عصمت شاهين الدوسكي
الشاعرة الكاتبة فينوس فائق ترجمت قصائدها عدا اللغتين الكوردية و العربية إلى اللغات: الإنكليزية، الهولندية، الفارسية، الألمانية, العبرية و الروسية, الهندية والأردو ،تتقن اللغات الكردية ، العربية ، الهولندية و الإنكليزية ، تركت كوردستان/العراق منذ عام 1996 و استقرت في هولندا منذ عام 1997. أكملت الدراسة الابتدائية باللغتين العربية و الفرنسية في الجزائر، و من ثم الدراستين المتوسطة – بالكوردية و الإعدادية بالعربية في كوردستان. و من ثم الدراسة الجامعية في بغداد.تكتب و تنشر الشعر و المقالة باللغتين الكردية و العربية..مترجمة متطوعة لمنظمة اللاجئين (VWR) في مدينة رايزفايك لقادمين الجدد.مهتمة بالعمل التطوعي في مجال المنظمات الاجتماعية الهولندية، ناشطة منذ 2011 في منظمة MOOI في مدينة دنهاخ..
المرأة الكردية قادرة على مواجهة الحياة كقائدة ومسئولة ومنظمة ومشاركة ومبدعة إضافة إلى المهام الكبرى في التربية ورعاية الأسرة ضمن مجتمع قد يكون مضطرباً في زمن سيء ،فالمرأة التي تحاول أن تغازل الزمن السيئ وتقترح عليه هروباً أو سفراً من تناقضات مظلمة وقوانين بالية عفا عنها كل مكان وزمان في العالم ومهما كان ينتظرها في فناء دار الغربة والسفر فالشاعرة فينوس فائق متشبثة بالعربة المغادرة تنفض ملابسها الكردية السورانية ليتجدد بريق ألوانها لتقدم صورة دقيقة عن فكر امرأة كردية مهاجرة نحو المجهول وتطرح وجهات نظر ثابتة متزنة منسجمة غير مرتبكة ومختلة كأنها مدعوة إلى حفلة مصرع سفر ساهرة ، في الوقت ذاته تسترجع الشاعرة فينوس فائق بذاكرتها لتكشف إنها الفكر المدبر لهذا السفر ، إنها امرأة كردية يسكن قرينها الإبداعي معها ولا يهتم هذا القرين بكيد النساء وسلوك النساء وثرثرة النساء بل مهمته ضمن إطار إبداعي واقعي ،تستيقظ فينوس تتساءل عن السفر والكلام والظلام وكأن هذا السفر حلم طويل دون اتجاه معين ” كأنني أجلس في عربة تقودني بدون اتجاه ” حينما يكون اعتراف المرأة مسئولية فكرية تفتح الأبواب للحياة الجديدة خاصة عندما ينصب اهتمامها بعالمها الاجتماعي والفكري الذاتي الذي يكون عالماً مألوفاً عند البعض أو معقداً متغيراً مفاجئاً دون سابق عند البعض الآخر ومهما يكن من أمر فالسيرة الذاتية الشعرية نلاحظها أرقى وأسمى أشكال فهم الحياة وأعظمها تقويماً وإصلاحاً وإرشاداً لكن لو سألنا أين موقع الشاعرة فينوس بعد هذا السفر الطويل من الطبيعة البشرية الكونية والمجتمع والفكر والأدب ؟ قد تكون الإجابة نسيج من معتقدات المرء المختلفة في هيكل مفاهيمه وهذا ما يجعلها تقاوم السفر والطبيعة والمجتمع فتغازله حيناً ومتمردة ومتحدية حيناً آخر هذه الفلسفة الفينوسية المعاصرة التي تراءت خطوطها لتقيم المفاهيم الاجتماعية المتنافسة إن كانت باتجاه واحد أو عدة اتجاهات.
