أمل حسن
لأول مرة، أخوض معركة الكتابة بحبر الوفاء، الذي ينساب من صدى قلم الكاتبة أمل حسن. نطرق أبواب العادات والتقاليد في زمن العشائر، ونتأمل في أهمية وجودها ودورها الفعّال في حاضرنا.
كان ضيف قلمي هذه المرة الأغا حواس جديع، الاسم الذي عشقه والدي المرحوم الحاج محمد أبو إدريس، حتى أنه سمّى أحد أبنائه تيمّناً به. فالرجال القدامى كانوا يتمتعون ببصيرة فذّة وقدرة عالية على اختيار الشخصيات التي يفتخر بها الوطن، ويعتز بها الشعب، وتزهو بها العشيرة.
ومن هذه المحبة التي أبداها والدي تجاه الأغا حواس جديع، بدأت رحلتي في الكتابة عن شخصية أبو زيدو. أردت أن أتعرف أكثر، لأكتب أكثر، عن ملامح شخصيته الجريئة، ومواقفه النبيلة تجاه وطنه وأهله.
وأثناء الحوار، أدركت تمامًا لماذا اختار والدي اسمه ليبقى فينا. لقد كان محقًا، فمثل الأغا حواس جديع، نادرون في هذا الزمن. نحن اليوم، أكثر من أي وقت مضى، بحاجة إلى حنكة، وذكاء، والتواضع كالتي تمتع بها هذا الرجل الأصيل.
من هو الآغا حواس جديع؟ هل تفضلون أن تُعرّفونا على شخصكم الكريم؟
أنا حواس جديع عكيد، شيخ عشيرة الطي في كردستان الغربية، من منطقة ديريك – كوجرات. وُلِدت ونشأت في كنف عائلة عريقة، تحمل تاريخًا طويلًا من القيم، والنضال، والكرامة. توليت مسؤولية رئاسة العشيرة بعد وفاة والدي، المرحوم جديع عكيد، عام 2000، وما زلت أسير على خُطاه في الحفاظ على وحدة العشيرة وإرثها التاريخي.
ما هو المستوى التعليمي الذي وصلتم إليه؟
تلقيت تعليمي في معهد إعداد المعلمين، وعملت في إدارة المدرسة لمدة 36 عامًا. التعليم بالنسبة لي كان رسالة. التحقت بكلية التربية عام 2009، لكن الحرب في سوريا حالت دون إتمام دراستي الجامعية. رغم ذلك، بقيت مؤمنًا بأن العلم هو أساس بناء الإنسان والمجتمع.
آغا حواس، لو تكرمتم، هل يمكن أن تحدثونا عن الجذور التاريخية لعشيرة طي؟ وما الذي يميزها عن سائر العشائر؟
عشيرة الطي تمتد جذورها التاريخية إلى مئات السنين، وأصلها من ميزوبوتاميا، خاصة في المناطق الواقعة بين جزيرة بوطان وحدود إقليم كردستان. تتألف العشيرة من 45 قرية، ويزيد عدد سكانها على 40 ألف نسمة، ومركزها الأساسي قرية “تافيان” التابعة لسلوبيا.
في عام 1928، اعتدت الدولة العثمانية على العشيرة، ووقعت معركة قُتل فيها خمسة جنود وضابط عثماني. على إثرها، صدر حكم بالإعدام على جدي عكيد وإخوانه، فاضطررنا للهجرة إلى كردستان العراق تحت الاحتلال البريطاني. لاحقًا، وبسبب محاولة تسليم جدي للدولة التركية، هاجرنا إلى سوريا باتفاق مع نايف باشا، صهر جدي، الذي منحنا قرية “كرك حاول” عام 1941. لا زلنا نقيم فيها حتى يومنا هذا.
عشيرة الطي معروفة برجولتها وكرمها، نصرتها للمظلوم، وحمايتها للدخيل. تتميز بقول الحق والحكم بين الناس بالعدل دون تحيّز. أبناؤها يعيشون كعائلة واحدة، يتعاونون في السراء والضراء.
متى تسلمتم رئاسة عشيرة طي؟ وهل طرأت تغيّرات على واقع العشيرة بعد تولّيكم مهام القيادة؟
تسلمت رئاسة العشيرة عام 2000 بعد وفاة والدي، المرحوم جديع عكيد. حافظنا منذ ذلك الحين على الإرث التاريخي، وعلى العادات والقيم العشائرية. لم تحدث تغيّرات تُذكر في العشيرة، بل حرصنا على ترسيخ وحدتها وتماسكها، وكان التعاون بين أفرادها في المناسبات المختلفة دليلًا على هذا التماسك.
