مسرحة التاريخ الكردي ([1]).. مشروع لم يكتمل لدى الكاتب أحمد إسماعيل إسماعيل

فواز عبدي

 

أتذكر حين قدمت لي فرقة خلات /Xelat/ للفن والفولكلور الكردي نصّاً مسرحيّاً لترجمته كي تقدمه ضمن مسرحنا الجوال الذي أسسناه قبل سنوات من ذلك اليوم..

لفت العنوان نظري /موت الحجل/ وشد انتباهي، إنه عنوان غير تقليدي، ويحمل دلالات متشعبة. خاصة أن الحجل من أهم رموز الشعب الكردي! وما إن قرأت النص انتابني شعور من كان تائهاً ولقي طريقه.. ياااه! إنه يختصر مأساة شعب في نص جميل، بعيداً عن الشعارات و”ضرب الوطنيات” كما يقال. سألت عن صاحب النص، قالوا إنه لأحمد إسماعيل.

حينها تضاعف فرحي فقد كنت قد تعرفت عليه حديثاً وعلمت أنه مهتم بالمسرح، أما أن يأتي نصه الأول بهذا الإتقان وهذه الروعة فهذا يعني أننا نشهد ولادة كاتب مسرحي متميز.

وتحولت المعرفة العادية إلى صداقة متينة بيننا، تعمقت يوماً بعد يوم.. ثم عايشت مسوداته كلها، وشاهدت ميلاد حلمه وطموحه بإنجاز مشروع خاص بالطفل الكردي عبر مسرحة التاريخ وذلك من خلال عملية تحويل الأحداث التاريخية والوقائع الحقيقية إلى عروض مسرحية تتفاعل مع جمهور الأطفال بأسلوب فني درامي، تهدف إلى تقديم التاريخ بشكل مشوق وجذاب، مما يساعد على تعرف الطفل على الأحداث والشخصيات التاريخية الكردية بطريقة تفاعلية ومؤثرة تحمل له المتعة والمعرفة.

وكان قد أنجز قبل ذلك نصاً للكبار بعنوان (المسرحية مستمرة أو لنمثل مهاباد)، حيث تناول فيه تأسيس وانهيار جمهورية مهاباد بتقنية (مسرح داخل مسرح)، التي ساعدته في (توضيح مقولته المبنية على جدلية العلاقة مع المسرح) –د.نبيل الحفار-

وقد اتخذ الكاتب الإطار الزمني 1945- 1946 –زمن تأسيس الجمهورية وانهيارها – ليتكئ عليه النص، ويضفي عليه شيئاً من الواقعية رغم أنه استخدم قيام الجمهورية كرمز للنضال من أجل الاستقلال والحرية.

كما تناول السياسات الخارجية وتأثيرها من خلال حضور الضابط السوفييتي برفقة ممثل الحزب تدريبات الفرقة وتدخلاته في بنية المسرحية لتجيير النص لصالح أهداف وسياسات الجيش الآحمر. هنا لا يتحمل المخرج ذلك فينسحب بهدوء، وتدب الخلافات بين أعضاء الفرقة، وتظهر حقيقتهم ما بين منتفع متسلق ومنتدب من الحزب وعاشق للمسرح و…و..

وبإصدار الأوامر للجيش الأحمر بالانسحاب بعد عقد اتفاقية مع الشاه يختفي الضابط عن التدريبات، وما تبقى من أعضاء الفرقة يلتقون في مكان مهجور استعداداً لتقديم مسرحيتهم لا كما كانت، ولا كما عدلها الضابط، وإنما حسب الظروف الجديدة والواقع الراهن.

لذلك لم يكن الحلم بإنجاز مشروع مسرحة التاريخ للطفل الكردي بالأمر الغريب، خاصة أنه –الكاتب- كان يتعايش مع الطفل بحكم عمله كمعلم من جهة، ومطلع على مسرحة التاريخ المستخدم منذ أسخيلوس وشكسبير وغيرهما من جهة ثانية..

