ياسر بادلي
أصبحتُ غريبًا بين الغرباء.
كلّ وجهٍ أحدّق فيه، يحمل قناعًا غريبًا، كأنّ الأرواح تلبّستها الغربة، أو كأنها خرجت من جسدها ومضت دون عودة.
أمشي صامتًا، أنسج خطاي بين شوارع باردة، لا تبتسم، لا تصرخ، لا تبكي.
أكتب على الأشجار الهامدة، في الحدائق الهامسة كأنّها مرايا مهجورة، لا حياة فيها، ولا موت.
هنا، حيث الأرصفة تتآمر على الصوت، والهواء مكممٌ بالقانون،
يحاولون نزع النبض من قلبك،
يُرَبّونك على الصمت،
يُجزّئونك كما تُجزّأ المرايا،
يفكّكون العائلة كأنها بناء هشّ في مهبّ الريح،
يبنون دولتهم على قلق الأفراد،
على هشاشة الوقت،
على فخاخ الأوراق، والمواعيد التي لا تنتهي،
على روتين يبلعك دون أن يترك لك أثرا.
هنا، لا صوت يعلو فوق صوت التنظيم.
الدفاتر أكثر من البشر،
والنوافذ لا تفتح إلّا لتراقب.
لكن لا تحرمنا من نفسك، لا تحرمنا من صمودك،
أنت ما تبقّى لنا من الدفء، من الفكرة، من الإنسان.
ورغم هذه المأساة التي تتوارى خلف ستار النظام،
يبقى الإنسان هنا، لأنّ الشرق خلّف وراءه وجعًا آخر:
بطالة، ولا أمان،
قلقٌ بلا تأمين،
أحلامٌ لا تجد سقفًا.
يبقى هنا لأن الغربة في الجسد، أهون من الغربة في الرغيف.