نداء اليسع

عبد الجابر حبيب

 

في المذبحِ،

يُغسلُ خطايا الأرضِ

بحنوّ الكهنةِ،

وبرجاءِ الأراملِ،

لكن، لم يتوقّعْ أن يأتي

من خبّأ جحيمه تحتَ قميصٍ مستعار،

ففجّرَ التوبةَ،

وذرّى جسدَ الغفرانِ في الهواء!

حتى جعلَ من الركوعِ موتاً،

ومن “آمين” طلقةً.

 

***

 

في كنيسةِ مار إلياس،

ارتجفتِ الأيقوناتُ،

تشقّقتْ ملامحُ القدّيسين،

مزّقتْ مريمُ عباءتَها،

وصاحت من خلف الخشبِ:

“يا بنَ الإنسان،

مَن سلّمكَ أمرَ الحياةِ والموتِ؟”

 

***

 

انحدرَ الضوءُ من قلبِ الناقوس،

مثل خيطٍ من ذهبٍ قديم،

احترقَ في الهواء،

حين عبَرَتْ شظايا الكفرِ

إلى صدرِ المصلّين.

كان الربُّ هناك —

لم يُوقِفِ الانفجار،

بل انطفأ في صمتٍ مقدّس.

 

***

 

دمشقُ،

أعرفكِ أكثر من بيتي.

أعرفُ أنكِ لبستِ عباءةَ الرسلِ يوماً،

فهل صلبوكِ أنتِ أيضاً؟

ها هي أحياؤكِ تُصلّي بخوف،

والصلبانُ معلّقةٌ على أبوابٍ مكسورة،

لا تحملُ إلا أسماءَ القتلى.

 

***

 

المآذنُ حزينةٌ اليوم،

تعثّرتْ هذا الصباحَ بساقٍ مبتورة،

وبكفٍّ صغيرةٍ كانت تمسكُ المسبحة،

سقطتْ حبّاتُها،

واختلطَ التهليلُ بصراخِ الأمهات.

وصوتُ الأذانِ بجلجلةِ الناقوس

ليس غريباً إن بقيتُ بلا صوت،

أبحثُ عن حنجرتي

في شوارعِ دمشق.

 

***

 

قال الطفلُ: آمين،

لكنَّ أنفاسَهُ كانت قصيرةً،

ارتدّتْ عليهِ لهبًا،

وفتحتْ في صدرِه نافذةً إلى الغياب،

لا تُغلقها السماء.

كنتُ أسألُ الخوري:

ما الذي أخّرَ رنينَ الناقوس هذا الصباح؟

بقي صامتاً،

لكنني رأيتُ دموعَه

تبلّل أوراقاً صفراء.

 

***

 

لم يُقتَلوا فحسب،

بل أُفرغوا من أسمائهم،

وصاروا ظلّاً على الحائطِ،

يُذكّرُ العابرينَ

أنّ الربَّ حين يتأخّرُ عن موعده،

تسودُ اللغةُ الأخرى:

لغةُ الحديدِ والخراب.

 

***

 

يا إلهَ المحبّة،

لماذا سقطتَ عن صليبكَ،

وتركتَنا نعدُّ موتانا على أصابعِ طفلة؟

أين خبّأتَ العدالة؟

أفي صدرِ شهيدٍ بلا رأس،

أم في دهشةِ ملاكٍ

لم يجدْ تفسيراً

لكلِّ هذا العنف؟

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

نظّم الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الكرد في سوريا بالتعاون مع اتحاد كتاب كردستان سوريا أمسية ثقافية احتفاءً بتوقيع إصدارين أدبيين لكل من الكاتبتين يسرَى زبير إسماعيل وليلاس رسول، وذلك في مدينة إيسن الألمانية، وسط حضور نوعي من المهتمين بالشأن الثقافي من كتاب وشعراء وصحفيين ومتابعين للشأن الأدبي الكردي.

افتتحت الأمسية بتقديم الكاتب خورشيد شوزي لمجموعة الشاعرة…

ماهين شيخاني

 

كان يحمل ساعة في معصمه، لكنها لم تكن تشير إلى الوقت…

بل إلى المهام.

منذ لحظة استيقاظه وحتى انطفاء آخر رمشٍ في جفنيه، كانت الحياة تُديره كأنها آلة لا تتوقف.

بيته؟ يمرّ به مرور الكرام.

زوجته؟ تراه أقل مما ترى صورة ابنها على الجدار.

أولاده؟ صاروا يتحدثون إليه بصيغة الغائب، وكأنهم يخاطبونه في خبرٍ عائلي، أو عبر رسالة واتساب.

صباحًا،…

النقل عن الفرنسية مع التقديم : إبراهيم محمود

 

ما قيل ولم يُقَل بعد وأبعد:

قيل في الشّعر أنه أول الأصوات الأقرب والأكثر تمثيلاً لما هو إنساني- كوني، ولا بد أنه آخر الأصوات استبقاءً تعبيراً عن هذه المكانة المعتبَرة. الشّعر هنا يتعدى كونه عبارات ذات معنى، إنه الترجمة الأكثر مكاشفة للمخفي، للمؤلِم، للمعذّب، للمنشود، للمفقود، وللمأمول، إنه ما…

غريب ملا زلال

حين يذكر اسم ملك مختار، أو ملاك مختار كما نحب أن نسميها، تدفعنا الذاكرة إلى الفنان الفرنسي جان ميشيل (1920-2014)، الفنان اللغز كما يعرف عنه. الفنان الذي افنى عمره في الرسم سرا، حيث الميل التام نحو العزلة الغارقة في اوجاع تتحدث ما امكن عن علامات بها يقتفي…