وقد اختار البدليسي: شرف بن شمس الدين بن شرف خان البدليسي، أمير بدليس وموش ليكون رسولاً لنوروز “لريادة كتابه شرفنامه الذي دوّن فيه تاريخ أمراء الكُرْد، وأحوال الولايات الكرديّة، بكثير من الدّراية، وسعة الأفق، معتزلاً الحكم لصالح ولده (أبي المعالي شمس الدين)، من أجل التفرّغ لرسالته التاريخيّة هذه”، كما يقول في مقدمة كتابه (قاضي محمد) النص الثاني في سلسلة جراب البدليسي؛ مشروعه مسرحة التاريخ. أما ابتداء مشروعه كان بنص عن الشخصية التاريخية ملا مصطفى البارزاني. ليقدم من خلالها العبرة والمثال الجيد للأجيال القادمة وذلك بخلق توازن بين الأمانة التاريخية والأصالة الفنية.

كما أن إضافة الجراب إلى البدليسي لم يأت عبثاً، فالجراب (تورك بالكردية) رمز شعبي فولكلوري، فيقال في المتبجح المغرور (Guh nedinê. Tûrikê wî vala ey) أي دعك منه فلاشيء في جرابه أي خالي الوفاض. او يقولون:

(Çi di tûrikê te heye, derxîne. Yan, hohoo ne wek xwe ye, tûrikê wî dagirrtiye)

وبهذا أصبح رمزا للعلم والمعرفة أو حتى للأسرار.

البارزاني

في هذا النص بدأ بتقسيم شخصياته على مستويين، شخصيات المستوى الأول: شرفخان البدليسي، والأطفال: ميران، سازفان، زانا، محمد، سامان، سولين. أما شخصيات المستوى الثاني فهي: ملا مصطفى البارزاني، الشيخ أحمد البارزاني، الجنرال روبنسون، جنديان من قوات الحكومة، البيشمركه حمو، العجوز، الفتى نعمان، الشاب، الراعي محو، الأسير، وعناصر من البيشمركه.

من خلال هذا التقسيم أراد الربط بين الماضي والحاضر، حيث شخصيات المستوى الأول تمثل الحاضر، بينما شخصيات المستوى الثاني تمثل الماضي، وتم الربط بينهما باستحضار البدليسي من الماضي وجعله رسولاً لنوروز.

يتناول النص محطات من حياة البارزاني لتكون منارة يهتدي بها الأطفال في المستقبل، حيث لا مجد إلا بالعمل الجاد والدؤوب..

ومن خلال تلك المحطات نستنتج صفات هذه الشخصية الاستثنائية:

وأولى هذه المحطات كانت فترة شبابه وحماسه الزائد في تنفيذ أوامر أخيه الشيخ أحمد، ومن ثم يستمع إليه لاكتساب العلم والمعرفة، حيث يقول له الشيخ أحمد أن الشجاعة وحدها لا تكفي وكذلك يطلب منه معرفة العدو الحقيقي وأن العشائر الأخرى ليست عدوة رغم وجود الخلافات.

المحطة الثانية تظهر حنكته العسكرية من خلال خوض معركة مع الإنكليز بقيادة الجنرال روبنسون والتي عرفت باسم (دولا ڤـاژي)، وكيف ينصب لهم كميناً لينتصر في النهاية..

المحطة الثالثة يظهر الكاتب فيها حب البارزاني للعلم وتشجيعه له من خلال تصرفه وتعامله مع الفتى نعمان الذي يرغب أن يكون بيشمركه، فيقول البارزاني المجتهد في المدرسة كالبيشمركه في المعركة.

وتتتالى صفاته في المحطات التالية حيث يتقدم البيشمركه في القتال، ويخدمهم في السلم حيث يثبت لهم بيديه حجرا وسط النهر ليعبر البيشمركه بسلام، وكذلك ثباته على المبدأ وعدم التنازل عن أية بقعة من كردستان وكمثال صارخ حين يقول: ستبقى كركوك كردستانية حتى لو لم يبق فيها كردي واحد!

