حول كتاب “المثقف في صورة نبي”* للكاتب فراس حج محمد

رائد الحواري| فلسطين

في الآونة الأخيرة سمعنا كثيراً عن مطالبة المثقفين بأن يحدثوا معجزات وخوارق ليغيروا الواقع، وعليهم أن يأخذوا دورهم في المجتمع لتغييره، وكأنهم مقصرون في مهامهم، أو متقاعسون عن القيام بواجبهم، فإلى اليوم نجد المثقف يدفع ثمنا باهظا لمواقفه ولمبادئه وثباته على الحق.

في هذا الكتاب يؤكد “فراس حج محمد” الثمن الباهظ الذي دفعه المثقفون في منطقتنا، مستشهدا “بأنطون سعادة” الذي دفع حياته ثمنا لمواقفه، “وبغسان كنفاني” الذي استشهد على يد الصهاينة، كما يستشهد بدور “إدوارد سعيد” وأعماله الفكرية التي دعا فيها إلى التغيير، حيث كرس أعماله لخدمة (أداة التغيير) المثقفين، وبهذا يكون الباحث قد توافق مع رؤية ماركس في التغيير: “ليس المهم تفسير العالم، بل تغييره”

الباحث يتناول صفات المثقفين في كتابه متخذا من الأنبياء “آدم، نوح، إبراهيم، موسى، يوسف، لقمان، مريم” نماذج لعملية التغيير، وهذا ما يجعل كتاب “المثقف في صورة نبي” كتابا يتجاوز النظرة الدينية التقليدية المطروحة عن الأنبياء، لتتلاقي مع كل من عمل من أجل التغيير، وما استشهاد الكاتب “بسعادة وكنفاني وسعيد” إلا تأكيد لهذا التلاقي.

صفات المثقف ودوره

يؤكد الباحث دور المثقف في عملية التغيير التي إذا ما أهمل العمل بها ومن أجلها لا يكون المثقف مثقفا مهما أصدر من أدب وكتب: “فكيف يكون مثقفا من يكتب تهويمات في الفضاء، ليس معنيا بالتغيير، فالمثقف معني بالتغيير لا بالتعبير” (ص 15)، من هنا يقودنا الباحث إلى الأنبياء ودورهم وإصرارهم على تغيير واقع مجتمعاتهم، ورفضهم للسلطة القائمة، ورفضهم السلوك السلبي للمجتمع، مؤكدين أن نقد الواقع، وكشف عيوبه وعيوب القائمين عليه يعد واجباً عليهم، على المثقفين: “فليس دور المثقف أن يمتدح السلطة أي سلطة، لأنه ببساطة من واجب تلك السلطة أن تكون جيدة، وأن تعمل من أجل الشعب وقضاياه” (ص 17)، ولا يكتفي الباحث بهذا الشرط، بل يتقدم خطوة أخرى إلى الأمام بقوله: “إن أي مثقف يرضى أن يطبل لأي سلطة ويمتدحها، سيكون قد اقترف جرما حقيقيا، وبدأ يبتعد عن مهمته… على المثقف أن يظل وحده، لا تربطه بالدولة وأجهزتها أية علاقة أو صحبة، لأن الدولة في العادة ليس لها صديق تحترمه، وتنقلب على أصدقائها في أية لحظة” (ص 19)، هذا الأمر لم يأت من باب التشدد والمغالاة، بل اعتمد الباحث على قصة يوسف عليه السلام مع امرأة العزيز حين دعته ليخضع لها، وعندما رفض، تم زجه في السجن ظلما وجورا.

ويمكن الاستشهاد بالعديد من المثقفين الذين تعرضوا للسجن أو للطرد أو التضييق الاقتصادي أو منع السفر، بسبب مواقفهم الجديدة المعارضة لما تقوم به الحكومة/ الدولة.

