سلوى علي بين الاشتياق والتحدي والوجود.. تحريك النص عبر الإحساس والمشاعر يصل إلى المعاني الراقية

عصمت شاهين الدوسكي
من خلال تأويل النص الشعري تتجلى مضامين ومعاني ورؤية خلال البنية النصية وتشكيلها باختيار الصور الشعرية التي تنصهر مع الأهواء والأمزجة الحسية والفكرية وتهدف إلى إبراز إبداع الكاتب أو إظهار رؤية ثانية إخفاق بما في مضمون النص والإيحاء الحسي والفكري بما يتعلق الأمر في المشاعر والهواجس الذاتية وليس الإبداعية وهي عملية واعية للعملية الخلاقة تأتي من خلال التميز بين ولادة الإبداع من الإخفاق الذاتي كشعور وإحساس وتصرف حياتي وبين ولادة الإبداع من خلال مضمون نصي على أساس العمق في الرؤية والإيجاز النثري بصور شعرية مقتضبة مختارة بدقة بما يتطلبه التحديث والرؤية العصرية ، الإعلامية الشاعرة سلوى علي تعدت حدود المعقول لتبرز ظاهرة الاحتدام الذاتي بين أن يكون وكيف يكون ، قصيدتها ” مجرد اشتياق ” تمثل وعي الشاعرة النافذة إلى أعماق الظاهر وأعماق النص الشعري فقد ابرز هذا الصراع الفكري الهادئ وعيين فني وجمالي بما يتفاعل في عوالم الشاعرة من صور شعرية رمزية دلالية إيحائية وبالتالي تؤسس بناء النص الشعري باستهلال جميل وسهل وممتع ” جالسة بوشاح مزركش – حبات مطر – ظل نائم – جدائل الشمس – إجابات الصدى ” أما العالم الجمالي يتوسع عبر رؤية التحليل والتأويل والإبحار في أمواج النص والبحث عن أعماقه الخفية المتفاعلة بين دلالات النص الشعري .
(( جالسة بوشاح مزركش
   يداعب النسيم
   حين يلوح على كتفي
   وحبات المطر العطشى
   تروي وجع المسافات
   لظل نائم على كتف الزمن
   لكي لا يرى دمعي المطول
   واختناقي بجدائل الشمس
   حين غنائي بربيع الأعراس الأقحوان
   تلوذ بلحن ، كشف سرها
   بإجابات الصدى
   على أسئلة الشوق )).
النص يفرض نفسه خاصة إذا تجلى سر وجوده وجماله وإبداعه من خلال تحريك النص عبر الإحساس والمشاعر للوصول إلى المعاني الراقية بعد ارتقاء النص من حالته السكنية إلى انفعال في الذهن والخيال الخلاق وتناغمها مع الذات بصور من الواقع ، الشاعرة سلوى علي ترسل أفكارها ورسائلها للعالم من عوالم الورقة والكتابة تصرخ بوجه الواقع لكن بأسلوب المتيقن من الحالة الواقعية إلى حد ” تصدح حنجرتي ” ان كانت الرسائل ضمنية مكنونة أو عارية المنشود والهدف منها أن تصل للعالم رغم كل الجهل والقيود والفشل والفساد العصري الذي تراه في عالمه الواقعي وعالمها الإخفاق لعدم رضاها بهذا الواقع المؤلم حتى في الحب والشوق والحياة ” تكشف رسائلي سيقانها ” ورغم الجوى الذائب فيها تحاول أن يكون التنازل خفيا على الواقع وهي بهذا تتحدى ذهنيا رغم مكانته الرصينة عند المرأة الناضجة وهذا التنازل ليس ضعفا بل ذكاء وارتقاء للروح ” اخلع كبريائي ” لتجرد معاني اللهفة واللوعة والتواصل ويقين الشوق أولا والوجود ثانيا تسأل ” أيقنت الآن كم تسكنني ؟” وهو هروب من الواقع للدخول الى عالم آخر نرسمه لروحنا وإحساسنا وقلبنا لنوازي بين ما نحن فيه وبين ما نريد ، بين تسلط الواقع المؤلم والحلم الجميل ، بين الجهل المحاط حولنا وبين الارتقاء الذاتي ، بين التعنت والأنانية الشخصية وبين الوعي الفكري الجميل الذي يأخذ مساحة الحياة بأكملها فالأنثى مقيدة رغم عصر النت والذرة بأفكار بالية دفنها الزمن منذ عصر أبو لهب ولكن حتى في عصورنا المتجددة المتطورة يفرض نفسه أبو لهب بصور جديدة .
(( حين يتمخض الورق
   بخمار الكتابة
   فتصدح حنجرتي
   كأحزان الناي
   لتكشف رسائلي سيقانها
   المعبأة بأشعار الشوق
   وتكتب على وجه القمر
   اشتقت يا سيدي
   يا لون الفرات ونكهة القمح
   وأنا اخلع كبريائي
   واهرع إليك