وهكذا بالجد والعمل المثمر والدؤوب يكتسب لقبه الشعبي “أبو الكرد”.

وبخلق حوار بسيط شيق بين الأطفال والبدليسي واستخدام الأغاني في النص يشد انتباه القارئ أو المتفرج الصغير، ويدمج المعلومات التاريخية في سياق سهل الفهم، ويخلق تفاعلاً بين النص/العرض والقارئ/المتفرج. ليصل في النهاية إلى هدفه وهو زرع مجموعة القيم في نفس الطفل. ونستطيع أن نقول أن مسرحية “البارزاني” تقدم نصاً غنياً يجمع بين الأدب والتاريخ والتربية، من خلال أسلوب سردي وحواري مشوق يتناسب مع الأطفال. والنص يسعى لغرس القيم التربوية كالهوية والشجاعة والتعاون في نفوس الأطفال مما يساهم في تنشئة جيل واعٍ يفخر بتاريخه ومبادئه.

قاضي محمد

استفاد الكاتب في هذا النص من واقع الفرق الفنية الكردية الموجودة على الساحة آنذاك وكيف كانوا يتدربون في غرف بسيطة أخليت من الأثاث لتتسع لهم قليلاً، وحين يطرق البدليسي الباب نجد رد الفعل في هذا المشهد:

المدرب:  هل تنتظرون أحداً؟

متدربون: لا. لا.

متدربة3:  قد يكون أحد الرفاق.

متدرب2:  لا، لقد حضر جميع أعضاء الفرقة، وليس ثمة من هو غائب.

متدربة3:  قد يكون الطارق رفيقاً من قسم آخر، غير قسم المسرح!

متدرب2:  لا، لا أعتقد. إذ أن جميع أقسام الفرقة مشغولة في هذا الوقت.

المدرب: ومن هو هذا الطارق إذاً؟!

متدرب3:  قد يكون ضيفاً جاء لزيارة أهل البيت.

متدرب2: وقد تكون دورية.

المتدربون: (بتوتر) دورية؟!

 

إذا كان العمل في فرقة فنية تحمل هذه المخاطر فما بالكم بما سيقوم به قاضي محمد في تالي الأحداث!

من خلال الفرقة ينثر البدليسي سيرة قاضي محمد وكيف أعلن قيام جمهورية مهاباد..

ومن خلال الحوار بين البدليسي ومدرب الفرقة يؤكد الكاتب على استمراره في مشروعه مسرحة التاريخ الكردي

المدرب: أهلاً برسول نوروز، لم أتوقع مجيئك في هذه السنة، لقد ظننت أن زيارتك لنا في تلك السنة، وتقديمك سيرة القائد البارزاني هدية للأطفال كانت مصادفة، وإن شئت الصدق، ظننتها حلماً: مجرد حلم.

البدليسي: (يضحك) كان يجب فعل ذلك منذ زمن بعيد، غير أنني لم أجدْ من يستدعيني، أو يستدعي أي رسول من نوروز.

 

ويكون التعارف بين البدليسي وأعضاء الفرقة ومن ثم الاتفاق على رواية سيرة قاضي من خلال تجسيدها بالتمثيل, وهكذا نمر على محطات من سيرته العطرة، بدءاً بتعامله مع “أم البنات” زوجته مينا خانم، وكيف يعامل ابنه الوحيد علي رش معاملة بناته السبع. كما أنه لا يغير تعامله مع الناس كقاضٍ رغم أنه صار رئيساً للجمهورية.

في ساحة جارجرا ومع إعلانه قيام الجمهورية تدب الخلافات بين رؤساء العشائر؛ هذه الخلافات التي سيستغلها العدو فيما بعد للإيقاع بالجمهورية. لكن قاضي يحتوي كافة الأطراف ويحاول جاهداً التوفيق بينها.

يبدأ بعدها العمل على البناء من الداخل، بدءاً بتوعية المرأة، مروراً بوضع المناهج المدرسية والاهتمام بالتعليم وصولاً إلى طباعة ونشر صحف ومجلات متنوعة تخص كل فئات وشرائح الناس؛ المرأة، الأطفال، الرياضة، الشباب… و..و ..

