قراءة انطباعية لمجموعة صرخة الزّيتون للشاعرة باسو كرداغي

صبري رسول

 

بدءاً من الغلاف والعنوان: تتضمن صورة الغلاف لنزوحٍ جماعي من عفرين، مع لونٍ سماوي بين الصفاء والتلبّد الخفيف، وفي الجانب الأيمين جذع لشجرة زيتون مقطوعة.

نعرف جميعاً المأساة التي حصلت في عفرين نتيجة الاحتلال التّركي والفصائل المتطرفة التابعة لها، وثمّة براعم لغصنٌ طريّ يعلو من الجذع، كمؤشرٍ على أنّ الحياة لن تنقطع رغم فظائع طالت عفرين وشعبها.

العنوان، كعتبة نصيّة تفصحُ عن كلّ شيء، مكرّر بشكل كبير في السّرديات الكردية عن عفرين، ما يوحي إلى السّطحية في تناول الفجائع العفرينية. العنوان لمجموعة شعرية غير موفّق، لأنّه يفصح الشّعور بشكل مباشر.

تبدأ المجموعة بتوطئة لمدقّق المجموعة ومخرجها الفنّي الأستاذ محمود بريمجة، لا أعرف هل المجموعات الشّعرية تحتاج إلى التوطئة؟ أعتقد أنّ المقدمات الخاصّة للمجموعات الشّعرية والقصصية والرّوايات مجرّد حشو لتسويقها ولتسويق كاتب التوطئة. فإذا كان لا بدّ منها، فلنقف عند هذه التوطئة.

التّوطئة في هذه المجموعة عبارة عن وصفٍ سياسيّ لحالة عفرين، ولا تقدّم للمجموعة أيّ قيمة شعرية أو نقدية. «وقد مارس الدُّخَلاءُ إِلى أَرضِ عفرين الطاهرة شتى أنواع الانتهاكات بحق البشر والحجر والشجر فيها، حتَّى باتَتْ كُلُّ شجرة زيتون بلْ كُلُّ غرسة زيتون أو حبَّةِ زَيتون تستغيث أحرار العالم وأهلها المُهجَّرِينَ عُنوةً بُغية رفعِ الظُّلِمِ عنها، والسَّماح لهم بالعودة إلى ربوعها النابضة باليأس والسَّوادِ، إزاء ما حلَّ بها من قمع واضطهاد وتغيير ديموغرافي»ص3. نلاحظ أنّ التوطئة ما هي إلا كلام إنشائي في السّياسة لا علاقة لها بالشّعر. حتى في الإنشاء ثمّة معانٍ تخالف المبنى التّركيبي «والسَّماح لهم بالعودة إلى ربوعها النابضة باليأس والسَّوادِ». هل هناك ربوع نابضة باليأس؟. النّابض من دلالات الحياة والأمل وليس اليأس.

الإهداء جاء مكدّساً للكثيرين، للأرض والشّهداء، وأبناء عفرين، للأبطال، للأب والأم ورفيق الدّرب. هل سيكون هذا العمل الخاتمة؟

تحتل المجموعة الصّادرة عن دار مكتبة كازي سنة 2025م 126 صفحة من القطع المتوسط، وانتهت بعبارة «تمّ بعون الله تعالى» وكأنّ الكاتبة انتهت من رسالة جامعية، أو دراسة أكاديمية في العلوم الطبيعية. لا أعرف ما قيمة هذه العبارة في نهاية الأعمال الأدبية كالشّعر والقصّة؟

العناوين في هذه المجموعة، بمختلف صياغاتها التركيبية تحمل معاني العويل واستجداء العطف أكثر مما تحمل معاني شعرية: «جرح الزّيتون، أنين الجراح، لاجئة أنا، صرخة العفرينيات، وجع الدّهر، كفكفي الدّمع، غسق الدّجى، في عتمة اللّيل، شتاء عفرين، آيا دار».

عناوين النّصوص: تكونُ غالبية العناوين، المشكّلة من حيث النّحو، من المضاف والمضاف إليه، كيوم الرّحيل، جرح الزّيتون، وجع الدّهر،غسق الدّجى، شتاء عفرين، مكررة وسطحية، والعناوين المُصاغة من النّداء هي الأخرى مكرّرة ولاتحمل جديداً مثل: «آه يادار، ياخالقي، يابعد عمري، يا قاصداً حلب، يا حامل الورد» لا تحمل دلالات القوة لذلك لا تحفزّ القارئ على القراءة بشغف.

اعتمدت الشّاعرة على السّردية البكائية لصياغة نصوصها ولم تحاول إيجاد الصور الشّعرية المبتكرة التي تنقل المناحات بشكل إيحائي وفنّي. «البكائيات، العويل، الصّراخات»، تكون مفيدة في في التّقارير الصّحفية والإعلامية لإحداث تأثيرٍ على النّاس وأصحاب القرار، أما التّناول الشّعري لهذه الأحوال فلا يحتاج إلى تجيش المشاعر بهذا الشكل.