من هنا نجده يؤكد في أكثر من موضع ضرورة المواجهة بين المثقف وبين السلطة القائمة، وعدم التلاقي ـ حتى لو تحسنت الظروف والأحوال ـ فدور المثقف يكمن في التصدي للسلطة، وكشف أي خلل أو خطأ تقع فيه: “ماذا يعني هذا في عمل المثقف غير النبي؟ إنه يعني أن التصرف واجب في التصدي لما يحدث في المجتمع أو من بعض أفراده من مخالفات عنده علم أنها ضارة، وتتناقض مع عمله بصفته شخصا يدعو إلى التغيير… فالمثقف كالنبي حارس أمين لهذا المجتمع ولأخلاقياته وأعرافه السامية البعيدة عن كل مظاهر الشر” (ص 55)، نلاحظ إصرار الباحث على تحديد صفات المثقف كشخص لا يمكن أن يقبل أن يكون تابعا للسلطة، لأنه يقوم بدور الكشاف للعيوب/ للأخطاء، ولأنه يمثل الحارس الأمين لقضايا المجتمع/ الشعب الذي ينتمي له.

ونجد الباحث يربط دور الأنبياء والرسل في الماضي بدور المثقفين اليوم، مقتبسا ما قاله “علي شريعتي”: “إن مسؤولية المثقفين اليوم ودورهم في العالم يشبه أساسا الدور الذي كان يلعبه الأئمة وقادة التغيير والتبديل أي الأنبياء والرسل وأئمة المذاهب في المجتمعات القديمة” (ص 28)، وهذا المزج هو اللافت في الكتاب، فيمكن لمن يحمل توجها دينيا أن يرى فيه ما يلبي طموحه الفكري الديني، وأيضا لمن يحمل توجهات فكرية حديثة ومعاصرة أن يجد ما يتوافق مع توجهاته، وما استشهاد الكاتب بالعديد من المفكرين المعاصرين، إلا صورة عن انفتاح الباحث على الثقافات والأفكار الجديدة.

وبما أن عنوان الكتاب “المثقف في صورة نبي” فقد أكد الباحث دور التأمل والتفكير فيما يجري، ووضع أفكارا جديدة التي ستكون برنامج التغيير، ودستورا للقائمين على التغيير: “هذا الجدل العقلي المبني على القراءة العلمية العقلية الصحيحة، تكشف عن أداة مهمة من أدوات المثقف النبي، حيث لا بد من أن يكون المثقف ذا أدوات تأملية قادرة على النفاذ إلى أعمق ما يفكر به القوم الذين يريد أن يغير في حياتهم، ويجعلها تنتقل من طور الجمود الصنمي إلى فعل الحركة الحيوية” (ص 97 و98)، اللافت في هذا المقطع أن الباحث يعطي المثقف دوره الحقيقي، حيث عليه الوقوف عند واقعه، وتحليل وتفكيك هذا الواقع، ومن ثمة الخروج بأفكار وخطط لمعالجة السلبيات والأخطاء الحاصلة، فالواقع/ المجتمع هو المنطلق الذي يعتمد عليه المثقف في خلق/ إنتاج أفكار تناسب عملية التغيير، وليس الاعتماد على نظريات خارجية/ جاهزة التي يمكن أن تعيق عملية التغيير وحتى تشوهها، وتجعلها عقيمة ومستحيلة.

والباحث يزيد على صفات المثقف، “المهنية” بمعنى أنه يريد أن يكون مستقلا اقتصاديا، غير خاضع لأي سلطة اقتصادية يمكن أن تؤثر على قراراته وأفكاره وتوجهاته، فالمهنة تعطي المثقف استقلالية اقتصادية معتمدا على (ذراعه) في تحصيل رزقه وقوت عياله: “أمر لافت للنظر، كنت ألاحظه وأنا أقرأ في قصص الأنبياء، أنهم كلهم كانوا من ذوي المهن، فلم يكن أحدهم خاليا من العمل، ولم يكن بطّالا، اتكاليا على غيره، فمن كمال شخصية الإنسان أن يكون له عمل” (ص 141)، فالمهنة نقيض الوظيفة التي تجبر الموظف أن يكون تابعا مجرورا لأوامر وقرارات المسؤول، ولطبيعة وظيفته وما فيها من التزام بقرارات وقوانين الوظيفة.