كما يعمل على بناء جيش نظامي دون استبعاد أبناء العشائر، وذلك لكسبهم إلى جانبه بدل الوقوف في وجهه.

وكذلك البناء من الخارج من خلال العمل على بناء علاقات سياسية واقتصادية مع السوفييت ومع دول الجوار.

وحين تتغلب المصالح على المبادئ، ويتخلى السوفييت عن تقديم الدعم للجمهورية الفتية وينسحب من الساحة إثر توقيع اتفاقيات تعاون اقتصادية، يرفض قاضي الرحيل كي لا يدفع الشعب ثمناً باهظاً، ويقدم روحه قرباناً على طريق الحرية.. حيث يسلم نفسه لقوات الشاه ويواجه محكمتهم العسكرية.

وهنا أيضاً يستخدم الكاتب لغة مبسطة وسهلة تتناسب مع قدرات الأطفال اللغوية، مما يسهل عليهم متابعة الأحداث وفهم الرسائل المضمنة في النص. ويأتي السرد متناسباُ مع مرحلة عمرية أعلى قليلاً من تلك المستهدفة في مسرحية البارزاني. هنا يجمع بين الحقائق التاريخية وبعض الإضافات الفنية التي تزيد من جاذبية النص، بخلق جو بصري وسمعي بطريقة يجعل الأطفال يتخيلون البيئة والأحداث بسهولة كمشهد باعة الجرائد أو اجتماع الناس في ساحة جارجرا يوم إعلان الجمهورية وغيرها من المشاهد.

التاج الذهبي

يظهر نضج التجربة في هذا النص بشكل واضح وجلي سواء من حيث الأسلوب أو المضمون أو ابتكار شخصيات جديدة، ففي المضمون لعب على الحقائق التاريخية وأجرى فيها تغييراً في الزمان أو المكان، إضافة إلى إسقاطات معاصرة إليها. من خلال حدث غمر هسكيف بمياه دجلة ونسبها إلى ديو والذي هو بدوره من سلالة كورش الذي قضى على الإمبراطورية الميدية، وكأن الكاتب هنا يوجه رسالة إلى الطفل بأن العدو واحد وإن تعددت الأوجه والأزمنة والأمكنة. كما يخلق صراعاً بين الحاضر والمستقبل، من خلال شخصية الكومبيوتر والقلم مرة، وبينه وبين الكتاب مرة أخرى، وينتصر لصالح الكومبيوتر الذي يدعو إلى المصالحة للذهاب معاً إلى المستقبل

ومن جهة الأسلوب فقد استخدم الأسطورة كأداة لدمج الخيال بالواقع. ولخلق ما يشبه أسطورة حديثة في النص وذلك لإعطاء مساحة أكبر للفن والجمال، مع الحفاظ على الحقائق التاريخية.

يبدأ النص بربط المقولة الشعبية الكردية (Te serê min xwaro) (Te serê xwe xwaro) (De herin serê hev bixwin) بأسطورة الطاغية أزدهاك والمرض الذي أصيب به وبالدواء الموصوف له؛ وهو التهام رؤوس أجدادنا حسب بعض الروايات أو تقديمها لأفاعٍ كانت موجودة على منكبيه، أو دهن جسده بدمائها حسب روايات أخرى. وفي هذا شد انتباه القارئ/المتفرج وجذبه بقوة. ويلعب الراوي دوراً مهماً في اختصار الزمن، ففي المشهد الذي يحتفل فيه كي أخسار وحاشيته بانتصار الميديين على الجيش الآشوري الذي لا يقهر.. يدخل الراوي ليقول:

الراوي: وتمر الأيام والسنون، ويحقق الميديون الانتصار تلو الانتصار حتى جاء اليوم الذي حكم فيه أستياك، أو الطاغية ازدهاك، الذي مارس كل أنواع الظلم والقهر ضد أبناء شعبه.

