ماهين شيخاني
كان يحمل ساعة في معصمه، لكنها لم تكن تشير إلى الوقت…
بل إلى المهام.
منذ لحظة استيقاظه وحتى انطفاء آخر رمشٍ في جفنيه، كانت الحياة تُديره كأنها آلة لا تتوقف.
بيته؟ يمرّ به مرور الكرام.
زوجته؟ تراه أقل مما ترى صورة ابنها على الجدار.
أولاده؟ صاروا يتحدثون إليه بصيغة الغائب، وكأنهم يخاطبونه في خبرٍ عائلي، أو عبر رسالة واتساب.
صباحًا، يحمل دفتر المواعيد كمن يحمل قنبلة موقوتة:
■ واجب عزاء الساعة التاسعة
■ اجتماع حزبي في الحادية عشرة
■ تحضير بيان ثقافي للمساء
■ حضور حفل زفاف أحد الأقرباء مساءً
■ إرسال رسالة اعتذار لرفيقٍ آخر لأنه لم يَحضر “الملتقى الفكري”
قال لصديقه ذات مساء:
“هل تصدّق؟ لم أعد أتذكّر ملامح ابني الأصغر… كلما عدت للبيت، يكون نائمًا.”
ضحك صديقه ساخراً، وقال: “اشترِ ساعة جديدة…”
ردّ عليه بمرارة:
“بل أريد أن أشتري يومًا من ٢٥ ساعة فقط، أضع فيه رأس ابني على صدري، وأسأله كيف كان يومه.”
في إحدى الليالي، بينما كان عائدًا من دعوة ثقافية مرهقة، وجد زوجته تنتظره عند الباب، نظرت إليه بعينين متعبتين وقالت:
“نسيت اليوم عيد ميلاد ابنك… بكى كثيرًا… قال لي: بابا يحب الناس أكثر منّا.”
لم يردّ، بل خلع ساعته، ووضعها على الطاولة.
تأملها طويلاً… ثم همس:
“أنا الرجل الذي خسر ساعته… وربما نفسه أيضاً.”