إبراهيم محمود
من بعد التحية الكردية والسلام على روحك الكردية دائماً يا ” بافي رشو ” الكردي طبعاً، وأعني به بالحرف: محمد سيد حسين، أعني به الكرديَّ أماً وأباً، وخلفاً عن سلف..
كلّي يقينٌ، أنك هناك، كما لو أنك هنا، في بيتك الذي ألِفتُه، بيتي الذي ألفتَه أنت، بيت صديقنا المشترك ” بافي آزاد ” الذي ألفناه، كما لو أنك محلّق على ارتفاع منخفض، لتكون على دوام الإصغاء إلى كل ما يجري في سماء كرديتك، وأرض كرديتك، وشعب كرديتك، وساسة كرديتك، وفي كل حركة منك، ثمة أنَّة، تنهيدة، وآهة على أن الوضع ليس على ما يرام.. أنك غير مستقر بروحك هناك، هنا، حيث يتنفس كل كردي، بغضّ النظر عن حسبه ونسبه، كل كردية وكردي، كما تقول كتاباتك، بلغتك العفوية البسيطة والشفافة، وحيث يحلّق كل طائر كردي، أو في فضاء جغرافية كرديتك، وكل داب على أربع ينتمي إلى طبيعة كرديتك، وكل نبات يلطّف مناخ كرديتك، وكل جماد، له علامة في دائرة كرديتك. لكم هي كبيرة روحك وهي رهينة طموح كرديتها حيث لا يُعرَف الكردي إلا بكرديته، بالتربة الكردية دون حدود، فيها يقيم وفيها يؤبَّد.
إلى هذه الدرجة تتعذب روح الميت أحياناً أكثر بكثير من روح حي عبء على اسمه نفسه ؟
أي نعم، يا صديق الكلمة الكردية الطبيعية في أرضها وسمائها، يا الموزع بروحك وجروحك بين قامشلو و” تل عربيد ” حيث هبطت روحك بجسمك، وانطلقت روحك بذاتها، تاركة جسمك مغذّي تربتك الكردية، ومذاباً في نسيجها الجغرافي بكاملها، كما هي مساحة شعرك ونثرك، لتكون روحك راعية ما أقبلت عليه كتابة، وتحرص عليه مشتهى الكردي في كرديته، كما هو مشتهى أي كان في أرضه، لغته، قوميته، ثقافته ، وإنسانيته.
أقدّر العذاب، عذابك الذي تناسل في كرديته التليدة، على وجع الجرح الكردي في عراقته، والشقاق الكردي في قديمه وحديثه، وأنا على يقين كامل، هنا: أنك أصبحت أكثر توجعاً من ذي قبل، على وقع الكردية التي تراها هنا وهناك، وفيها ما يصدمك مراراً وتكراراً، كما هو تخوفك.
أنت ترى بروحك أكثر مني، وتسمع بروحك أكثر مني، وتتسقط الأخبار، أكثر مني، وتتلمس المواجع والفجائع بدمغتها الكردية أكثر مني، حيث يكون الكرد شتاتاً وأشتاتاً طبعاً.
وماالذي أضيفه إلى ما حملتَه معك من مخاوف وحسرات وتنهيدات وانكسارات وخيبات إلى حيث يكون مقامك الأبدي، مما هو جديد. سوى ما يمكن قوله، وهو أن قامشلو” قامشلوكا أفينى ” ليست كذلك، إنها قامشلو الجسد الكردي النازف من ساسه إلى راسه، الشوارع ليست هي الشوارع نفسها، أحياء قامشلو والجوار ليست هي نفسها، طرقات قامشلو ليست هي نفسها، الدروب المتفرعة ليست هي نفسها قراها ليست هي نفسها،… ما أكثر أناسها وما أقل أقل أهلها يا بافي رشو الشاعر الكردي المأهول بهوى كردستانيته دون رتوش، ما أكثر صخبها، وما أقل هدوءها، ما أكثرها عددها، وأقلها مدداً، ما أكثر وجوهها تنوعاً، وأقل وجوهها انتماء إليها، ما أكثر لغاتها، وما أقلها ارتباطاً بجرحها ومأساة الكردية فيها.
الحياة سالكة بصعوبة يا العزيز بافي رشو، وبحر الحياة أنّى نظرت وترقَّبت عالي ارتفاع موج المباغتات الجارحة والمؤلمة على مدار الساعة، وأفق الجاري يكاد يحول دون رؤية الغد القريب، وما سيكون عليه حقيقة وواقعاً. بمعنى أتم: الكردية سالكة بصعوبة كبرى هنا وهناك!
نعم، بافي رشو العزيز، الكردية موجودة، إنما ما أكثرها تلعثماً واضطراباً وهواجس. وفي قامشلو هذه يا بافي رشو، يمكن أن ترى عبر مرآها الساخة كردستانك وهي لا تعد بما هو منتظَر أملاً واستقراراً، ولو في الحد الأدنى، كردك، كردنا، ما أكبر جرحهم، وما أصغر الوطن الكردي داخلهم، ما أوسع وأكبر شعارهم، وأصغر وأوجع النبض الكردي في قلبهم المضطرب كثيراً.
نعم، يا بافي رشو، كلما حاولت أن أختصر في كلامي وسلامي إلى روحك، حيث البلاغة في الإيجاز( Hindik rindik ) يتجاوزني الكلام، ويفيض بحرقة الجرح، وهم المصاب.
نعم، لعلك كما يعرف بعضناً بعضاً، تريدني أن أراك، كما أريد أن تراني أخف وجعاً. وأنت روحك” ولا أقول نفسك ” تعلم علم اليقين أن كل كردي يتنفس الكردية الحقة يصعب عليه حصر مأساته في كرديته وباسمها وعليها في بضع كلمات. ألا ما أصعب أن يكون المرء كردياً حقاً.
ربما هناك أشياء، وكثيرة بالفعل، عما تعيشه جهاتنا الكردية، وانتكاسات الكردية في كردها قبل أعدائها الأعداء، في الذين يتنادمون بـ” كأسك ” ويرفعون نخب كردستان ورموزها وأكثرها يتعتعهم السَّكَر، والبطَر فيهم تنامى، لن أسمّيها أنت تراها في عريها.
كن مطمئناً إلى أنك حي تفيض حيوية بصورتك التي تجاور مكتبتي، كما لو أنها تبقيك بكامل محياك ورؤياك، وأنت في أناقتك المعهودة، ووسامتك المعهودة، أكثر من كونك مجرد روح فقط!
طبتَ روحاً حيَّة، وطيف روح يؤاسي من هو حي، بين أحياء، يخجل الموتى من ذكرهم.
دهوك