نجاح هيفو
عندما نتحدث عن الذكورية، فإن أول ما يتبادر إلى الأذهان هو السلوكيات الفردية التي يمارسها بعض الرجال تجاه النساء: تحكم، تمييز، عنف، وتهميش. لكن الأخطر من كل ذلك هو ما يسمى بـ ذكورية المؤسسات، وهي الذكورية المتجذرة في أنظمة وهيكليات المجتمع، بدءًا من القانون والتعليم وصولاً إلى الأحزاب السياسية والسلطات الحاكمة.
ذكورية الرجال قد تتغير بالتثقيف أو المساءلة، لكن ذكورية المؤسسات تُعيد إنتاج نفسها بشكل مستمر، وتُشرعن التمييز ضد النساء تحت غطاء القانون أو “الصالح العام”. وهي غالباً ما تكون أكثر دهاءً وخفاءً، لأنها لا تأتي على هيئة رجل عنيف، بل على هيئة نظام يقرر من يُسمع صوته ومن يُقصى.
ومن أكثر المؤسسات التي تُجسّد هذا النوع من الذكورية هي الأحزاب السياسية والمؤسسات الحاكمة. فعلى الرغم من شعاراتها حول الديمقراطية والمساواة، نجد أن النساء غالباً ما يُستخدمْن كزينة انتخابية أو أرقام تجميلية على لوائح الترشيح، دون أن يُمنحن سلطة فعلية داخل الحزب. يتم تهميش أصوات النساء، وخصوصاً النسويات، داخل غرف القرار، ويُنظر إليهن كـ”خطر على التماسك”، أو كـ”مشغولات بالقضايا الجندرية وغير الواقعية”.
إن ذكورية المؤسسات الحزبية لا تقتصر على غياب النساء عن القيادة، بل تمتد إلى آليات اتخاذ القرار، واللغة السياسية، وتحالفات القوى. فحين تُبنى السياسات على تحالفات ذكورية تهدف إلى الهيمنة والسيطرة، تُهمّش قضايا النساء باعتبارها “ثانوية” أو “شخصية”. وفي بعض الأحيان، يتم قمع الناشطات سياسياً باسم الحفاظ على وحدة الصف، أو اتهامهن بتشتيت النضال العام بمطالب “فئوية”.
خطورة هذه الذكورية تكمن في قدرتها على إعادة إنتاج المنظومة الأبوية داخل النضال نفسه. أي أن حتى الحركات التي تدّعي السعي نحو التغيير، قد تُقصي النساء إذا لم تُفكك بنيتها الذكورية.
لذا، فإن مقاومة العنف ضد النساء لا يمكن أن تقتصر على نقد الذكورة الفردية، بل يجب أن تمتد إلى تفكيك البنى الذكورية في المؤسسات، وخصوصاً تلك التي تتحكم بمصير الشعوب. لا عدالة جندرية دون مشاركة نسوية فعلية في صناعة القرار، ولا تحرر سياسي حقيقي دون مواجهة الاستبداد الأبوي داخل المؤسسات نفسها.