ماذا كان يعني لكم والدكم المرحوم جديع عكيد؟ وما الأثر الذي تركه في حياتكم ومسيرتكم؟
كان والدي مثالًا في القيم والأخلاق والكرم والرجولة. علّمني أن الحفاظ على وحدة العشيرة واجب، وأن الوقوف مع المظلوم وعدم القبول بالظلم من أساسيات القيادة. أثره في حياتي عميق؛ كان مدرسة حقيقية في الإدارة العشائرية والخلق النبيل، وهو من صنع شخصيتي وأعدّني لتحمّل هذه المسؤولية.
هل ترون أن المهام العشائرية صعبة ومعقدة، أم أنها ميسّرة بالنسبة لكم، كشخصية ذات تجربة وتأثير؟
المسؤولية العشائرية بطبيعتها صعبة، لكنها تصبح أيسر عندما تستند إلى خبرة متراكمة. ما تعلمناه من والدنا وتجربتنا في الميدان ساعدتنا على إدارة شؤون العشيرة بحكمة. والدي كان مدرسة في التعامل، وأنا استفدت من دروسه كثيرًا.
يُقال عنكم إنكم صاحب شخصية قوية؛ كيف تصفون أنتم شخصيتكم؟ وهل ترون أنكم ورثتم تلك القوة من والدكم أم من والدتكم؟
شخصيتي مزيج من القوة والحكمة. والدي بلا شك ترك أثرًا كبيرًا في تكوين شخصيتي، لكن والدتي أيضًا كانت امرأة قوية، ذات حضور في المجالس والقرارات، وكانت تعامل نفسها على قدم المساواة مع الرجال. لهذا أسعى دائمًا إلى التوازن: أكون حازمًا حين يجب، وعقلانيًا حين يلزم. النجاح في القيادة يتطلب المرونة والقدرة على قراءة الظروف.
برأيكم، ما هي الواجبات الأساسية التي تقع على عاتق آغا العشيرة، لا سيما في ظل الظروف التي تمر بها كردستان الغربية؟
يقع على عاتق الآغا مسؤوليات جسيمة، في مقدمتها الواجب العشائري والوطني. فمن جهة، عليه الحفاظ على كرامة أبناء عشيرته والدفاع عنهم في الملمات، ومن جهة أخرى، يتوجب عليه بث روح الانتماء، وتحفيز أبناء عشيرته على أداء واجبهم تجاه وطنهم، والوقوف صفًا واحدًا للدفاع عن قضاياه العادلة.
وقد تجلى هذا الدور الوطني بأبهى صوره حين تعرضت كردستان الغربية لهجمات داعش، بدعم مباشر من الدولة التركية. في تلك اللحظة، لم تتوانَ عشائرنا عن تلبية نداء الواجب، فهبّت بكل قوتها، ووقفت إلى جانب قواتنا في معركة مصيرية. وبفضل الوحدة والتلاحم، تمكنا من دحر داعش، وإفشال المخططات التركية، ما اضطرهم إلى التراجع والجلوس على طاولة الحوار.
ما مدى أهمية علاقاتكم مع رؤساء العشائر الأخرى؟ وهل هناك تعاون فعّال بينكم؟
علاقاتنا جيدة جدًا مع جميع العشائر الكردية والعربية، وكذلك مع إخوتنا المسيحيين على مستوى كردستان الغربية. ونحافظ على روابط قوية ومتينة مع العشائر الكردية في إقليم كردستان وكردستان تركيا.
هناك تعاون وثيق بيننا وبين مختلف العشائر، خاصة عندما تطرأ مشكلات أو أزمات تتطلب التكاتف والحكمة. نحرص على الزيارات المتبادلة والتشاور المستمر في شتى مجالات الحياة، لاسيما في ظل الظروف الراهنة التي تُحتّم علينا التشاور والتنسيق والعمل المشترك، وبالأخص فيما يتعلق بالقضايا الوطنية الكبرى.
هذا التواصل والتعاون لم يكن يومًا شكليًا، بل هو نابع من إيماننا بأن قوة المجتمع تكمن في وحدته وتضامنه، وأن العشائر، رغم اختلاف مواقعها وتوجهاتها، يجب أن تتكاتف لحماية مصالح الناس، والدفاع عن الوطن، وصون السلم الأهلي.