(( أسافر بعيداً
كأنني لم أكن هناك
كأنني مازلت لم أتعلم الكلام
مازلت لم ألتق بالظلام
وكأنني أجلس في عربة
تقودني بدون اتجاه ))
إن التناقض الداخلي للمرأة يصعب إثباته وفي ذات الوقت أمل وحيد للتأويلات والافتراضات والتغييرات ومعيار هذه العوالم تحدد درجة التجلي على نحو مثير وهذه ليست مشكلة جديدة إذ كتب ” نيومان – newmen ” قبل أكثر من قرن من نموذج الجدل المتبع آنذاك في التفكير الميتافيزيقي فأشار إلى إنه ” غالياً ما تنشأ عن طبيعة القضية التي يتم بحثها وعن الظروف المحيطة فيها احتمالات متراكمة هي أشد رهافة مما يمكن أن توجد مستقلة بذاتها وأشد دقة مما يمكن تحويلها ” فاهتمام الشاعرة وقضيتها وتناقضاتها وجدلها الفكري تأتي من المسار الاعتيادي للأشياء اليومية الآيلة للتغيير ” خبر – بطل – قافية ” لا تخفف وطأة الإحساس بالوجود من تداعيات هذا السفر الطويل المتعب بتشبيهات ودلالات مركزة على الوجودية الثابتة أو المتغيرة ” جريدة – رواية – قصيدة ” على العكس يتضخم الإحساس لتكتشف الشاعرة فلسفة الوجود ولا وجود ، الحلم ولا حلم ، الواقع ولا واقع ، عبر صور مكثفة خفيفة جميلة راقية ” كما لو كنت خبر من جريدة – بطل في رواية – قافية من قصيدة ” إن ظهور هذه التأويلات معتمدة على تجليات السفر الطويل وعلى جرس النسيان ويقظة النسيان في غربة روحية ووحدة جذرية وشوق متجدد وألم منفعل وحزن لا يغيب .
(( أسافر وأنسى
كما لو كنت خبراً
في الصفحة الأخيرة من جريدة
أو بطل ثانوي في رواية
أو حتى قافية آخر سطر من قصيدة ))
إن عدم اقتناع الشاعرة فينوس قرارات السفر ضمنياً يشكل العمق الذي تنطلق منه الذات فالإنسان الذاتي يبدأ على شكل دفاع بوجه النفور ،قد يكون هذا مأزقاً نفسياً يعبر عن الرؤية ولا تعرف ماذا تفعل مع تفاعلات النفس فتوظف من خلالها فلسفياً الرؤية الفينيسية بعد أن أعدت وركبت عربة السفر إلى هولندا وغيرها من البلاد الأوربية وتخيلت أن تمر بعربة السفر إلى ” العهد الإغريقي ” لكن ليس بإرادة توجه ما تريد بل كآلة متحركة يملي عليها الآخر الاتجاه ” كمقود سيارة ” هذه الصورة قد توافق نظام فينوس المألوف في حين تشكل هجوماً ضمنياً على الرجل والمجتمع والسياسة معرضة التفسيرات السيئة الموجهة إليها وتتساءل هل ينبغي إن تكون المرأة كرسياً في مؤخرة القطار ؟ هل ستتظاهر بأنها ليست هي بل شخصاً آخر يشبهها إلى حد كبير ؟ وهل يمكن إن تتصرف وتفكر وتحيى بشكل طبيعي وهي تسافر صوب نعش عليه ” نقش روماني ” ؟ إن الرؤية البصرية والفكرية والفلسفية ليست على ما يرام رغم المظهر الخارجي يدل على غير ذلك فها هي تتمتم وبالكاد تستطيع إن تسمع صدى روحها وذاتها ونفسها فالأمر لا يرام حينما تصور ” نعش من خشب عتيق ” وكأنها ليست هي في هذا السفر المتعب التي عانت خلاله مرات ومرات الموت بل تعلمت ” فن الموت ” من خلال تجارب سفر طويلة .