   من داخل رحم السطور
   فهل أيقنت الآن كم تسكنني ؟ )).
في ضوء ما نراه تتوفر المعايير النفسية والفكرية الحسية ثم الجمالية والذاتية وتظهر أهمية إبعاد النص وتكشف الوظائف الرمزية والدلالية والصورية التي استخدمتها ووظفتها بشكل دقيق الشاعرة سلوى علي ، وتطفو على السطح من حالة العمق الخفي المكنون الى التعري ليس العري الفاضح كما يظنه البعض من أول وهلة ولكن عري الحقائق المؤلمة كالفكر المتعصب والجهل المغطى برونق جميل والأنانية والضعف ” امرأة تعرت من فصولها وتفاصيلها ” وبعد العري وبيان التفاصيل تحاول تكوين شيء جديد يرتقي بالإنسان إلى حالة السمو والخلق الطاهر النقي والتواصل السليم ” دعني أشكل طينتك كما اشتهي ” فان كنت لا تقدر الخروج من عنق زجاجة الذكورة المتسلطة وان كنت لا تحاول أن تجدد نفسك وتنتهي من الجهل الجميل الذي يغطيك بالمظاهر البراقة وان كنت لا تعلم كيف تكون بحارا في حياة المرأة ومتناغما مع فكر المرأة ولا تحاول ان تكون قبطانا حكيما تعلم كيف تسير سفينة الشوق والحب والعذاب عبر أمواجه الصاخبة فدع كل هذه العوالم ” للمرأة ” فهي قادرة بحسها الناضج وذكائها وعفويتها وأنوثتها الجمالية الراقية أن تفعل المستحيل بل تتحدى المستحيل من أجل لحظات تاريخية تخلقها بيديها ” دعني أشكل طينتك كما اشتهي ” وترك الأمر للمرأة  ليس ضعفا هنا رغم ” الرجال قوامون ” ورغم للذكر حظ مضاعف لكن النقاء يحتاج إلى روح نقية مخلصة مشتاقة إلى الرقي واثبات وجود ” ولتبقى نقيا ” وليس هذا فقط بل تقسم الشاعرة سلوى علي بالفجر وهو قسم عظيم ” فقسما بالفجر ” لتتعدى حدود الطبيعية الإنسانية إلى التمسك بالحدود السماوية ” وليالي هجرك العشر ” ليس تحديا بمفهومه الضمني ولكن إثبات وجود أن أكون أو لا أكون باستعمال ” لن ” التي تعتبر قطعية أبدية لا نقاش فيها ” لن أكون أبعد نقطة بين عينيك ” إن كان هذا مجرد اشتياق في حالة المرأة الناضجة حسيا وفكريا فكيف سيكون ان كان أكبر من هذا الاشتياق وليس مجرد اشتياق ؟ .
(( وأنا امرأة تعرت
   من فصولها وتفاصيلها
   فدعني أشكل طينتك كما اشتهي
   لتبقى نقيا
   كصلاة الفجر
   فقسما بالفجر
   وليالي هجرك العشر
   لن أكون أبعد نقطة بين عينيك )).
إن أهمية تأويل النص في وظيفة الدخول إلى عوالمه المكنونة والكشف عن أبعاده من خلال المعاني والصور الشعرية عبر الحوار الجميل بين الشاعر والنص وبين الناقد والنص رغم عدم التمسك بمنهجية ثابتة ولكن هذه الحوارية الراقية بيني وبين النص غاصت في أعماق فكرية أنثوية ناضجة وثقافية مهمة للبحث عن مجهول لاشتياق ما وهذه إحدى مهمات التأويل ،الشاعرة سلوى علي تمكنت من أعطاء سمة مميزة بطريقة شعرية سلسة وإيحاءات دالة على مضامين ومعاني جميلة ليست بعيدة من متطلبات الحداثة من خلال تسليط الضوء على المخفي ” الرجل ” وعلى الذات الأنثوية عبر الاشتياق خارج أسوار الزمن رغم تكرار الزمن ” حين ” ثلاث مرات للفت الانتباه والوقوف عندها ورؤية جمالية وبذلك جعلت النص الشعري لكل عصر رغم اختلاف التأويل النصي من عصر إلى آخر فقراءة تجليات الخنساء تختلف عن تجليات فدوى طوقان لاختلاف الثقافات ومن هذا المنحنى يمكن ان يعتبر هذا التأويل ” اشتياق ” للنص للشاعرة وان اختلفت الرؤى الفكرية والحسية وهو اشتياق واعي جميل يؤسس تحدي تكوين المشاعر والذات واثبات وجود .
*********** 
سلوى حسين علي
– مواليد 1969 م سليمانية .
– خريجة إعدادية الصناعة .
– أحبت اللغة العربية وتعلمتها نطقا وكتابة .
– حصلت على عدة جوائز وأوسمة لمشاركتها في عدة مسابقات شعرية .
– فازت بالمرتبة الأولى خمسة مرات والمرتبة الثانية ثلاث مرات في عدة مسابقات أدبية.
– لها كتابين معدان للطبع

