وشاح النور

عبد الجابر حبيب

 

خطوةٌ واحدةٌ منكِ،

تكفي لتهوي الأبوابُ الثقيلةُ

التي حُشرتْ خلفها حكاياتُ الألمِ.

 

بخطوةٍ أخرى منكِ

سينهارُ الهرمُ المشيَّدُ فوقَ صدورِ الجائعين،

وتبتلعُ الأرضُ عذابَ البؤساء.

 

حتى بإيماءةٍ منكِ،

تعودُ إلى أصحابِها

مفاتيحُ المدنِ المفقودةِ،

ويجفُّ الحبرُ على النهاياتِ القديمةِ،

وتنفكُّ الأقفالُ عن السجونِ

دون أن يلمسَها أحدٌ.

 

بهمسةٍ منكِ،

واثقٌ بأن أصواتَ القتلةِ ستختفي،

ويذوبُ صليلُ البنادقِ

في فراغٍ لا حدودَ له،

وتسقطُ تماثيل اعتلَتْ عروشَ يأسِنا.

 

نعم، بمجرّدِ حضورِكِ،

يتمزّقُ شريطُ الأخبارِ

وتغادرُ صورُ الضحايا الشاشاتِ،

ويهرعُ الليلُ ليختبئَ

في جيبِ النهارِ.

 

لحظةَ بقاءٍ منكِ،

تتراجعُ الأفكارُ السوداءُ عن أوهامِها،

وتتآخى المدنُ التي حفرتْ بينها

قروناً من الدمِ،

وتُغلِقُ السماءُ سجلاتِ المفقودين.

 

أنتِ أيتها المحبّةُ…

حيثُ تمرّين،

تصيرُ المقابرُ حقولاً،

والحروبُ تكتبُ وصاياها الأخيرةَ،

والملائكةُ تُسلّمُ مفاتيحَها إلى البشرِ.

 

أنتِ فقط،

مَن تقدرُ على انتشالِ رائحةِ الخطيئةِ

المنبعثةِ من خرائبِ الروحِ.

 

وزرعِ الحلمِ في جسدِ اليأسِ،

وإرشادِ طائرٍ بلا عُشٍّ،

حطَّ فوق أنقاضِ أملٍ منهارٍ

إلى مأوى الطمأنينةِ.

 

حضورُكِ يعني،

أن تتوهّجَ النجومُ في عيونِ الناجين،

وينهضَ البحرُ ليغسلَ آثارَ الدمِ عن الشواطئِ،

وتتسللَ الأنهارُ سرّاً إلى أحضانِ الصحراءِ،

فتزهرَ الرمالُ أخيراً.

 

أنتِ اللامرئيةُ،

نسجتِ من خيوطِ الفجرِ وشاحاً للحياةِ،

وزرعتِ في قلبِ الخرابِ نبضةَ رجاءٍ

تُغنّي بأصواتِ الصمتِ.

 

حيثما تكونين،

تنقلبُ العواصفُ إلى همساتٍ،

تتراقصُ الأشجارُ بلا أوراقٍ،

تضحكُ الأرضُ بدموعٍ لا تنتهي،

لتُصبحَ الحياةُ أغنيةً،

لا تعرفُ نهايةً.

 

تحتَ ظلالِكِ،

نسيرُ على جسورِ الزمنِ،

ندفنُ بقايا الطغاةِ،

ونُبدّدُ لهيبَ الحروبِ

 

من أثرِ قدمِكِ،

تفتّحتْ زهورُ النورِ،

وامتزجتْ ألوانُ الغروبِ،

وسقطتْ أقنعةُ الليلِ.

 

في حضورِكِ،

تتوقفُ الحربُ عن السباحةِ،

تذوبُ في نهرٍ بلا نهايةٍ،

تُصبحُ الأغاني جدراناً للأمانِ.

 

بوجودِكِ

يتفتحُ الربيعُ في صدري،

يُزهرُ بين أنقاضِ ألمي

عندَ ذلك أكتبُ للحياةِ فصلاً جديداً،

يحكي عن انتصارِ النورِ.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عصمت شاهين الدوسكي

الاحساس المرهف يفجر المشاعر المكنونة والآمال الميتة
كلیزار أنور عندما فتحت عیناھا للحیاة وعرفت بعض أسرارھا، قاومت كل الأشواك التي تحیى حولھا ،أبت أن تكون نرجسه نائیة ، جرداء ، بلا نور ، خرجت من بین الطلاسم المظلمة لتغیر ذلك الهواء بهواء نقي وترفض التقالید الفكریة البالیة ، رسمت لنفسھا طریقا وعرا، شائكا، غائرا…

إبراهيم سمو

شعرية الجرح والتحوّل أو ثلاثية التمرّد والرومانسية والمفارقة:

يشكّل شعر سعيد تحسين صوتا متفرّدا في مشهد الشعر العربي الحديث، يتميّز بقدرته على التوليف بين التوتّر الداخلي والاختراق الجمالي، بين الحُلم والخذلان، وبين اللغة بوصفها خلاصا، والوجود بوصفه سؤالا معلّقا.

يغترف “مهندس الأعمال الشعرية الكاملة” جوهر قصيدته من حواف الذات لا من استقرارها؛ حيث يتقاطع العاطفي…

أحمد عبدالقادر محمود

لم يكون حسين يدري أن نزوله في تلك الليلة إلى القبو سيقلب حياته رأساً على عقب ، من لصٍ دعيٍّ إلى أمير ، بل لم يكون يتصوَّر أن هذا القبو المنسي منذُ سنيين سيكون برج أحلامه ، نزوله في تلك الليلة كان من أجل العثور على شيءٍ يستطيع استخدامه في إشعال النار ، الليل…

حاوره: إدريس سالم

في زمن تتآكل فيه الهويات، وتُقصف فيه الذاكرة، تأتي روايتا «الغابة السوداء» و«داريا الحكاية»، للروائي السوري مازن عرفة بوصفهما مغامرتين سرديتين، تسعيان لا إلى توثيق الواقع، بل إلى تفكيك بنيته النفسية والوجودية، عبر استحضار المنفى كمنفى داخلي، والثورة كتصدّع وجودي، طويل الأمد.

ليست «الغابة السوداء» حكاية لاجئ فقط، بل مرآة مشروخة للذات المنفية…