عصمت شاهين الدوسكي
ربما هناك ما یرھب الشاعر عندما یكون شعره تحت مجھر الناقد وھذا لیس بالأمر الحقیقي ، فالشاعر یكتب القصیدة وينتهي منھا لیتحول إلى تجربة جدیدة ،حتى لو تصدى لھ ناقد وبرز لھ الایجابیات وأشار إلى السلبیات إن وجدت ، فلیس هناك غرابة ، فالتحلیل والتأویل یصب في أساس الواقع الشعري ،وكلما كتب الشاعر ما یضنھ الأفضل ،یجد بعد تجربة شعریة جدیدة ما ھو أفضل ، حتى لو تجلى تناقض في الشعر ، فلا یوجد تناقض في القصیدة الواحدة التي تواجه تجربة واحدة ، إن التناقضات تأتي من تجاربنا المتراكمة وبأحكامنا على الشعر المتراكم ، فخروج الشاعر من عالم الحلم والدفء والأمل المریح ، حیث لا یعلو شيء على شعره ، حتى یظن إن شعره قانونا اجتماعیا ، إرشادیاً ، دعویاً ، حتى سیاسیاً ، فإذا نفذ خلال المرآة إلى عوالم النقد الشعري الذي یثیر الاهتمام والفضول ،والذي یجسد كیف تحوم الفراشات فوق الزهور، كل زهرة لھا لون وشكل وجمال ، مع الأنهار الشعریة بتناسق رغم العوائق المؤثرة من ھذا الاستهلال ندنو من عوالم الشاعرة المبدعة فرح دو سكي ولست في البدایة سوى زائر في مدینة الشعر ، أحمل المداد والقلم ، ولست جزارا أقطع أوصال جسد الشعر ، الشاعرة فرح دو سكي ربما عانت الكثیر من التناقضات في حیاتھا الاجتماعیة والنفسیة والعاطفیة ،وحتى السیاسیة ، التي رسمت على لوحة الشعر شروخاً ، وعلى جسد الفكر جراحات عمیقة ، تتجسد من خلال بوحھا الروحي وإدراكھا الواعي ،لما یحدث من خطوب على أرض الواقع ، بتناقضاتھ الإنسانیة المؤلمة ، إن الشعر مرآة الإنسان ، ويظهر جلیاً تأثیر الواقع والحلم والطموح على روح الشاعر ، حتى نسمع صوتھ یدوي ، أنا هنا ، وكأنھ یطلب سبل الخلاص للوصول للحلم ، للإبداع ، وسبل الخلاص قد تكون فیھا الصواب والخطأ ، ومن ھذا . التجلي للصواب والخطأ ، ینال الشاعر النجاح في محراب الذات یتكور ألم الواقع والتجارب والمعاناة ، في كینونة رفیق الشاعر ” اللیل ” لیبوح ما یختلج في الأعماق ( ألمس اللیل مجدداً ) اللیل بعمقه وهدوئه وظلامھ وسحره وجمالھ ورقتھ وجبروتھ وقوتھ ، لا یجادل أبدا ، بل تجده یسمعك ویصغي إلیك أكثر من أي بشر ، إلى أن تنتهي ، وكلما لجأت إليه فتح أبواب عوالمھ الواسعة لتدخل من خلالھا كیف ما تشاء ، بلا جواز سفر ، بلا أوراق رسمية ثابتة عن إنسانیتك ، بلا حدود ولا شروط ولا قیود ، فھو لجوء حر ، للروح ، للذات ، للقلب ، للجسد ، ومن ممیزات اللیل ، انھ یھتم بكیانك ، ما دمت أردت أن یھتم بك ، تبوح لھ ما ترید فالحاجة للیل سرمدي ، والحدیث معه ذو شجون ، مفردة ( أحتاج ) تجسد الحرمان والألم والبحث عن سبیل لإنقاذ (الزهر الذابل ) بل إنقاذ ما یمكن إنقاذه ، قبل ان ینفصل عن الجسد كي ألمس اللیل مجدداً ) أحتاج من یبعث بھذا الزهر الذابل شیئاً فشیئاً ینفصل عن جسدي ( یسطو على ثیابي في كل عصر ممیزاته الأدبیة ، الشعریة ، مھما تجلت الموافقة والاختلاف هنا أو هناك ، وإن أقترح الشاعر لنفسه صور جدیدة أخاذة ومعاصرة ، كأساس لشعره ، تاركاً الأسلوب والموسیقى الشعریة ، قد یكون ھذا یلاءم الشاعر ، فھي حركة میكانیكیة يتبناها بفقرة شعریة ملائمة لھا ، لكن لا یمكن أن نبتعد عن التأمل والغرض الفكري في النص الشعري ، فما وراء الجملة