نداءِ السّلام

عبدالجابر حبيب

 

“إلى تلك التي أوقدت نارَ كاوا من جديد، لا لتذيب الحديد، بل لتحرقه وتعلن عهداً بلا قيود.”

 

هي التي رأيت صورتها

ليست صبية مقاتلة من قنديل،

بل قبسٌ من شعلةِ كاوا،

نهضت من بين الأنقاض

صرخت في وجه الليل:

“لن يكونَ السلاحُ قدري،

بل سلامٌ تُزهر به الجبال.”

 

في قلبها خريطةُ وطنٍ

مقسومٍ بين خرائط العابرين،

في صوتها

همسُ جدّاتٍ حملنَ نوروز

سرّاً مقدّسٍاً في منديل الرأس.

 

لم تعشق الخندقَ حباً في الرصاص،

نعم، ياصديقي….

كان دخولها احترازياً

كي لا تندثر الحكاية.

كي لا تُكسر أغاني الوطن

كي لا يُنسى اسم الخابور

بين شقوق الخرائط.

 

حملت البندقية،

حضنتها في مسيرتها عبر الممرات

لا لتضع سبابتها على الزناد،

لا لتُطلق رصاصة الغدر،

بل لتمنع خنق النداء.

 

الجبال لاتزال وفية لأولئك

الذين عشقوا السماء،

رددت معهم صدى عشقهم.

حرصت على ما تبقّى من الأمل.

 

اليوم،

في كهفٍ نحتته الريح

على جبلٍ من صبر،

أوقدت ناراً،

لا …لا …. ليست نار الحرب،

كما تتوهم ….

بل شعلة كاوا الحداد،

وقد صارت نداءً:

“ألقوا بأسلحتكم،

دعوا الأرض ترتاح من خطى الجيوش.”

 

اليوم

في حضن جبل سارا

عند فم كهفٍ يعرف وجع البنادق،

احترقت البندقية،

أحرقت المقاتلة الصبية سلاحها.

تعلمت من الأسطورةُ أن تحرق قيودها،

خرجت من النفق،

لا لتستسلم للهزيمة،

بل لتنتصر على الهاوية.

 

وأنت يا صديقي،

لا تنظر إلى ملامحها لتعدّ الندوب،

انظر إلى عينيها،

سترى نهر دجلة يبتسم،

يعلم العابرين معنى العودة

إلى الضفاف بعد ذوبان الثلوج.

لا، أبداً…

لا ليجمعوا الرصاص،

بل ليصنعوا قوارب من ورق.

 

قالت:

“نحن الكرد،

لم نولد لنحمل البنادق،

إنّما لنحمل الشمس على أكتافنا،

لنُشعل شعلة العدالة

ولو في عتمة العالم.”

 

إذا اشتعلت نار السلام،

فاعلم أن فتاةً من جبل قنديل

قد كتبت تاريخاً جديداً،

لا بأثر رصاص البندقية،

بل بكلمات أغنية كردية.

 

> “Ez ji te re dibêjim:

Tu ji çiyayê me yî,

Tu di nav şevê re rojî dixwînî.”

 

“أقول لكِ:

أنتِ من جبالنا،

تقرئين النهار في عتمة الليل.”

 

******

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

يسر موقع ولاتى مه أن يقدم إلى قرائه الأعزاء هذا العمل التوثيقي القيم بعنوان (رجال لم ينصفهم التاريخ)، الذي ساهم الكاتب : إسماعيل عمر لعلي (سمكو) وكتاب آخرين في تأليفه.
رفوف كتب
وسيقوم موقع ولاتى مه بالتنسيق مع الكاتب إسماعيل عمر لعلي (سمكو). بنشر الحلقات التي ساهم الكاتب (سمكو) بكتابتها من هذا العمل، تقديرا لجهوده في توثيق مسيرة مناضلين كورد أفذاذ لم ينالوا ما يستحقونه من إنصاف وتقدير في…

حاورها: إدريس سالم

 

في زمن الانهيارات الكبرى والتحولات الجذرية، لم يعد ممكناً التعامل مع القضايا المصيرية بمنطق الإنكار أو الاستخفاف؛ فالمشهد السياسي السوري، بكل تعقيداته وتناقضاته، بات يفرض على الفاعلين الكورد مسؤولية مضاعفة في إعادة تعريف أدوارهم، وترتيب أولوياتهم، وبناء مشروع وطني يتجاوز الاصطفافات الضيقة والانقسامات القاتلة، فالسكوت لم يعد ترفاً، ولا الشعارات تُقنع جمهوراً أنهكته…

فراس حج محمد| فلسطين

مقدمة:

أعددتُ هذه المادّة بتقنية الذكاء الاصطناعي (Gemini) ليعيد قراءة الكتاب، هذا الكتاب الشامل لكل النواحي اللغوية التي أفكّر فيها، ولأرى أفكار الكتاب كما تعبّر عنه الخوارزميات الحاسوبية، وكيف تقرأ تلك الأفكار بشكل مستقل، حيث لا عاطفة تربطها بالمؤلف ولا باللغة العربية، فهي أداة تحليل ونقد محايدة، وباردة نسبياً.

إن ما دفعني لهذه الخطوة…

غالب حداد

1. مقدمة: استكشاف “العالم الجميل الموجود”

تُقدّم مجموعة القاص والشاعر الكردي السوري عبد الرحمن عفيف، “جمال العالم الموجود”، نفسها كعمل أدبي ذي كثافة شعرية فريدة، يرسم ملامح مجتمع مهمش، ويحول تفاصيل حياته اليومية إلى مادة للتأمل الفني والوجودي. ويأتي تحليل هذه المجموعة، التي تمثل تطورا لافتا في مشروع عفيف الأدبي الذي تجلت ملامحه…