(يعزف، ويدندن بأغنية ما وهو يخرج)

وبسبب ظلمه الشديد وامتداده من ظلم للشعب إلى أقرب أفراد حاشيته إليه انقلب عليه حفيده كورش الفارسي من جهة الأب. وحين يعلن الراوي ذلك في الناس ويطلب منهم الاحتفال بنهاية الظلم، يظهر رجل ليتأكد من صحة قول الراوي، ثم يقول:

هكذا إذاً؟ لم يذهب ملك الطاغية فقط، بل مُلك الأجداد أيضاً، ميديا أيضاً ذهبت يا قوم، ضاعت ميديا، هل تسمعونني، هل تفهمون ما أقوله؟ ميديا، ميديا ضاعت. لقد ضعنا جميعاً.

ثم يلاحق ديو أحفاد الميديين أينما كانوا بغية القضاء عليهم واستئصال شأفتهم. وهنا يلعب الكاتب لعبته الإبداعية، حيث ينهض من تبقى من الميديين من وسط مياه غمر هسكيف كالأشباح وقد أصابها التشويه، كما تغيب ذاكرتهم حيث يتساءلون فرادى وجماعات، من أنا، من نحن؟ أين أنا؟ … ويستغربون حين يسألهم البدليسي: ماذا حدث لكن أيتها الحروف؟ فيتبادلون نظرات الاستفهام بذهول. وبعد أن يعرفهم البدليسي بنفسه تبدأ رحلتهم الشاقة كي يتعرفوا على أنفسهم.

المحطة الأولى كانت إلى مكان يشبه المدرسة يسكنها عجوز على هيئة ريشة الكتابة وحوله شخصيات على هيئة قلم حبر وقلم ناشف وآخر رصاص.. حيث الصخب والصراع بين الماضي (الريشة) والحاضر (أقلام) وحين يقول الكومبيوتر للعجوز : اطمئن يا جدي سيصبح القلم هو الآخر من الماضي. تلاحقه الأقلام.

يطلب البدليسي من العجوز تذكر شكل الحروف قبل أن تتشوه، لكن العجوز يعجز عن التذكر. هنا يتدخل الكومبيوتر ويقول للبدليسي: هناك حل، لا تحزنوا، وهنا تصفه الأقلام بالكذاب لكن البدليسي يثق به ويعمل برأيه ويذهب إلى دار الكتب ولكن يخرج من هناك أيضاً خالي الوفاض. ومنها إلى المدرسة الحمراء حيث تنشغل الحروف بالطعام والتنجيم عوضاً عن أن تبدأ بالدروس يهجم العدو الذي يلاحقهم طوال هذه الرحلة من مكان إلى آخر، فيهربون من هناك أيضاً.

وأخيراً يصلون إلى مدرسة هوار حيث يجلس الأمير جلادت في مكتبه، وحين يسأله البدليسي هل عرفتهم أيها الأمير؟ يقول: أبناء الأم نشتمان. وكي يتعرف كل حرف على شكله يصنع لهم الأمير تيجاناً ذهبية، لكل حرف تاج.. طوال هذه الفترة في مدرسة هوار هناك جنود أرسلهم قائد جيش ديو يتنصتون عليهم، وحين يلاحظون الخلاف الذي دب بين الحروف بسبب اختلاف أشكالها، يفرح الجنود لعودة العدو الأول والأساسي والسلاح الذي يستخدمه العدو دوماً وهو هذا الخلاف الأزلي.

ويستطيع الأمير إقناعهم بأن لا فضل لحرف على آخر، وإنما لكل دوره. والأهم أن تعملوا مجتمعين، وتشكلوا أفعالاً وأسماء وإلا لا فائدة منكم ما لم تعملوا مجتمعين. وهو ما يقومون به حين يهاجمهم ديو بنفسه تجتمع التيجان فترسل ضوءاً قوياً يعمي نظر ديو.