وإذا ما توقفنا عند المهنة سنجد أنها تمثل خط دفاع ثانياً عن المثقف، فغالبية الأنظمة العربية تقمع المثقف من خلال منعه من العمل في المؤسسات الحكومة، وتمنعه من السفر، وحتى تعتقله وتقتله، فإن كان صاحب مهنة/ عمل خاص به استطاع أن يؤمّن نفسه وأسرته اقتصاديا، بينما في حالة الوظيفة يمسي (في الشارع) دون أي مصدر رزق.

وعن دور المثقف/ النبي يؤكد الباحث أهمية بث الأفكار الجديدة في المجتمع، فالأفكار هي وسيلة التغيير والانتقال إلى ما هو جديد: “من هنا فالمثقفون نظراء الرسل، وليسوا من طائفة العلماء أو من العوام المنحطين فاقدي الوعي… وذلك لأن الوعي يبدل الجماهير الضعيفة الراكدة إلى مرجل بناء في حالة هيجان، ولأن الوعي هو الخلاق للعبقريات العظيمة والقفزات الواسعة” (ص 30)، فإنتاج الأفكار مهمة المثقف، لأنها وسيلة تغيير الجماهير ونقلهم إلى ما هو أفضل ومتقدم.

والدور الثاني الذي يقع على كاهل المثقف/ النبي، البقاء بين الجماهير وعدم التخلي عنهم، أو تركهم وحيدين يواجهون مصيرهم، وهنا يستشهد الباحث بالنبي “يونس عليه السلام” بقوله: “يونس لم يصبر على قومه بل ذهب وتركهم غاضبا منهم، فعاقبه الله بالرمي في البحر والتقام الحوت له، وجعله منفردا في عالم آخر، وكذلك يجب ألّا يعتزل المثقف مجتمعه، وألّا يغضب، وعليه أن يكون صبورا حليما مجالدا ومجاهدا ومستفرغا للوسع والطاقة” (ص 44)، التماهي مع الجماهير هو الجزء المكمل لدور المثقف، فدون الجماهير يمسي المثقف/ النبي بلا دور، حتى لو وضع/ أوجد أفكارا تصلح للتغيير، فالناس/ المجتمع هو من سيقوم بالتغيير وهو من سيتغير.

الانسجام بين القول والعمل

وهنا يقدمنا الباحث من شرط آخر متعلق بعملية التغيير والذي يتمثل في الانسجام بين القول والعمل، متخذا من الآية القرآنية: “يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون، كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون” دستورا لنجاح عملية التغيير، وهذا ما يجعل المثقف نبيا حقيقيا، دوره مماثل لدور الأنبياء الذين قرنوا القول بالعمل، فكانوا نماذج حية عن هذا الانسجام، الانسجام بين الفكرة وتطبيقها، الفكرة وقائلها والعمل بها، بحيث لم يتركوا أي هامش للمشككين الذين يسعون لهدم كل بناء جديد، لإبقاء المجتمع والناس في حالة سكون وخمول. أن ينالوا منهم ومن أفكارهم وعملهم.

يؤكد الباحث شرط أن يكون المثقف/ النبي من خلال قرْن القول بالعمل، والعمل بين الجماهير وللجماهير بقوله: “ليست نبوة الرسالة والدعوة، إنما نبوة العمل والتغيير والصبر على المشاق والثبات مهما كانت التضحيات” (ص 85 و86)، وبهذا يكون الباحث قدم فكرة متكاملة، متصلة، وافيه عن آلية وأداة التغيير، ومن يقوم به وكيف يكون التغيير.