يغلب على النّصوص الطابع الإنشائي مع غياب الصّور الشعرية، ما يفقد النّصّ اللذّة الشّعرية، لأنّ الشّعر صورة، لا نجد في النّصوص الانزياح الابتكاري غير المألوف، ويمكن ملاحظة ذلك في معظم النّصوص. في هدأة اللّيل الصّامت\ أرق… إرهاق وتوجع\ تتراءى لي حكايات الوطن\ ألجأ للخيل… للوطن.ص81

وماذا بعد يا دنيا؟ أين أمضي بشكواي، يوجعني الفؤادُ عند المغيب\ فيدمَى برمح الشّوق\ وتشهد لوعتي لسع النّبال.ص43

بعض الفقرات أشبه بخواطر وجدانية: لك السّلامة يا طيبة حياتي\ لك الصّبر يا زهوة عمري\ أغدقي علي من ينبوع حنانك\ فوجعك قد أبكاني\ وهزّ عرش كياني.ص64.

يجب على الشّاعر، أثناء صياغته للنّصّ الشعري، نسف الأنساق اللّغوية المألوفة والسّائدة لدى النّاس، وتفكيك علاقة المفردات ببعضها بعضاً، تلك المترسخة في أذهان القراء، ثم إعادة ترتيبها من جديد لإضفاء معاني جديدة لها لم تكن مألوفة، هذا ما يولّد الدهشة والمتعة لدى القارئ.

هذا لا يعني أنّ المجموعة خالية من الجماليات، أو أنّ الإشارة إلى الهفوات تعني التّركيز عليها، بل من أجل لفت النّظر إلى النّصّ والتّركيز عليه فنياً، فثمّة مقاطع تبثّ بريقاً ممتعاً:

« تّذابُ روحي بنواحِ كلّ حمام

ويدمع القلبُ

 برؤية كلّ زيتونةٍ مشنوقة».ص20

«فالصّبر صمتٌ أنيقٌ للتّائه وخلّ

والصّبر حكمة الدّهر

 مهما كان الوجع مُرّا»ً. ص95.

« الورد لا يُهدى إلا لعذراء النّفس

كي تنام قريرة العين». ص122

تتكوّن المجموعة من أربعةٍ وأربعين نصّاً لو اختصرت الشّاعرة قصائدها في عشرين نصاً مكثفاً، بحيث يستفزّ النّصّ قارئه، ويجعله أسيرالاندهاش، لكان للمجموعة موقعٌ آخر.

 ملاحظة أخيرة لايحتاج النّص إلى هذا التّشكيل القرآني المزخرف، فالكلمة الإشكالية وحدها تُشكَّل لازالة الالتباس في المعنى وفي النّحو. ننتظر من الشّاعرة باسو كرداغي نصوصاً أقوى، شغفها الشّعري واهتمامها بالكلمة، والقراءات المكثفة ستجعل من مخزونها تنتظمُ شعراً جميلاً.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبدالرزاق محمود عبدالرحمن

 

-لست بخير

-دع الحياة تسير

-ليس هناك ما يدعو للطمأنينة

-اطمأن…أنت بخير -ليس ذنبك- مادام الجميع قلقين .

-ليس هناك مايبشر بالخير …أنا لست بخير

-اطمأن…أنت بخير -ليس ذنبك-مادام الجميع متقاعسين .

-ليس هناك ما يدعو للفرح …انا لست بخير

-اطمأن…أنت بخير -ليس ذنبك-ما دام الجميع حزينين.

-ليس هناك من أمل….لست بخير

-اطمأن …أنت بخير -ليس ذنبك-مادام الجميع محبطين.

-ليس هناك من يعيش…

محمد إدريس

 

في الزاوية الهادئة من كل بيت، يقف رجلٌ اسمه “الأب”.

لا يطلب شيئًا، لا يشتكي، لا ينتظر تصفيقًا ولا مجدًا.

هو هناك… كالجبل، تشتدُّ به الحياة دون أن يميل،

وكالنهر، يجري بعذوبة ليروي العائلة، دون أن يلفت الانتباه.

ننشغل كثيرًا بالأم، ونبجّل حنانها – وهو أهل للتبجيل –

لكننا كثيرًا ما ننسى ذاك الذي مشى على أقدامه ليؤمّن الحليب،

وركب الحافلات…

ماهين شيخاني

 

رجع “أبو شفان” إلى البيت في ساعةٍ متأخرة، يجرّ خطواته كما لو كانت أثقل من جسده المنهك. وجهه مكفهر، ملامحه كانت كمن ذاق مرارة أعوام دفعةً واحدة. ما إن فتح باب الدار، حتى لمح ابنه البكر “مصطفى” جالسًا في العتمة، ينتظره كأنه ينتظر مصيرًا لم يأتِ بعد.

– “أهلاً أبي… تأخرتَ الليلة”.

– “كنتُ في مشوار…

إبراهيم أبو عواد / كاتب من الأردن

مَدرسةُ فرانكفورت ( 1923 _ 1970 ) هِيَ مَدرسة للنظرية الاجتماعية والفلسفةِ النَّقْدية ، مُرتبطة بمعهدِ الأبحاثِ الاجتماعية في جامعة غوتة في مَدينة فرانكفورت الألمانية ، ضَمَّتْ المُفكِّرين والأكاديميين والمُنشقين السِّياسيين غَير المُتَّفقين معَ الأنظمة الاقتصادية الاجتماعية المُعَاصِرَة ( الرأسماليَّة ، الفاشيَّة ، الشُّيوعيَّة ) في ثلاثينيات القرن…