هل ينتمي الآغا حواس جديع إلى أي حزب سياسي في كردستان الغربية؟ وإن لم يكن، فما الدوافع وراء ذلك؟
لم أنتمِ في أي مرحلة من حياتي إلى أي حزب سياسي، رغم تعرضي لضغوط كبيرة من حزب البعث خلال فترة دراستي للانضمام إلى صفوفه. رفضت ذلك رفضًا قاطعًا، حتى مع التهديدات التي وصلت إلى حد محاولة طردي من المدرسة. ومع ذلك، أصررت على موقفي وأكملت دراستي دون أن أتنازل عن قناعاتي.
كما رفضت لاحقًا محاولات عدة من مختلف الأحزاب الكردية للانضمام إليها. يعود هذا الموقف إلى قناعتي الشخصية بأن العمل الحزبي، في كثير من الأحيان، بات بعيدًا عن المصلحة الوطنية، ويميل أكثر إلى المصالح الحزبية الضيقة، والمكاسب الشخصية والعائلية، والسعي وراء المناصب.
لهذا فضّلت أن أبقى مستقلًا، متمسكًا بمبادئي العشائرية، وأخلاقي، وقيمي الوطنية، بعيدًا عن الاصطفاف السياسي. أرى أن دوري الحقيقي هو خدمة شعبي وقضيتي الوطنية من موقعي، دون انحياز أو تبعية. ومع ذلك، فإن علاقتي مع جميع الأحزاب السياسية متوازنة، وأنا مستعد للتعاون مع أي جهة أو حزب حين يكون عملهم نزيهًا ووطنيًا يصب في مصلحة الشعب.
يُقال إنكم عضو في لجنة الأعيان التابعة للإدارة الذاتية؛ هل لكم دور بارز في هذه اللجنة؟ وهل تعتبرونها منصة تعبّر عن رؤاكم وتُرضي طموحاتكم كآغا؟
نعم، كنت مشرفًا عامًا لمجلس أعيان العشائر في منطقة الشرقية، وما زلت عضوًا في هيئة أعيان العشائر في شمال وشرق سوريا. ونظرًا للظروف الصعبة التي تمر بها مناطقنا في كردستان الغربية، وما تعرضت له من هجمات إرهابية من قبل داعش وجبهة النصرة والفصائل المرتزقة التابعة للدولة التركية، قررنا أن نكون جزءًا فاعلًا في مواجهة هذه التحديات. أنشأنا مجلس أعيان العشائر بهدف تفعيل دور العشائر الكردية والعربية في أداء واجبهم الوطني والاجتماعي. قمنا بجولة ميدانية استمرت قرابة شهرين شملت ديريك، معبدة، الجوادية، تل كوجر، وتربسبيه، وتمكّنا من ضم 56 عضوًا إلى المجلس، إلى جانب 3 من علماء الدين الإسلامي، و3 من رجال الدين المسيحي، وممثل عن الإيزيديين، و14 شيخًا من شيوخ العشائر العربية، و35 من شيوخ العشائر الكردية. افتُتح المجلس في المالكية عام 2017، ونجحنا في حل 684 قضية تتعلق بالعداوات، والقتل، والحوادث، ومسائل العقارات. كما ساهمنا في توحيد صف العشائر، ومواجهة تنظيم داعش الإرهابي، والمشاركة الفاعلة في مختلف المناسبات على مستوى شمال وشرق سوريا. هذه اللجنة تُعبّر عن رؤيتنا العشائرية والوطنية، ونعتبرها منصة نضال وعمل حقيقي.
في المؤتمر الكردي–الكردي الذي عُقد بتاريخ 26 نيسان 2025، لوحظ غيابكم؛ هل يمكن أن تطلعونا على أسباب عدم مشاركتكم؟
لم نحضر المؤتمر لأسباب عديدة، أولها أنه تم تخصيص مقعد واحد فقط لتمثيل العشائر، وهو أمر غير مقبول من وجهة نظرنا، إذ طالبنا بما لا يقل عن عشرة مقاعد نظرًا لدور العشائر الكبير. ثانيًا، لم يُسمح لنا بإلقاء كلمة رسمية باسم لجنة الأعيان، رغم مطالباتنا المتكررة. قيل لنا إن القرار تم بالتوافق المسبق على منح مقعد واحد فقط للعشائر، وهذا ما رفضناه احترامًا لدور العشائر وتضحياتها. للأسف، تحوّل المؤتمر من مؤتمر كردي جامع إلى ساحة تقاسم مصالح بين المجلس الوطني الكردي وبعض أحزاب “بينك” و”كونفرانس”، بينما تم تجاهل الشخصيات الوطنية، المثقفين، والعشائر، الذين لم يُدعوا، أو تم استدعاؤهم كضيوف فقط دون دور فعلي. كانت القرارات معدّة مسبقًا، وهذا ما أفقد المؤتمر مصداقيته بالنسبة لنا.