 السلطة

يتعامل الباحث مع السلطة كنقيض مطلق، لا يمكن التلاقي معها بأي شكل من الأشكال، ويعتبر قبول الخضوع لها ـ مهما كانت جيدة ـ خيانة لدور المثقف/ النبي، حيث يجدها الغول الذي يعمل على ابتلاع المثقف/ النبي ومحو دوره، أو استيعابه أو شطبه كعامل تغيير: “أن تمنع الآخرين عن التعبير عن مواقفهم بقرارات حكومية، لتجعل منهم أحجار شطرنج” (ص 18)، هكذا يرى الباحث الحكومات التي يراها تقوم بالاعتقالات وقتل المثقفين: “لا يؤمن للسطلة السياسية جانب، لأنهم لو لم ينفذوا أوامرها لاعتقلتهم، وربما قتلتهم” (ص 115)، وهذا الأمر نجده في التاريخ القديم من خلال “ابن المقفع، وابن رشد، والفارابي” وغيرهم، وفي الحاضر نزار بنات في فلسطين، مهدي عامل في لبنان، أحمد فؤاد نجم والشيخ أمام في مصر، سميح شقير والماغوط ونهاد قلعي في سورية، وهناك الكثير من الأمثلة في بقية الأقطار العربية.

الكتب، القرآن الكريم

يشير الباحث إلى دور الكتب وأهميتها في تعليم وتعريف المجتمع بأهمية التغيير ودوره وكيفية القيام به، فالكتب هي أداة لنقل أفكار المثقف/ النبي للجماهير: “الكتب لا تؤلف من أجل متعة الكتابة وتحقيق المجد الشخصي، وإنما لا بد من أن تكون منطلقا لأهداف كبرى، مشاريع اجتماعية وسياسية، تساعد على إصلاح حياة الناس” (ص 32)، اللافت في هذا القول توافقه مع فكرة الانسجام بين القول والعمل، فالكتاب يجب أن يكون له هدف، هدف التغيير الاجتماعي، تغيير نمط حياة الشعب/ الأمة إلى الأفضل، وتحقيق ما تصبو إليه من مجد وكرامة ورفعة، وليس تحقيق المتعة الفردية، وإمتاع القارئ.

وهنا يذكرنا الباحث بالآية القرآنية: “مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا” (ص 34)، فهو من خلال هذا الآية يؤكد ضرورة الاعتماد على (دستور/ نظام داخلي) يلزم ويلتزم به كل مثقف/ نبي لإنجاح عملية التغيير والاستمرار بها.

آدم عليه السلام واللغة

يتناول الباحث مجموعة من الرسل والأنبياء منهم أبو البشر “آدم عليه السلام” متناولا أهمية اللغة في إيصال الأفكار للآخرين، فاللغة هي أداة التواصل بين الناس، وأداة التعرف، التعلم، التغيير، ودون لغة لا يمكن أن ينجح المجتمع/ المجتمعات في تطوير ذاتها والتوصل فيما بينها: “فآدم عندما أنبأ الملائكة بأسمائهم إنما أراد أن يبني جسورا من التواصل بينه وبينهم، وليس مجرد الإعراب عن كونه قادرا على الإفصاح والتسمية” (ص 52)، اللافت في هذا الكلام أنه بمثابة حجر أساس في عملية بناء المجتمع/ المجتمعات، للوصول إلى التغيير، التطوير الذي يخدم الجميع، المعلم/ النبي/ المثقف، والمتعلم/ الفرد/ الشعب/ المجتمع/ الأمة.

نوح عليه السلام ومقاومة العنصرية والطبقية

الباحث يتناول قوم نوح بطريقة جديدة، فهو يتحدث عن نظرتهم الفوقية المتعجرفة: “إنه كافح فيهم نزعة الاستعلاء والتكبر التي سيطرت عليهم، فقد كان “أرذل القوم” عائقا بينهم وبين الإيمان “أنؤمن لك واتبعك الأرذلون” (ص 76)، اللافت في هذا التفسير/ التحليل أنه يمكن أخذه إلى الصهاينة في فلسطين وكيف ينظرون ويعاملون الفلسطينيين، وما يؤكد هذا الأخذ/ الإسقاط، حديث الباحث عن ابن نوح وبقائه مع الهالكين، رغم أنه من صلب نوح، وهذا الهلاك للابن يمثل (نقداً/ تفنيداً) لنقاء الجنس، شعب الله المختار الذي يستند عليه الاحتلال.

