ماهين شيخاني
أرسل له صديقه، المحامي والمزارع، إيصالًا ماليًا، وطلب منه أن يسلّمه لزميل قديم يعمل في المصرف الزراعي وسط المدينة.
وصل الرجل إلى المصرف، وتوجه مباشرة نحو زميله الموظف قائلاً:
– “هذا وصل مالي من صديقي المحامي، قال لي: سلمه إلى فلان الفلاني، وها أنا قد جئت.”
أجابه الموظف بود:
– “حسنًا، من فضلك اذهب إلى المدير ليوقّع عليه، ثم أعود أنا لاستكمال الإجراء.”
اتجه إلى مكتب المدير. طرق الباب بلطف.
في الداخل، كان هناك أقارب ومعارف، لكنه حين ألقى السلام، لم يردّ عليه أحد.
جلس المدير خلف طاولته، وخلفه رجل أمن يهمس في أذنه.
ملامح الانزعاج بادية على وجهه.
تقدم الرجل بالوصل نحوه، لكن المدير ما إن أخذه بيده حتى مزقه أمام عينيه.
تجمد الموقف.
ثم انفجر الرجل:
– “لماذا مزّقته؟!”
أجاب المدير ببرود:
– “أنت لست صاحب العلاقة. دعه يأتِ بنفسه.”
قال الرجل غاضبًا:
– “حسنًا، اكتب لي أنك مزّقته كي أخبر صاحبي!”
– “هذا لا يعنيك.”
– “بل يعنيني. ولن أتحرك من هنا إلا بورقة تثبت ذلك.”
سادت لحظة من الصمت المشحون.
عيونه كانت تقدح شررًا، وصوته أثار دهشة الحاضرين.
تدخل رجل الأمن أخيرًا محاولًا تليين الموقف:
– “لدينا عمل، وإذا صار شيء بخصوص الإيصال فأنا أشهد أنه ليس خطأك.”
خرج الرجل من المصرف متأففًا، كان قد أغلق محله اليوم خصيصًا لهذا الأمر، بناءً على طلب صديقه المحامي الذي قال له مطمئنًا:
– “لا أحتاج للمبلغ الآن، خذه واشتري البضاعة، وعند مجيئي للمدينة سدده كما تشاء.”
في الطريق، وبينما كان يسترجع ما حدث، توقفت بجانبه دراجة نارية.
كان راكبها رجل الأمن ذاته، قال له مترددًا:
– “قد تسأل لماذا المدير لم يعطيك المبلغ؟ الحقيقة أنه غضب لأنني طلبت منه تمرير معاملة لشخص أعرفه ورفض. ربما كنت ستدفع الثمن.
وأقسم لك: إن أردت، فأنا أشهد بما حدث، ويمكنك رفع تقرير…”
ابتسم الرجل وقال بهدوء:
– “أنا لا أرفع التقارير… شكوائي أرفعها إلى الله.”
بعد أسبوع…
وفي طريق العودة من مدينة أخرى، وقع حادث مروري مروع.
رحل الرجل، ومعه زوجته وآخرون إلى العالم الآخر.
لم تُكتب شكوى.
ولم تُرفَع ورقة.
لكن في ذات المصرف، بعد أشهر، جلس شاب في مقتبل العمر ينتظر دوره.
كان يحمل إيصالًا ماليًا، مطويًّا بعناية، يضغط عليه كأنه أمل معلّق.
حين قيل له:
– “اذهب ووقّعه من المدير أولًا.”
ابتسم وقال:
– “أعرف الطريق… لكن هل لا يزال المدير يمزّق الأوراق؟”
خلف الطاولة، كان معاون المدير ، قد شابت لحيته، وهدأ صوته.
وبينما وقّع الورقة الجديدة، تمتم بكلمات غامضة:
– “الناس تغيّرت… أو لعلّي أنا من تغيّر.”
ورقة واحدة… لم تُمزق.
وورقة أخرى… لم تُكتب بعد.