البيجاما الحمراء

محمد إدريس.

 

في ذلك الصباح، كانت الأمطار الخفيفة تتساقط على مدينة الإسكندرية، معلنةً قدوم الشتاء.

استأجرتُ تاكسيًا واتجهت به مسرعًا إلى المطار، عائدًا إلى دبي.

 

غادرتُ الشقة التي أعارني إياها صديقي العزيز إسماعيل العملة على عجل، كي أتمكن من الوصول إلى المطار في الوقت المناسب.

وفي غمرة انشغالي، نسيتُ – على ما يبدو – بيجامتي الحمراء في غرفة النوم، دون أن أنتبه.

 

عندما وصلتُ إلى دبي، فتّشت زوجتي حقيبتي، فلم تجد البيجاما الحمراء.

سألتني وهي تنظر إليّ بعين الريبة:

– أين بيجامتك الحمراء؟ لمن تركتها هناك؟

فأجبتها ببساطة:

– لا أدري… لعلي نسيتها في الشقة.

 

لكنها لم تقتنع، وقالت بابتسامة نصف ماكرة:

– ربما تركتها تذكارًا لإحداهن!

ابتسمتُ… ولم أعلّق.

 

مضت الأيام، وجاء الصيف، وسافر صديقي إسماعيل إلى الإسكندرية ليتفقد شقته.

وهناك، في غرفة النوم، وجد البيجاما الحمراء!

 

لعبت الهواجس في صدره، واستشاط غضبًا، فاندفع إلى حارس العمارة وصرخ في وجهه:

– هل تؤجّر الشقة من ورائي؟! ولمن هذه البيجاما الحمراء؟!

 

تلعثم الحارس وقال مرتبكًا:

– أبدًا والله يا فندم، لم يدخل شقتك أحد سوى صديقك محمد إدريس!

 

هدأ إسماعيل قليلًا، ثم قال:

– سأتصل بصديقي وأتأكد.

 

لكنه لم يتصل في تلك الليلة، وأجّل الأمر حتى رجوعه إلى دبي.

وحين عاد، ناولني البيجاما وسأل:

– أهذه بيجامتك؟

فأجبته ضاحكًا:

– نعم، هذه هي… نسيتها في شقتك في الإسكندرية.

 

عندها تنفّس إسماعيل الصعداء وقال:

– لقد ظلمتُ الحارس، واتهمتُه زورًا وبهتانًا… سامحني الله.

 

وفي المساء، عندما أعدتُ البيجاما إلى زوجتي، تبسّمت وقالت:

– لعلها قطعت الأمل فيك… فأعادتها لك!

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماجد ع محمد

قد لا يُستحسن عند الحديث عن أيّ قطعة فنية أو أيّ عملٍ أدبي البدء بطرح التساؤلات، ولكن من قال إن المداخل التقليدية على الدوام هي الجذابة والقادرة على إغوائنا؟ فيما المخالِف للسائد سيغدو متروكاً في القَعَر يُساجِل المهملات، ومن قال إن اللامألوف يستدعي النفور الدائم؟ إذن فمن قاعدة المغايرة جاء طرح السؤال التالي…

إبراهيم اليوسف

تأتي المجموعة الشعرية “على هامش العزلة” للشاعرة هيڤين العلي- الصادر عن دار الأيقونة، قامشلو، 2025، في 107 صفحات- بوصفه ليس فقط باكورة أدبية، بل فعل نشوء حقيقي لذاتٍ تكتب من داخل العزلة لا عنها، ذاتٍ لا تستعير الحزن من خارجه، بل تسكبه من عمق ما عايشته. القصيدة هنا ليست أداة،…

عصمت شاهين الدوسكي

في صحوة أخرى ترتفع ( ترنیمة الجسد ) التي أرادت لھا كولالة نوري أن تكون علیه ما تكون .. ھي صحوة أدبیة فكریة تتسلل إلى الروح لتھیج الجسد في ترنیمات یشع تأثیرھا ، ھكذا تغدو الترنیمات الروحیة ولیست الجسدیة رغم التلامس أو التجانس الاثنین معاً ( الروحیة والجسدیة ) ، من هذه الأطر…

صدر حديثًا عن “ناشرون فلسطينيون” كتاب “السخرية في الشعر الفلسطيني المقاوم بين عامي (1948-1993)”، في طبعته الأولى لعام 2025 بصيغة إلكترونية (eBook)، لكاتبه الباحث والأكاديمي الفلسطيني فراس حج محمد. يقدم هذا الإصدار دراسة معمقة لظاهرة السخرية في الشعر الفلسطيني المقاوم، مسلطًا الضوء على دورها كسلاح أدبي في مواجهة الاحتلال والقهر. يمثل الكتاب إضافة نوعية للمكتبة…