إبراهيم اليوسف
تعد الشاعرة والأديبة مزكين حسكو واحدة من الأسماء التي اختارت طريقها عبر الإبداع، إذ جعلت من الكتابة الجمالية فعلاً يومياً لم يتوقف عند حدود الشعر وحده، بل تجاوزته إلى السرد بأنواعه. فهي شاعرة، وناقدة، ومترجمة، وكاتبة مقال، وصوت حاضر في السرد، حيث يتجاور عندها النص الشعري المكثف مع المقالة النقدية المضيئة، ومع مشروع الرواية والسيرة. كل ذلك، يتبدى خيارها واضحاً: أن تكون الكتابة استمراراً للحياة، لا استجابة طارئة لظرف.
واستهلالاً لابد من الاعتراف أن المؤسسات الثقافية في روج آفا كردستان- أولاً- لم تمنحها ما تستحقه من مساحة، ولم تلتفت إلى تجربتها البتة، كما أن المؤسسات في إقليم كردستان لم تكترث بتجربتها، بما يليق بمبدعة أصدرت أربعة عشر كتاباً بين الشعر والسرد، من دون أن تتوقف. بل حولت هذا التهميش إلى دافع إضافي، فأصرّت أن تكون لها زاويتها الخاصة التي تختارها هي، لا التي تُفرض عليها. تأسيساً على ذلك، ويتضح أن حضورها لا يقوم على الاعتراف الخارجي بقدر ما يقوم على ثقتها بالنص، وبقدرة الكتابة على أن تكون معيارها الأول والأخير.
إنما اللافت أنها لم تنكفئ أمام هذا التجاهل، بل ظلت تمنح التقدير حتى لمن قصّر بحقها، لأن معيارها بقي مرتبطاً بالإبداع. من هنا نرى أن مزكين حسكو لم تضعف أمام مفارقة مؤلمة: دعوات لمناسبات ثقافية في الإقليم أو في الوطن ذهبت إلى أسماء كثيرة منها أسماء بلا أثر إبداعي وازن، فيما هي، صاحبة التجربة الثرية، كانت تستبعد. أجل، لقد أحست بالألم في أعماقها، من دون أن تبوح به إلا لمقربين رمنهم شقيقها منال وكنت أحد هؤلاء، فهي لم تستسغ ولم تسوّغ لنفسها أن تعلن مرارة تنكر كثيرين من حولها لتجربتها، من بينهم من قد يستغل الدعوات أو النقد أو الإطراء المجاني عبر بازارات رخيصة، ووفق معايير عابرة، مرفوضة من لدنها، نتيجة إبائها وشموخ روحها، وعلة قامتها، فقد جعلت من الصمت شكلاً آخر من أشكال القوة ومواجهة النماذج الحياتية الناشزة.
إذ نجدها لما تزل نتابع مشاريعها الموزعة بين الشعر والقصة والسيرة ناهيك عن رواية لاتزال تنتظر الاكتمال، سيرة تتهيأ للظهور، ومقالات نقدية تتلمس طريقاً مغايراً للقصيدة الكردية الحديثة، نفهم أن كتابتها لم تنفصل يوماً عن خطتها المستقبلية. مشروعها الحياتي والإبداعي. فهي لا ترى النص منجزاً منقطعاً، بل حلقة في مسار متصل. هكذا ظلت تزرع وروداً في صفحاتها الافتراضية، كأنها تقول إن الجمال ليس زينة بل جزء من مقاومة يومية
تأسيساً على ذلك يمكن النظر إلى تجربتها كعلامة على قدرة المبدع الشاعر الكاتب أن يصنع لنصه مكانة حتى من دون سند مؤسساتي. إذ لم تكن القنوات الكردية، لا في روج آفا ولا في الإقليم، عادلة معها، حيث غيّبت صوتها، ولم تخصص لها المساحات التي تليق بمبدعة عاشت حياتها في خدمة الكلمة. ومع ذلك لم تتوقف، بل كتبت، ترجمت، حررت، وأدارت نصوصها بشجاعة، كأنها لا تنتظر الاعتراف بقدر ما تنتظر اكتمال مشروعها الأدبي
من هنا فإنه يمكن القول إن مزكين حسكو اختارت أن تعيش في فضاء الكتابة لا في هوامش الاحتفاليات. فهي لم تحتج إلى إطراء عابر، بل إلى نص يثبت وجوده بصلابته. وبذلك تتحول سيرتها إلى برهان على أن الإبداع الكردي المعاصر، رغم محاولات التهميش، يملك أصواتاً تفرض حضورها بما تنتجه لا بما يُقال عنها. إنها لا تكتب لتملأ فراغاً، بل لتفتح أفقاً آخر، أفقاً يزداد وضوحاً كلما حاول الآخرون حجبه