ونعود للقول بأن تقديم الأسطورة للأطفال من خلال تجسيدها في قصة مشوقة تتضمن شخصيات تاريخية وأساطير معروفة، مما يساعد على إيصال العبرة والمثال للأطفال بأسلوب ممتع ومؤثر. هذا المزج بين الواقع والخيال يسهم في جذب انتباه الأطفال وتحفيز خيالهم، كما يهدف إلى تعليمهم قيم ومبادئ من خلال القصص التاريخية والأسطورية.

بهذا الأسلوب، تمكن الكاتب من تحقيق توازن بين تقديم معلومة تاريخية مفيدة وتجربة فنية وجمالية ممتعة للأطفال، مما ساعد على تعزيز فهمهم للتاريخ والتراث بطريقة مشوقة ومؤثرة​.

وحين انتهى أحمد إسماعيل من كتابة تاج جلادت الذهبي ورصعه بيواقيت المجد بحث عن شخصيات أخرى في سراديب التاريخ، لكنه لم يعثر إلا على أطياف على شفا الرحيل؛ اختبأت كلها في كهوف مظلمة ذعراً، مفضلة الموت على نصف حياة، كالبارزاني وقاضي وجلادت وهي تعاني الإهمال ونكران الجميل ولا تلقى يداً حانية تنتشل صفحاتها من وحشة الهجر، ولا عيناً بصيرة تقرؤها، ولا عقلاً مدركاً يتأملها ويضعها في مكانها اللائق. والكاتب تأكله الحسرات على مشروع رأى النور وانطفأ في المهد.

[1] قدمت هذه الدراسة في يوم تكريم الكاتب المسرحي أحمد إسماعيل إسماعيل في مدينة إيسّن الألمانية. في الشهر السابع 2024.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

تنكزار ماريني

 

الشعر هو شكل فني من الأدب يتميز باستخدام اللغة الكثيفة والجمالية. على عكس النثر، يستخدم الشعر عناصر هيكلية خاصة مثل الوزن، وبناء الأبيات، وأنماط القافية. يعتبر الإيقاع عنصرًا مركزيًا، حيث يبرز الطابع الموسيقي للقصيدة ويعزز العواطف والمشاعر التي ينقلها النص.

الإيقاع

ينشأ الإيقاع في الشعر من تفاعل الوزن – التركيز المنتظم على مقاطع معينة – مع…

ماهين شيخاني

في غرفة بيضاء باردة، جلس العجوزُ الستيني على طرف المقعد، كأنما يتأرجح بين الحياة واللاجدوى. بيده ملفٌّ مهترئ، لا يحمل فقط تحاليله الطبية، بل يحمل تاريخه مع الألم، وأرشيفًا من الأسئلة المؤجلة.

كان الطبيب يجلس خلف طاولة تشبه منصّة القضاء، وعلى عينيه نظارة سميكة تكاد تكون ستارًا بينه وبين أي شعور. تصفّح أوراق المريض كمن…

إبراهيم اليوسف

 

ما إن أُسدل الغطاء على نعش الفنانة الكردية الرائدة -عيششان- “1938-1996” ووريت التراب اليوم في مسقط رأسها، في آمد، بعد دفنها لأول مرة في إزميربعد وفاتها، تنفيذاً متأخراً لوصيتها، حتى انسكبت الجموع من البيوتات البسيطة الحزينة و الأزقة إلى فضاء الاستذكار. إذ لم تكن مراسم الجنازة حفلة وداع، ولاحلقة رقص، بل محاولة استعادة لتاريخ…

جيهان نبو

 

تعد الديانة الإيزيدية من أقدم الديانات التوحيدية في الشرق الأوسط، وهي ديانة غير تبشيرية تحافظ على تقاليدها ضمن مجتمعها، إذ تعود جذورها إلى آلاف السنين، وهي تحمل تصوراً خاصاً ومميزاً عن التوحيد يختلف في طبيعته وتفاصيله عن المفهوم السائد في الديانات الإبراهيمية الثلاث (اليهودية، المسيحية، الإسلام). ورغم تعرض هذا المفهوم الإيزيدي للبس وسوء فهم…