خلات عمر
في ذلك الوقت قررت أن أمشي قليلاً، وفي ممرات ذلك المشفى كان هناك أناس كثيرون، ولكل غرفة قصة وحكاية ونصيب من الحزن أو الفرح.
وفجأة، رأيت فتاة جميلة في مقتبل العمر في إحدى الغرف، حزينة، تنظر من خلال النافذة بعيون باكية، يائسة من كل شيء. انتابني الفضول، فذهبت إليها وسألتها عن سبب حزنها وبكائها، وكأنها كانت تنتظر من يخفف عنها ألمها.
دارت الأحاديث بيننا، فأخبرتني أنها كانت تحب شاباً وهو يحبها، وقرّرا الزواج، ولكن عائلة الشاب كانت رافضة لها بحكم أنها غير متعلّمة، والشاب متعلّم.
قالت:
“حاولوا كثيراً إنهاء علاقتي بالشاب، ولكن الشاب أجبرهم وتحدّى الجميع لأجلي، وفعلاً تزوجنا، ولكن أهله لم يقبلوني. تحملت كرههم وأفعالهم لأن الشاب كان يحبني.
ولكن حدث ما لم أتوقعه… فجأةً تغيّر الشاب من ناحيتي كثيراً، وبات يكرهني ويشتمني ويهينني وكأنه شخص آخر. نعم، استطاع أهله التفريق بيننا بأعمال السحر والشعوذة.
طلقني أمام الجميع، وتحول كل ذلك الحب إلى كره وحقد وإهانات. وعدت إلى بيت أهلي مكسورة، ضعيفة.
بعد فترة من الزمن، حاول الرجوع إليّ، وكأنه استيقظ من حلم، لم يصدق أنه طلقني، ولكن بعد فوات الأوان، فقد زوجني أهلي إلى هذا المسن، وعلى ضرتين.
وهو الآن مريض، وأُجبرت على العناية به بحكم أنني الزوجة الجديدة. وهذه العجوز هي أمه، أعتني بها أيضًا.
وأنا الآن أبكي على نفسي التي ضاعت، وحياتي التي باتت كجحيم لا يُطاق…”
كانت تروي قصتها والدموع في عينيها لم تتوقف. لم أستطع فعل شيء سوى مشاركتها بالبكاء. لا أعلم، هل ألوم المجتمع أم الأهل؟
كم من الآمال ضاعت، وكم من الأحلام ماتت في مجتمع ظالم لا يرحم الضعيف…
بقيت هذه القصة محفورة في ذاكرتي، ودائمًا أسأل: يا ترى ماذا حدث للفتاة؟ وكم من الفتيات اللواتي يشبهنها غرقن في هذا المستنقع…؟