كيف تنظرون إلى دور المرأة في المجتمعات العشائرية، وبخاصة ضمن عشيرة طي؟ وهل تجدون أن لها مساحة حقيقية للمشاركة؟
للمرأة دور قيادي وريادي في الحياة العشائرية. كانت دائمًا العمود الفقري للعائلة، تقوم بجميع واجبات البيت، وتتحمّل المسؤولية اليومية، في الوقت الذي كان الرجل فيه منشغلاً بعمله. أنا من الداعمين الكاملين لحقوق المرأة، ولضرورة مساواتها مع الرجل في جميع ميادين الحياة: من العسكرية والأمنية إلى المؤسسات الخدمية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية. القانون يجب أن يحمي المرأة ويدعم مكانتها، فهي أثبتت جدارتها في جميع المجالات، وكانت ثورة غرب كردستان شاهدًا حيًا على بسالة المرأة الكردية وصمودها.
من هي الشخصية السياسية الكردية التي يفتخر بها الآغا حواس جديع؟
هناك أربع شخصيات كردية أعتبرها رموزًا وطنية وأفتخر بها: البارزاني الخالد، الذي ضحّى بحياته من أجل شعبه وقضيته العادلة. الرئيس مسعود بارزاني، الذي يتميز بالوفاء والإخلاص والصدق في مواقفه. الرئيس جلال الطالباني، رجل السياسة المحنّك الذي ترك بصمة لا تُنسى. عبدالله أوجلان، المفكر والفيلسوف، وصاحب إحدى أعظم الفلسفات الإنسانية التي أثرت في الوعي الكردي والإنساني على حد سواء.
هل تفضّلون أن يُشار إليكم باسمكم، أم أن لقب “أبو زيدو” يعكس هويتكم بشكل أقرب؟
أفضل أن يُشار إليّ باسمي الحقيقي واسم والدي، الذي أعتز وأفتخر به كثيرًا، فقد كان بالنسبة لي معلمًا، ومربّيًا، وسندًا لا يُعوّض.
يُقال إن ثلاثة من أبنائكم يبرزون في مركز حراسة المرمى ضمن رياضة كرة القدم؛ هل يمكن أن تحدثونا عنهم، وكيف تنظرون إلى هذا التميز الرياضي في عائلتكم؟
نعم، أبنائي الثلاثة: نزهان، كوران، ومحمد، يمارسون كرة القدم، ويتألقون في مركز حراسة المرمى والدفاع. وأنا شخصيًا كنت رياضيًا، وأحب كرة القدم والكرة الطائرة، وكنت لاعبًا بارزًا ضمن فريق المدرسة في الكرة الطائرة. أفتخر بهم وأشجعهم دائمًا على مواصلة هذا الطريق، وأتمنى لهم التوفيق والنجاح في مسيرتهم الرياضية.
وفي هذا السياق، كيف تنظرون إلى دور الشباب داخل العشيرة، وفي خدمة المجتمع والوطن؟
أرى في جيل الشباب الأمل الحقيقي، وهم مستقبل العشيرة والوطن. على أكتافهم تُبنى الأمم وتنهض الشعوب. لذلك، من واجبنا أن ندعمهم، ونوفر لهم التربية الوطنية السليمة، المبنية على القيم، الأخلاق، النضال، والدفاع عن حقوقهم وقضايا شعبهم. الشباب هم حجر الأساس في بناء مجتمع حر ومتطور.
هل هناك موقف تاريخي بقي محفورًا في ذاكرتكم، وتعتبرونه مصدر فخر شخصي أو ترك أثرًا عميقًا في حياتكم؟
حياتي مليئة بالمواقف التاريخية والعشائرية التي أفتخر بها، ولا أعتبرها مجرد تجارب، بل محطات شكلت مسيرتي، ومنحتني القوة والعزيمة للاستمرار في خدمة شعبي وعشيرتي.
