اللاجئ… إنسان في مهبّ القوانين وضياع الهوية

يسرى زبير

 

اللاجئ ليس مجرّد رقم على الورق، ولا حالةً طارئة في نشرات الأخبار.

إنه إنسان أجبرته قسوة الحياة ومرارة الواقع على الهروب من وطنه، بعدما تحوّلت أبسط مقومات العيش فيه إلى أحلام مستحيلة.

الكهرباء مقطوعة، والماء يُشترى بثمن، والغاز معدوم، والأسعار تنهش قوت يومه، والقهر يرافقه في ظلمات منامه.

ولم يعُد هناك ما يُسمّى حياة، بل صراع بقاء على أرضٍ لم تَعُد تنتمي لأهلها.

 

هرب كثيرون من هذا الجحيم، ليس حبًّا في الغربة، بل للخلاص من الواقع المرير.

تركوا خلفهم بيوتًا وأهلًا، وذكريات، ومدارسَ لم يكتمل فيها تعليم أطفالهم، وأحلامًا تكسّرت على أبواب المستحيل.

منهم من وصل إلى دول اللجوء، باحثًا عن الأمان، ومنهم من لا يزال ينتظر على حدودٍ مغلقة، أو في ممرات الموت، بين الغابات والجبال والبحر.

 

في ألمانيا وحدها، آلاف دخلوا البلاد تاركين عائلاتهم خلف الحدود، يحلمون بلمّ الشمل، وبأن يعيش أطفالهم ما لم يستطيعوا هم أن يعيشوه.

لكن ما ينتظرهم ليس دائمًا كما تخيّلوا…

ففي بعض الدول، يُعامَلون كعبء ثقيل، كغرباء غير مرحَّب بهم، وكأنهم جاؤوا طمعًا لا هروبًا من كارثة.

وتزداد معاناتهم مع تغيّر القوانين، التي تُقرّر مصيرهم كل يوم، دون أن تسأل عن معاناتهم، أو أوضاعهم، أو حتى إنسانيتهم.

 

كيف وصل اللاجئ؟

من خلال رحلة الرعب في بيلم الخوف؟

عبر البحر الذي ابتلع أجساد الأطفال والنساء، وحوّل الأحلام إلى جثث طافية؟

ومن خلال الغابات التي أصبحت قبور بلا شواهد ولا كفن يستر أجسادهم الرقيقة؟

أم عبر الجبال القاسية والصحراء القاحلة، حيث يموت العطاش والمرضى والضائعون في طريقهم نحو بلد يعدهم بالأمان؟

 

باع كثيرون منهم كلّ ما يملكون، ليسافروا عبر طرق التهريب، مدفوعين بأمل باهت….

اشتروا تذكرة الموت بأموال لا تُعوّض، وخاطروا بأرواحهم، لأنهم لم يُترك لهم خيارٌ آخر…

 

والسؤال الذي لا يهدأ:

هل ستدفع الحكومات الغربية ثمن هذه الأرواح؟

هل ستتحمّل مسؤولية الإنسان الذي دخل حدودها مرغمًا، لا طامعًا؟

أم سيبقى اللاجئ مجرّد ملف إداري، يُنظر إليه من زاوية الأمن والميزانية والمصلحة السياسية فقط؟

 

أيها السائر الذي وُلد بلا هوية… إلى أين؟

إلى أي ضياع تتجه؟ وإلى أي وطن تلجأ؟

هل يُطلب منك أن تنسى كل شيء لتبدأ من جديد، حتى ماضيك؟

هل سيُغفر لك أنك لاجئ… أم ستبقى تدفع ثمن هروبك إلى أن تموت غريبًا كما عشت؟

لتبقى في زوبعة الأحلام، تحلم بأن تحضن أطفالك على مهبات الرياح، خلف البحار والوديان، وتعيش في قلق، وأنت تنتظر رفض لجوئك، لتتلاشى أحلامك في العيش بسلام.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

سيماڤ خالد محمد

مررتُ ذات مرةٍ بسؤالٍ على إحدى صفحات التواصل الإجتماعي، بدا بسيطاً في صياغته لكنه كان عميقاً في معناه، سؤالاً لا يُطرح ليُجاب عنه سريعاً بل ليبقى معلّقاً في الداخل: لماذا نولد بوجوهٍ، ولماذا نولد بقلوب؟

لم أبحث عن إجابة جاهزة تركت السؤال يقودني بهدوء إلى الذاكرة، إلى الإحساس الأول…

خالد بهلوي

بحضور جمهور غفير من الأخوات والإخوة الكتّاب والشعراء والسياسيين والمثقفين المهتمين بالأدب والشعر، أقام الاتحاد العام للكتّاب والصحفيين الكُرد في سوريا واتحاد كردستان سوريا، بتاريخ 20 كانون الأول 2025، في مدينة إيسين الألمانية، ندوةً بمناسبة الذكرى الخمسين لرحيل الأديب الشاعر سيدايي ملا أحمد نامي.

أدار الجلسة الأخ علوان شفان، ثم ألقى كلمة الاتحاد الأخ/ …

فراس حج محمد| فلسطين

لست أدري كم سيلزمني لأعبر شطّها الممتدّ إيغالاً إلى الصحراءْ
من سيمسك بي لأرى طريقي؟
من سيسقيني قطرة ماء في حرّ ذاك الصيف؟
من سيوصلني إلى شجرة الحور والطلع والنخلة السامقةْ؟
من سيطعمني رطباً على سغب طويلْ؟
من سيقرأ في ذاك الخراب ملامحي؟
من سيمحو آخر حرف من حروفي الأربعةْ؟
أو سيمحو أوّل حرفها لتصير مثل الزوبعة؟
من سيفتح آخر…

حاوره: طه خلو

 

يدخل آلان كيكاني الرواية من منطقة التماس الحاد بين المعرفة والألم، حيث تتحوّل التجربة الإنسانية، كما عاينها طبيباً وكاتباً، إلى سؤال مفتوح على النفس والمجتمع. من هذا الحدّ الفاصل بين ما يُختبر في الممارسة الطبية وما يترسّب في الذاكرة، تتشكّل كتابته بوصفها مسار تأمل طويل في هشاشة الإنسان، وفي التصدّعات التي تتركها الصدمة،…