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

في زمن يبحث فيه العالم عن المصالحة والتفاهم، يعد ديوان الشعر

“Aştî تعني السلام” من تنگزار ماريني علامة مضيئة للأمل. النسخة الثنائية اللغة – باللغتين الكردية والألمانية –

تدعو إلى عدم التفكير في السلام فحسب، بل أيضًا إلى الشعور به ومشاركته.

قصائد ماريني رقيقة وقوية في آن واحد.

تحكي عن الرغبة في عالم أفضل، وعن ألم الذكرى،

وعن جمال التعاون….

يسرى زبير

 

اللاجئ ليس مجرّد رقم على الورق، ولا حالةً طارئة في نشرات الأخبار.

إنه إنسان أجبرته قسوة الحياة ومرارة الواقع على الهروب من وطنه، بعدما تحوّلت أبسط مقومات العيش فيه إلى أحلام مستحيلة.

الكهرباء مقطوعة، والماء يُشترى بثمن، والغاز معدوم، والأسعار تنهش قوت يومه، والقهر يرافقه في ظلمات منامه.

ولم يعُد هناك ما يُسمّى حياة، بل صراع بقاء…

التقديم والترجمة: إبراهيم محمود

 

حفيظ عبدالرحمن، كرديٌّ شاعر، شاعرٌ كردي، حفيظُ اسمه في قول الشعر، مجاز معناه في تمثيله حيث يكون بلغته الكردية” الأم “. لستُ من يزكّيه هنا، وإن كنت أنا، هوذا شعره، كما تعلِمني معايشتي/ معاشرتي للشعر، قبل معرفتي به. بشعره يشار إليه، ليكون شاعراً كما يجب.

وما قولي هذا، كشهادة لها ركيزتها في الواقع…

غريب ملا زلال

 

هذا حزني

و هذا تعبي

يلتقطانني حبة حبة

فيرميني الحزن

كاهناً في جبل

و يحملني التعب

شيخاً على عكازة

بين أسلاك الحدود

فهل حقاً

سلبت عشتار

كل قوانين الدوران

حول القلب

أم يحوم تموز

حول نيران

بحيرة الكهان

سأغادر هذا المعبد

فلا الصلاة قادرة

أن تحييني

و لا الرب

يرسل نخلة

أتعرش بها

و الملك يصر

أنني لا أنتمي إلى حاشيته

سأغادر هذا المعبد

فالكاهن دجال و سافل

و الخادم خبيث

و الطريق

لم ترسمه أصابعي

سأغادر هذه الأرض

فالشيخ منافق

و السياسي…