وتأكيداً على عقم الاستكبار ودوره في أخذ المستكبرين إلى الهلاك والفناء يذكرنا الباحث بهذه الآية القرآنية: “إني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا” (ص 78)، فالاستكبار يعكس صورة الجهل/ التخلف الذي هم فيه، كما أنه كان مبررا لإنزال العقاب بهم وفنائهم من الوجود كليا.

إبراهيم عليه السلام والخطاب العقلي

إبراهيم- عليه السلام- استخدم العقل والمنطق والحوار مع قومه وأبيه لينقلهم من الجهل إلى المعرفة والعلم، من عبادة ما لا يفيد ولا يقدر على الفعل أو العمل، إلى عبادة من يقدر ويفعل ويعمل ويخلق، من هنا حطم الأصنام جميعها إلا كبيرهم فقد تركه، وعندما دخل قومه ورأوا ما حل بآلهتهم، أشاروا إلى إبراهيم كمتّهم بهذا الفعل، لكنه عندما طلب منهم أن يسألوا كبير الآلهة الباقي، ولم يجدوا عنده إجابة، عرفوا أنهم جهلة، يعبدون ما يصنعون، ويبعدون ما لا يدافع عن نفسه، من لا يقدر حتى على قول لا، ومع هذا بقوا متمسكين بالخطأ/ بالجهل/ بتلك الأصنام.

فالباحث من خلال تناوله الأحداث التي مرت بإبراهيم، عليه السلام، وكيف ادعى عبادة الكوكب وعبادة الشمس، ثم خرج بنتيجة أن هناك خالقاً لا يغيب أبدا، أكد أهمية الحوار العقلي في تغيير المجتمع، وفي إقناع الآخرين بالأفكار الجديدة، من هنا سماه الباحث: “النبي إبراهيم المثقف العقلاني” (ص 93).

موسى ومجابهة السلطة

أما موسى عليه السلام فقد تحدث الباحث عن مواجهته “فرعون” رأس السلطة مباشرة، وكيف أن هذه المواجهة كانت تستدعي وجود مقدار من (القوة، والأدوات، والاستعداد) لنجاحها، من هنا طلب من الله أن يمده بقوة الشخصية، وطلاقة الكلام، وأن يسنده بأخيه “هارون”.

وعندما تمت المواجهة وانتصر موسى على فرعون الذي استكبر، تم القضاء عليه وعلى زمرته فقط، ولم يتم هلاك المصريين، كما هو حال قوم نوح، فالعقاب هنا كان جزئياً، للفئة الطاغية، وليس لكل المجتمع.

ومن خلال توقفه عند “قصة موسى عليه السلام والعبد الصالح، يعرفنا بطبيعة المثقف الذي يرفض الخطأ وعدم سكوته عليه أو القبول به، رغم أن هناك (شرطا/ اتفاقا) تم بين موسى والعبد الصالح بعدم السؤال أو الاعتراض على ما يقوم به العبد الصالح من أفعال وأعمال، بمعنى أن المثقف (غريزيا) يواجه الأخطاء، معترضا القائمين بها، مبديا رأيه فيها، متحدثا عن ضرورة العمل بالفعل الصحيح كأساس في الحياة وسلوك الناس.

