ذاكرة تُكتب بالكاميرا

سيماڤ خالد محمد

هؤلاء أصدقائي كلنا جئنا من جهات مختلفة من سوريا (عفرين، كوباني، قامشلو والحسكة)، نحن أبناء مدن كانت بعيدة عن بعضها، ولكن الغربة قربتنا حتى صار بيننا ما هو أقرب من المدن.

لم يكن يخطر ببالي أننا سنلتقي يوماً ولا أن قلوبنا ستتشابك بهذه الطريقة، لكن الغربة بحنينها القاسي جمعتنا، وجعلت من “نادي المدى للقراءة – أربيل” نقطة بداية لحياة جديدة، لصداقات صارت أثمن ما نملك في هذه الرحلة.

أغلبهم أصدقائي منذ أكثر من ثماني سنوات، عبرنا فيها الكثير… سنوات امتلأت بكتب، وأحاديث لا تنتهي، وضحكات تقاطعت بلحظات الحزن التي مررنا بها معاً.

لم نكن مجرد رفاق قراءة، بل أصبحنا عائلة من نوع مختلف عائلة اختارت بعضها في الغربة، أعمارنا مختلفة لكنني لم أشعر يوماً بأننا متباعدون بهذا المقياس، بل على العكس تماماً كانوا دوماً قريبين مني للحد الذي أنسى فيه أن هناك فرقاً في العمر أو التجربة.

قربهم يجعلني أكون نفسي تماماً أتكلم بعفويتي، أضحك من قلبي وأحزن دون أن أُخفي شيئاً، حين أكون بينهم أكون أنا أمام المرآة بلا أقنعة وبلا تصنّع وبلا خوف.

مررنا معاً بالكثير من الفرح، الحزن ولحظات لا تُنسى سهرات طويلة نقرأ فيها، نتناقش، نختلف ونضحك أيام عشناها بكل ما فيها من تعب وراحة، أمل وقلق، ومن بدايات جديدة ومحاولات مستمرّة لنمسك بأحلامنا رغم كل شيء.

لم تخلُ  صداقتنا من المشاكل الصغيرة، سوء الفهم أحياناً، تعب الأيام ومرارة التفاصيل… لكننا دائماً نعود لبعضنا لأن ما بيننا أكبر وأعمق من أن يُفسده شيء عابر، صداقتنا كانت وما زالت أكبر من الاختلاف، أقوى من المسافات وأصدق من أيّ مجاملة.

أعترف هناك خوفاً يسكنني دائماً من أن يأتي يوم ونفترق، أن تسرقنا الحياة، ويُصبح كل ما بيننا مجرّد صور، فيديوهات ورسائل قديمة… أن يتحول كل هذا الحب إلى ذكرى جميلة نحتضنها في صمت.

لكني حين أعود للحظة التي أكون فيها معهم، وسطهم أتذكّر لماذا هذه الصداقة عظيمة وتستحق أن نحافظ عليها مهما تغيرت الظروف، نحن لم نكن فقط أصدقاء… نحن فكرة، حلم، كتاب عشنا تفاصيله معاً.

إن افترقنا يوماً فستبقى أرواحنا مرتبطة بذلك الدفء الذي لم نجد مثله في أي مكان، ستبقى ضحكاتنا، جلساتنا، كتبنا وحواراتنا شاهدة على أننا كنّا هنا يوماً.

وفي نهاية كل جلسة هناك واحدة منا لا تظهر في أغلب الصور و الفيديوهات، لكنها حاضرة فيها أكثر منا جميعاً  هي أختي ( مايا خالد محمد )

هي ليست فقط أختي بل صديقتنا ورفيقتنا في هذه الرحلة هي التي كانت تقف دوماً خلف الكاميرا، توثق اللحظة كي لا تضيع. تحفظ لنا الزمن قبل أن يمضي، وتخبّئ الدفء في كل لقطة.

هي التي جعلت من الذكريات شيئاً يمكن لمسه و رؤيته، لذلك إن بقي لنا يوماً شيء من هذه الرحلة فسيكون بفضلها، بفضل من أحبتنا بصمت ووثقتنا بمحبة وكتبتنا بكاميرا…

١٨-٤-٢٠٢٥

مصيف بوكد/ دوكان

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

فواز عبدي

ما عرفتك

بعدما رجعت من الحفلة منهكاً، وخلعت ملابسي كمن يتخلص من تهمة، فقد كان جسدي يئن تحت وطأة الرسميات.. وقبل أن أقفل التلفون وأذهب إلى فراشي، رن جرس الهاتف، نظرت فإذا هي صديقة قديمة لم أرها منذ مجيء حفيدها الأول قبل عشر سنوات..

تذكرت بشرتها الحنطية بلون حقول الجزيرة، وعينيها البنيتين كقهوة الصباح…

إبراهيم أبو عواد / كاتب من الأردن

 

يُعْتَبَرُ الكاتبُ المِصْري نجيب محفوظ ( 1911 _ 2006 / نوبل 1988 ) أعظمَ روائي في الأدبِ العربي على الإطلاقِ . تُعَدُّ أعمالهُ سِجِلًّا حَيًّا للتَّحَوُّلات الاجتماعية في مِصْر .

كَتَبَ في فَترةِ التَّحَوُّلاتِ السِّياسية والاجتماعية العَميقة في المُجتمعِ المِصْرِيِّ ، مِنَ الاحتلالِ البريطاني إلى ثَورة…

شكل كتاب “الأسوار والكلمات- عن أدب باسم خندقجي” للكاتب فراس حج محمد، الصادر عام 2025، إطاراً نقدياً ومعرفياً شاملاً لأدب الكاتب الأسير الذي أمضى أكثر من عشرين عاماً خلف القضبان، ويُمثل هذا العمل محاولة للانتقال بدراسة أدب خندقجي من سياق التضامن السياسي والعاطفي إلى سياق التحليل الفني والفكري العميق، وقد خلص الكتاب إلى مجموعة من…

ديلان تمّي

 

أريدُ وردةً حيّةً،

تجعلُني أثملُ في ثوبي الربيعيِّ الأصفرِ،

تلملمُ بقايا أنوثتي المغبرَّةَ في جيبِ المسافاتْ،

وترقّعُ رقصتي الأحاديةَ بخطواتِها الثلاثِ إلى الخلف،

كأنّني بجعةٌ شقيّةٌ، تراقصُ وَهمَها أمامَ المرآة…

بلا خجلْ.

 

أريدُ وردةً حيّةً،

تُعيدُ لي إشراقةَ روحي،

وتطردُ الظلامَ عن ظلِّ وجهي، الذي انزلقَ منّي،

وانصبَّ في خيبةٍ ترفضُ الحياةْ.

 

أريدُها حمراءَ كالدمِ،

لا بنيّةً،

طريّةً،

أخافُ على يديّ إن داعبْتُها،

وعلى الياسمينِ من على كتفي…