الشعریة حدث ، وھي لا تنشأ من الصدفة بتجرد ، فالإبداع والموسیقى الشعریة والرمز والجرأة والخصوبة في الصورة الشعریة ،كلھا یقظة مثیرة ، ومهما تغیر الأسلوب والنمط والموضوع الجوھري بإدراك من الشاعر أو دونه ، یبقى الرمز والمجاز الشعري في أبسط معانیھ ، نور للقصیدة وإبداع للشاعر ، الشاعرة فرح دوسكي تمكنت من أدواتھا المجازیة والرمزیة والوصفیة والتشبیه ، فھي تخلق صورة شعریة جمیلة ، تمد الروح المعاصرة التألق والإبداع ، وھي . انعكاس متقن للواقع ، للحقیقة ، بعیداً عن الانفلات الذهبي كلما أشتد بكاؤه ) صار نزیفا یندس في سرائر قلبي حتى استمالت یداه تباركھ دجلة ( وللأخرى دموعھا فرات الشعر عندما یسقى من الحواس الصادقة ، یكون أكثر جمالاً ، في النص الشعري ، ظاهريا وجوھریاً ، أكثر من تأثیر النظر إلى الشيء العظیم ) : Aristotle لوحده دون التقلیل منه ، مع تأثیر المجاز الذي یبعث العاطفة والإحساس ، یقول أرسطو ھو إلى حد بعید قابلیة التحكم في المجاز ، وھذا وحده لا یمكن إبانته من جانب شخص آخر ، فھو علامة النبوغ والنصوص الشعریة التي تكون بعیدة عن المجاز والإحساس تربطھا حقیقة ضعيفة ، ضعیفة الرؤى ، فمزج الصور الشعریة المجازیة ، الرمزیة ، بالعاطفة والإحساس ، لھ قیمة متقدة بالتأثیر ، وكلما كان التطور العاطفي قویاً ، كان التأثیر أكثر قوة ، مھما كان الاختلاف بین عاطفة الحب والكراهية ، وعاطفة الرغبة والخوف ، وعاطفة الألم والفرح ، فتجسیدھا بشكل واعي وبلاغ شعري ، یسھل عملیة نقل العاطفة للقارئ ، والتأثیر فیھ روحاً وقلباً وإحساساً وفكراً ، وھذا إن تجلى بصورة ما ، فھو الصدق الجمیل ،الذي یحملھ الشاعر لیجعلھ حیاً ، فمھما كان المضمون الشعري مأساویاً ، وذات الشاعر حزینة ، . فالعاطفة الشعریة أقوى من التجربة المأساویة ، التي تغدو نوراً تبزغ من دجى الظلام الشاعرة فرح دو سكي بعوالمھا العاطفیة والفكریة والمأساویة تتقلب ( ذات الیمین وذات الشمال ) وتبحر في عوالم الخیال ، (لیختلط عالم اللیل بالنهار ، خیال (رجل قادماً من أقاصي الفضاء كصورة إعجاز للخلاص والأمان والارتیاح النفسي من عبء الحیاة وتناقضاتھا المتراكمة ،التي لا توجد لھا قوة للتحكم بھا ،( یشم قمیصي ) تذكرنا بقمیص یوسف علیھ السلام الذي أعاد البصر لوالده علیھ السلام ،وھي صورة ثانیة لإیجاد سبیلا إلى الحقیقة ، إلى النور الإنساني ،الذي یبصر مدى المأساة الإنسانیة إنسانیاَ لھا ، وال ( تفاحة ) كینونة لما تبقى من رمق الحیاة وطیب زھرھا ،حمايتها والحفاظ علیھا ، لمحاولة إیجاد حلاً . مصدر للحیاة أو لما بقي من الحیاة أتقلب ذات الیمین وذات الشمال ) یخبل لي رجلاً قادماً من أقاصي الفضاء یشم قمیصي ، فیختلط النهار باللیل وھو یحاول أعادة التفاحة إلى شجرتھا ( أنھض أضمھا تحت ردائي الشاعرة فرح دو سكي تحاول استنهاض الوعي من الجمود والتخلف والركود ، وتدق ناقوس الخطر العاطفي ،من التدهور والتدني والانفلات والتیھ وسط واقع مضطرب ، مؤلم ، مأساوي ، فالعاطفة الأصیلة تؤسس مجتمعاً أصیلا ، فأنا عندما تثیرني وتحركني قصیدة كقصیدة فرح دو سكي فالإحساس العاطفي الذي أحس به ، یختلف عن أحساس أي إنسان آخر . ،وھو أمر طبیعي نحو التألق الروحي بیقظة لإیجاد بلسم للزهر الذابل .