(( أسافر بدون قرار
كمقود سيارة من العهد الإغريقي
أو ككرسي في مؤخرة قطار
أسافر صوب نعش عليه نقش روماني
نعش من خشب عتيق
نعش ينتظرني منذ إن تعلمت فن الموت ))
لا تصدر الشاعرة تقييماً لأفعالها بل أفعال المرأة عامة ، تعتقد بان المرأة يجب إن تكون خططها الهادفة بإرادتها الفاعلة ومقبولة من الناحية الروحية والنفسية والاجتماعية ولا تكون مبعث للسخرية بل مبعث تألق وإبداع والمرأة تستطيع إن تعترف برغباتها في حالة واحدة وهي حينما تتظاهر بأنها شخص آخر وقد تكون هذه الصورة حالة من لا توازن التي تتصور وتتخيل إيجاد تبرير للذات من خلال النسيان بوجه لا نسيان ” أسافر كي أنسى ” الشاعرة فينوس تحتج مراراً وتكراراً عبر ” السفر ” لكن لا تلبس قناعاً ولا تخدع بالبهرجة ولا تنزع ذاكرتها الزمنية لتحول جذور شخصية المرأة ،فلا توجد ” قدرة على النسيان ” تعتبر هذه الدلالات أدلة في الدفاع عن النفس وفي ذات الوقت شكاوي ذاتية مفعمة بالآلام والشجن والغربة والوحدة والنفي في أقاصي الأرض .
(( أسافر كي أنسى
أنزع عني الذاكرة
وهل هناك وقت للتذكر ؟
وهل من قدرة على النسيان ؟ ))
تربط الشاعرة عدم قدرة المرأة على لبس قناع الخلود وحتى إن كانت بعقل سليم ” وقد ألقي حتفي ” هذا العجز الإنساني من علامات الاستقامة والنزاهة والرضوخ والقنوع ” أموت بكامل رغبتي ” يتجلى هذا الاتزان النفسي عبر نهاية انتظار وسفر طويل إنه مصرع الذات بل الوصول إلى مصرع الذات ولا يمكن إن تزجر وتهجر وتمقت الموت الذي يعتبر في صورة ما عقاباً للبشر . بعد ميلاد الدهشة الأولى وظهور عالم الخيال والحب والحلم والإنسانية وتداعيات الماضي والحاضر والمستقبل .
(( أسافر وقد ألقي حتفي
تحت جناح طائر منقرض
أو تحت أقدام ديناصور عمره ألف عام
وأموت بكامل رغبتي ،سأموت
فالموت عقاب انزله الله على التراب
بموتي أخبرك قصة أول دهشة
بموتي سأحكي قصة التجلي وبدعة الخيال
أسافر والطريق ما زال طويلاً
والوصول ينتظر مصرعي ))
كل الأشياء الطارئة في السفر بنظرة متحدية متمردة على الذات والمجتمع تمتلك القدرات الاستثنائية على الإطاحة بتداعيات السفر ذاته حينما يكون الوصول إلى مصرع الجسد والذهن والفكر والحياة وتحويلها إلى رماد فضلاً عن ذلك تعكس نظرة المرأة باستقلاليتها الظاهرة بمعنى إنها توضح من دون أدنى شك بأنها ليست عبء على نفسها وعلى الرجل والمجتمع وإن حياتها ملكها لها وهذا بالضبط ما لا يمكن إن تصدقه بعد ظهور قرين السفر الذي يؤكد أسوأ المخاوف وإن المرأة ليست سيدة نفسها ،إن رؤية أفعال فينوس الإرادية تجري دوماً عبر سفر الروح والتغيير والتجديد والذات والفكر والإحساس لتلبس معطفها وتندفع بصمت إلى مكتبها وتتصرف بناء على ما تمليه عليها دوافعها وإحساسها وهي تفشي الغليان الداخلي على الورق ومن خلال كتابة السفر ترتكب عملاً متخفياً في محراب فينوس بانتظار فرصة سانحة لتواجه المصرع وتقترب إليه وتتهيأ له بل تحكي قصة التجلي وترسم أمام المصرع تكوينها الأنثوي الناضج تتحدى فكرياً تداعيات السفر والذات بجرأة وتخيل راقي لتقول للعالم رغم انتظار المصرع ها أنا ذا فينوس الكردية الجبلية بألواني المشرقة رغم كل شيء عابرة من خلال سفر أطياف هولندية بصور من الإبداع وتكوين الذات الممزوج بالغربة والحزن والحب والشوق والحياة .