.ş.n)

توقف ؛

على رسلك في المدى

الافق سوار من اللظى

عويل الجوعى

نداءات و جعجعة

وغزة توشحت بالصدى ..!

 

توقف ؛

على هدي الهديل

فالشارات حمراء

من جفلة الجلنار وزحام القذى ..؟

و ..دع الأمير يمر

أمير من غزة

يقطع الشك في المدعى

من سخام الحياة

إلى نور السماوات في المرتجى ..؟

 

توقف ؛

عند هذيان حمى الصبر وأنتظر ..

انتظر..

امير الصبر

حتى اكتمل رغيف القمر ..!

قطعوا عليه سبل درب…

ماهين شيخاني.

في شمال الشرق، حيث نمت سنابل الحنطة إلى جانب أعمدة النفط، بنت القرى سورها بيديها، وزرعت فوقه أشجاراً تحرس الأطفال من شمس الصيف ورصاص الغرباء.

كانوا يقولون:

– لسنا ضد أحد… فقط نريد أن نعيش.

لكن في دمشق، تبدّلت الوجوه.

الوجوه القديمة غابت، وجاءت وجوه جديدة: لحى غريبة، لغات غريبة، عيون لا ترى في الخرائط إلا الحدود التي…

عبدالرزاق محمود عبدالرحمن.

 

أيُّ ضياعٍ هذا…

زوبعةٌ من آلام الماضي،

تدور بي حتى تخلعَت جذوري من أرضي.

 

الماضي… عَلقَةٌ غامقةُ اللون،

تختبئُ ف ي تلافيف عقلي،

تتنفسُ من دمي،

وتتركُ في أعصابي طنينًا لا يصمت.

 

لا تُمهلني هدوءًا،

ولا تسمحُ لجفني أن يستسلما لنعاسٍ رحيم.

 

أقفُ أمام المرآة…

أحدّق في وجهي كأنني أبحث عن طفلٍ ضاع في داخلي،

طفلٍ بعينين غارقتين في الخوف،

يقف في زاوية الغرفة

يتجنّب نظرات…