يوسف المثقف العفيف المتسامح والعافي عن الناس

قصة يوسف الذي قاوم إغواء امرأة العزيز، يمثل صورة عن المثقف العفيف الذي يرفض الانزلاق للفاحشة والرذيلة، كما أن عفة يوسف لم تقتصر عند رفضه الإغواء، بل تعداه إلى تجاهل الأذى الذي لحق به من امرأة العزيز: “وما أبرئ نفسي، إن النفس لأمارة بالسوء إلا من رحم بي، إن ربي غفور رحيم” (ص 117)، هذا عدا تجاوزه عن ظلم إخوته وما فعلوه به، وتعدّ هذه الصورة هي المثلى للمثقف الذي يتحلى بهذا الصفات والمقدرة على تجاوز ألمه الشخصي في سبيل إيصال فكرته للناس، فكان “يوسف” نفسه هو فكرة التغيير بصورة حية وواقعية.

مريم الصديقة

يربط الباحث بين قولة عز وجل في القرآن الكريم عن إبراهيم عليه السلام “إنه كان صدّيقا نبيا” وبين مريم عليها السلام: “صدّيقة” مما يجعلها “نبية” متجاوزا اقتصار فكرة النبوة على الذكور/ الرجل دون النساء، وهذا يقودنا إلى دور المرأة في التغيير، وعلى أنها أيضا أداة ووسيلة وغاية التغيير.

 وبهذا يكون الباحث قد لبى طموح من يحملون توجهات دينية، وأولئك الذي يحملون توجهات حديثة، مؤكدا/ رابطا أن رسالة (الأنبياء) ما زالت حاضرة ويعمل بها، وأن هناك أنبياء الآن يعملون من أجلنا ومن أجل التغيير، من أجل تخليصنا من الشوائب والعلائق التي أصابتنا بعد أن تخلينا عن استخدم العقل والمنطق، أصبحنا نتبع أفكارا صنمية، ليس لها علاقة بتطويرنا وتقدمنا.

* ملاحظة: الكتاب ما زال مخطوطاً، لم يُنشر.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

بمناسبة عيد الاضحى المبارك وبمبادرة من الاتحاد النسائي الكوردي في سوريا ومنظمة خناڤ قامت عضوات الاتحاد النسائي الكوردي في سوريا : الآنسة رجاء ابراهيم والآنسة سعاد ام محمد و نساء اخريات بتوزيع كمية كبيرة من الالبسة والاحذية وبعض المستلزمات الشخصية ، وبعضاً من ألعاب الاطفال والحقائب المدرسية وغيرها في مدينة قامشلو ونواحيها ، وقد ساهم…

أ.د. قاسم المندلاوي

الفنان الراحل “رفعت داري”
موسيقي ومغني وملحن، وهو الفنان الشعبي الكوردي. ولد عام 1934 في قرية “دارا” – باكور كوردستان / تركيا، ثم رحل مع عائلته إلى “روجافاي” غرب كوردستان / سوريا، واستقر في قرية “خربي كورما”، ثم رحل إلى قرية “حاصدا” التابعة…

فواز عبدي

 

لطالما كان الأدب الكردي انعكاساً حياً لمعاناة شعب يواجه محناً سياسية وثقافية ممتدة عبر قرون من التهميش. ففي ظل تقطيع أوصال الجغرافيا الكردية بين أربع دول، وحرمان اللغة الكردية من الاعتراف الرسمي والتعليم والمؤسسات الثقافية في تلك الدول، بقي الأدب الكردي محاصراً داخل قوقعة محلية، لا يتجاوز نطاقه الجغرافي أو اللغوي إلا في حالات…

د. علي صالح ميراني

في حضن الجبل، حيث تُروى الحكايات بصمت النسيم، وتنطق الأرض بألسنة العشب، لاحت من بعيد نسوة يُسابقن الريح بخطواتهن الوئيدة، يتأوهن تحت وطأة أوانٍ نحاسية تتهادى فوق رؤوسهن، كأنهن يحملن ذاكرة الأرض مطرزا بصبر الأمهات.

في الواقع، كان الكلب الكهل، رفيق الراعي العجوز، يخطو معه كظله، في مسيره واستراحاته، وكأنهما تقاسما العمر والود…