“ترجمات” – إضاءة نقدية وإبداعية على جسر اللغات والثقافات

نابلس، فلسطين: 2/7/2025

في إصدار ثقافي لافت يثري المكتبة العربية، يطل كتاب:

“Translations About Firas Haj Muhammad (English, Kurdî, Español)”

للكاتب والناقد الفلسطيني فراس حج محمد، ليقدم رؤية عميقة تتجاوز العمل الأدبي إلى التأمل في فعل الترجمة ذاته ودوره الحيوي في بناء الجسور الثقافية والفكرية. يجمع هذا الكتاب بين النصوص الإبداعية المترجمة ومقاربات نقدية حول فعل الترجمة في القسم الثاني منه بعنوان: “أفكار حول الترجمة”.

يمثل الكتاب بما يشتمل عليه من نصوص مترجمة، وأفكار حول الترجمة إضافة قيمة للمشهد الثقافي العربي والفلسطيني وخاصة في هذه الفترة العصيبة من تاريخ القضية الفلسطينية وما يحدث في المنطقة من صراع عنيف، يتمظهر في أبشع صوره في المقتلة الجارية في غزة..

يأتي هذا العمل ليعكس فهمًا عميقًا لدور الترجمة كـ “اقتحام ثقافي مهم” و”اختراق فعلي” للحدود اللغوية والفكرية. فهو لا يكتفي بعرض نصوص أدبية مترجمة إلى الإنجليزية والكردية والإسبانية، مما يفتح آفاقًا جديدة للقارئ العالمي للتعرف على صوت أدبي فلسطيني، ويعزز هذا التوجه إصدار الكتاب إلكترونيا ليكون متاحا للقراءة عبر منصات الكتب الإلكترونية، بل يتوغل أيضًا في الجانب النظري والتأملي لفعل الترجمة نفسه، وما يثيره موضوع الترجمة في السياق الفلسطيني من إشكاليات واتهامات.

يتناول الكتاب مفهوم الترجمة ليس كعملية نقل لغوي فحسب، بل كفعل يتعدى ذلك إلى حجز “بوصة صغيرة في عقول الآخرين الذين هم على طرف العالم النائي”، وكأنها نقل للذات وللنص من سياق ثقافي إلى آخر. يبرز الكتاب أهمية الترجمة في “توسيع مقروئية” النص، ما يضمن صعود الكاتب إلى الذاكرة عبر نصه المجرد من مؤثرات المعارف والأصدقاء. هذه النظرة الفلسفية للترجمة تجعل منها “تقديراً موجهًا بالدرجة الأولى إلى النص” ولموضوعه قبل كاتبه.

يسلط الكتاب الضوء على هواجس المترجم والكاتب تجاه فعل الترجمة، معتبرًا إياها الحدث الثقافي الأهم والأكثر إرضاءً “لنـزعة الذات الممسوسة بالهوس الشخصي”. ويستعرض الكتاب كيف يمكن للترجمة أن تكون أداة للاختراق الثقافي، خاصة في سياقات معقدة حيث تسهم في وجود الشعر والأدب الفلسطيني ضمن سياقات دولية لم تكن منحازة لـ “الحق الفلسطيني”، مما يمنح الترجمة بُعدًا سياسيًا وحضاريًا عميقًا.

يضم الكتاب مجموعة من النصوص المترجمة التي تعكس تنوعًا في الأسلوب والمضمون، من الشعر الحر والسرد والمقالة والرسالة، مما يتيح للقارئ غير العربي نافذة على جوانب من التجربة الإنسانية والفلسطينية. هذه النصوص المترجمة تقدم لمحة عن قضايا الهوية، الحساسية الفنية، والصورة في التجربة الفلسطينية، معبرة عن صوت فلسفي تأملي وحساسية إنسانية عميقة.

في الوقت نفسه، يقدم الكتاب مقاربة نقدية جريئة حول قضايا حساسة تتعلق بترجمة الأدب الفلسطيني والعربي إلى العبرية، مشددًا على ضرورة “حراسة الوعي” الثقافي والأدبي. هذه الأفكار النقدية تضيف بعدًا جادًا للكتاب، وتحوله من مجرد عرض لنصوص مترجمة إلى منصة للتأمل في مسؤولية المثقف والكاتب تجاه قضاياه.

يشكل كتاب “ترجمات.. حول فراس حج محمد” دعوة للحوار حول دور الترجمة كجسر للحضارات، وكأداة لإثراء الوعي، وكشاهد على مرونة وقوة الكلمة في تجاوز الحدود، ليصبح نقطة انطلاق للنقاش حول المستقبل الثقافي المشترك بين الشعوب.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

فواز عبدي

ما عرفتك

بعدما رجعت من الحفلة منهكاً، وخلعت ملابسي كمن يتخلص من تهمة، فقد كان جسدي يئن تحت وطأة الرسميات.. وقبل أن أقفل التلفون وأذهب إلى فراشي، رن جرس الهاتف، نظرت فإذا هي صديقة قديمة لم أرها منذ مجيء حفيدها الأول قبل عشر سنوات..

تذكرت بشرتها الحنطية بلون حقول الجزيرة، وعينيها البنيتين كقهوة الصباح…

إبراهيم أبو عواد / كاتب من الأردن

 

يُعْتَبَرُ الكاتبُ المِصْري نجيب محفوظ ( 1911 _ 2006 / نوبل 1988 ) أعظمَ روائي في الأدبِ العربي على الإطلاقِ . تُعَدُّ أعمالهُ سِجِلًّا حَيًّا للتَّحَوُّلات الاجتماعية في مِصْر .

كَتَبَ في فَترةِ التَّحَوُّلاتِ السِّياسية والاجتماعية العَميقة في المُجتمعِ المِصْرِيِّ ، مِنَ الاحتلالِ البريطاني إلى ثَورة…

شكل كتاب “الأسوار والكلمات- عن أدب باسم خندقجي” للكاتب فراس حج محمد، الصادر عام 2025، إطاراً نقدياً ومعرفياً شاملاً لأدب الكاتب الأسير الذي أمضى أكثر من عشرين عاماً خلف القضبان، ويُمثل هذا العمل محاولة للانتقال بدراسة أدب خندقجي من سياق التضامن السياسي والعاطفي إلى سياق التحليل الفني والفكري العميق، وقد خلص الكتاب إلى مجموعة من…

ديلان تمّي

 

أريدُ وردةً حيّةً،

تجعلُني أثملُ في ثوبي الربيعيِّ الأصفرِ،

تلملمُ بقايا أنوثتي المغبرَّةَ في جيبِ المسافاتْ،

وترقّعُ رقصتي الأحاديةَ بخطواتِها الثلاثِ إلى الخلف،

كأنّني بجعةٌ شقيّةٌ، تراقصُ وَهمَها أمامَ المرآة…

بلا خجلْ.

 

أريدُ وردةً حيّةً،

تُعيدُ لي إشراقةَ روحي،

وتطردُ الظلامَ عن ظلِّ وجهي، الذي انزلقَ منّي،

وانصبَّ في خيبةٍ ترفضُ الحياةْ.

 

أريدُها حمراءَ كالدمِ،

لا بنيّةً،

طريّةً،

أخافُ على يديّ إن داعبْتُها،

وعلى الياسمينِ من على كتفي…