ما طبيعة العلاقة التي تجمعك بالأغا محمد عمر أبو عبدو؟ هل هي علاقة أخوية، أم عشائرية، أم تُندرج ضمن إطار حسن الجوار؟
علاقتي بالأغا محمد عمر ليست وليدة اليوم، بل هي علاقة تاريخية تعود إلى مئات السنين، نتيجةً للتحالفات العشائرية القديمة.
فأنا أنتمي إلى قبيلة الشَلد، التي تضم خمس عشائر كردية هي: طيان، خيركان، باتيان، كَجان، وموسى رشى. وقد كانت هذه العشائر دائمًا في تحالف وثيق، تقف صفًا واحدًا في وجه أي خطر يهدد أيًّا منها، وتكون دومًا في خندقٍ واحد.
ومن بين هذه العشائر، تُعد عشيرة خيركان الأقرب إلى عشيرة طيان، حتى أصبحنا كعائلة واحدة، تربطنا علاقات الدم والمصير المشترك.
لذلك، فإن الأغا محمد عمر أبو عبدو بالنسبة لي أخ وصديق وسند، وهو رجل يُشهد له بالمواقف النبيلة، ويمتاز برجولته ووفائه، وحرصه الدائم على خدمة أهله ومجتمعه.
في ختام هذا اللقاء، ما هي الرسالة التي تودون توجيهها إلى أبناء الجالية الكردية وأبناء عشيرتكم المقيمين في المهجر، وإلى القوى السياسية الفاعلة في الساحة الكردية؟
رسالتي إلى جميع أبناء الجالية الكردية، وإلى أبنائنا في المهجر من عشيرتي، هي التمسك بالهوية والعادات الأصيلة، وتربية الأبناء تربية وطنية تعزز الانتماء والمسؤولية تجاه الشعب وقضيته. أشجعهم على مواصلة التعليم العالي واكتساب المهارات التي تتيح لهم خدمة مجتمعهم، مع ضرورة الحذر من الانصهار الكامل في المجتمعات الغربية حفاظًا على هويتهم. كما أدعوهم للعمل على العودة إلى الوطن والمساهمة في بناء مستقبل أفضل لشعبهم وأرضهم.
أما رسالتي إلى القوى السياسية في كردستان الغربية فهي ضرورة الابتعاد عن الحسابات الحزبية الضيقة والتركيز على القضية الكردية الجامعة التي يجب أن تتصدر كل الاعتبارات. المرحلة التي تمر بها سوريا اليوم تتطلب أعلى درجات الوحدة والوعي، ووحدة الصف الكردي ليست خيارًا بل ضرورة وطنية حتمية. لذلك، على جميع القوى السياسية فتح المجال للمثقفين، والشخصيات الوطنية، والعشائر كي يكونوا شركاء فاعلين في صناعة القرار، بما يخدم مستقبل شعبنا وقضيتنا العادلة.
في زمنٍ تتقاذفه رياح المصالح وتضيع فيه البوصلة، يسطع اسم الآغا حواس جديع كنجمٍ لا يخبو، حاملاً على كتفيه عبء التاريخ، وراية العشيرة، وصوت المظلوم. لم يكن مجرد متحدثٍ في حوار، بل كان صوتًا ينبض بالمسؤولية، وقلبًا يلهج بالوفاء، وعقلًا يقود بالحكمة والرؤية.
هذا اللقاء لم يكن كلامًا عابرًا، بل رسالة أمل، دعوة صريحة للتماسك، وللحفاظ على الجذور في وجه محاولات الطمس والذوبان. كان الآغا حواس جديع، كعادته، وفيًا لإرث الأجداد، أمينًا على تقاليد العشيرة، ومدافعًا صلبًا عن وحدة الصف الكردي، وكرامة الإنسان.
بشخصه تتجسد صورة القائد الذي لا تستهويه الأضواء، بل يهمه أن يظل الجذر ثابتًا، والفرع سامقًا. فكانت كلماته أشبه بوصية للأجيال القادمة: أن لا ينسوا من هم، ولا يفرطوا بما ورثوه من قيم، وأن تكون العشيرة خيمةً للجميع، لا سجنًا ولا متحفًا، بل كيانًا حيًا يتنفس بالمحبة والشرف.
هكذا، يتحول هذا الحوار إلى وثيقة أخلاقية، وإرثٍ من الحكمة، ورسالةٍ مفتوحة لكل من لا يزال يؤمن بأن الشرف لا يُورّث فقط، بل يُصان بالقول والفعل… وأن حواس جديع ليس مجرد اسم، بل صفحة مضيئة في دفتر الوطن.