ملخص كتاب (كهرمان).. المؤلف: ريزان عيسى

سيماف خالد محمد

النظرة مسبار الروح وكنهها، عندما تمل الأرواح أجسادها المنهكة نغادرها على عجل لتحل في أخرى.”

رواية كهرمان عمل سردي يمتد عبر أجيال متعاقبة ليكشف التراجيديات التي عاشها الأرمن والكُرد على السواء، وليمزج بين الحكاية الفردية والذاكرة الجمعية.

نالين وبداية الحكاية:

تنطلق القصة مع نالين الفتاة المتمردة التي لا تشبه إخوتها، ذات يوم تعود أمها إلى البيت لتجد حقيبتها المدرسية أمام الباب وقد التحقت بصفوف حزب العمال الكردستاني، هذه اللحظة تكون المدخل إلى الماضي إلى جذور نالين وأسلافها وبالتحديد إلى مأساة جدتها الكبرى مارغريتا الأرمنية.

مأساة مارغريتا:

مارغريتا وُجدت على ضفاف النهر محتضنة جثة أمها وأخواتها اللواتي اغتُصبن وقُتلن، منذ تلك الحادثة فقدت القدرة على الكلام وأصبحت تصاب بالطفح والإغماء كلما نظر أحد في عينيها، احتضنتها امرأة عجوز وربتها لكنها بقيت منطوية ترفض الزواج إلى أن استعانت والدتها بالتبني بجارتها وطفلها لعلاجها، فاستعادت تدريجياً القدرة على الكلام والضحك.

“لم تكن تعلم أن للبيوت أرواحاً، وأنها تموت حين يهجرها سكانها.”

تتزوج لاحقاً لكن زواجها يتحول إلى مأساة جديدة إذ يعتدي عليها زوجها بوحشية، تنجب طفلاً يُدعى سليم (سلو) ومع ولادته تستعيد فجأة لغتها الأم الأرمنية.

من سلو إلى خليل:

يكبر سلو محاطاً بحكايات أمه عن المذبحة وتتشكل هويته على هذا الإرث، يصبح صياداً يُلقب بـ«قاتل الدببة»، لكنه يفقد بناته الثلاث اللواتي سمّاهن بأسماء أخوات مارغريتا، وكأن التاريخ يعيد نفسه يهاجر مع جدته إلى القامشلي حيث يعمل في تصليح الأحذية، ويعلّم ابنه خليل المهنة، خليل يرث من جدته عزلتها وشرودها ويكبر صامتاً قليل الكلام.

“للأمكنة أرواحها كما أنَّ لكل مادة روح تسكنها وتألفها.”

نالين والجبال:

نالين هي ابنة خليل الأولى الفتاة التي تحمل في روحها تمرداً مختلفاً تلتحق بصفوف الحزب وتخضع لتدريبات في دمشق، ثم تنتقل إلى جبال قنديل حيث تتعرف إلى مقاتلة فقدت ساقها من شدة البرد.

“فهم أبطال حقيقيون يمشون بيننا ويتنفسون هواءنا ويشاركوننا همومنا وأحلامنا، ثم يرحلون ليلقوا حتفهم بعيداً في الجبال النائية.”

“من فتحوا بيوتهم للحزب هم من يتوجب أن يدفعوا ضريبة الثورة.”

“تتحدث فينصت المستمع لها، فكادرات الحزب يعتبرن بمثابة القديسات… ومن ثم يرحلون فجأة ليتركوا حنيناً وندباً في أرواحهم التي تعلقت بهم حدّ العشق.”

وهناك تلتقي نالين بشخصية عبد الله أوجلان (آبو) الذي يلقي خطاباً مؤثراً عن الحرية والعدالة والهوية الكردية.

المسرح كوجه للنضال:

في المعسكر تصادق نالين كارلا القادمة من ألمانيا، التي جاءت بحثاً عن حبيبها آلان لتكتشف لاحقاً أنه القائد آزاد، تُكشف حواراتهما عن البعد الرمزي في الرواية: المسرح كأداة مقاومة، والفن كوجه آخر للنضال.

“غريب أنْ تشعري بقدمك الغائبة… إنَّ روح القدم تلاحقني وتسبب لي كل هذا العذاب.”

يقنعان آزاد بتقديم عرض مسرحي للمقاتلين فيمنحهم فسحة إنسانية وسط الحرب غير أن العلاقة بين كارلا وآزاد تثير الشبهات فيقرران الهرب، تصف الرواية رحلتهما المأساوية على مدى سبعة أيام من الجوع والخوف والبرد حتى يُصابا برصاص الجنود، ترافقهما نالين تحمل كارلا على ظهرها متخلية عن سلاحها، في واحد من أقوى مشاهد التضحية الإنسانية.

السجن والتضحيات:

تتخلل الرواية أيضاً مشاهد من قسوة السجون:

“لم أكن بحاجة لأكثر من دقائق قليلة حتى أفقد ملامحي الخاصة، وأكتسي ملامح الخوف… أحببنا مع الوقت أرقامنا وأصبحت هي الملمح الوحيد المختلف الذي يميزنا عن بعضنا البعض.”

“بقيت في النهاية على قيد الحياة، لكن الكثير مما كنته لم يعد موجوداً، خرجت من زنزانة التحقيق وأنا أحمل عطباً في الجسد والروح والذاكرة.”

“كم تمنيت أن أخرج من السجن وأعود ببساطة إلى بيتي أعانق أمي… بعيداً عن السياسة والوطن والحرية المفقودة.”

وتبلغ الذروة مع شهادة مظلوم دوغان:

“في آخر جلسة له أمام القضاء دخل مظلوم قاعة المحكمة متكئاً على كتفي الجند… صرخ في وجه القاضي قائلاً: أعلم أنكم ستقتلونني، لكن سيكون هنالك الآلاف من مظلوم دوغان سيرفعون يوماً راية كردستان عالياً.”

 حول الحرية والقيادة:

“الثوار الحقيقيون لا ينتظرون مخلصاً ينتشلهم من خوفهم، إنهم يمتلكون الشغف… أما سعاة الحرية فهم يكسرون القواعد ويشرعون الأبواب على حدود الأوطان.”

“القادة هم من يمتلكون موهبة الخلق والابتكار، القادة يولدون قادة… لكن المناهج لا تخلق قادة، والتجربة لا تصنع قادة.”

الخاتمة:

تنتهي الرواية بعودة نالين إلى القرية فاقدة الوعي لتستيقظ في المستشفى بجوار آزاد الذي يطمئنها أن كارلا بخير، النهاية مفتوحة تربط الماضي المليء بالمجازر الأرمنية بالحاضر المشتعل بالصراع الكردي.

“لا أحد يحمل عنا حمل أرواحنا المنهكة.”

بهذا يؤكد الكاتب أن الذاكرة الممزقة لا تنفصل عن الحاضر، وأن الحكاية الفردية ما هي إلا مرآة للتاريخ الجماعي.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم أبو عواد / كاتب من الأردن

أدَبُ الرُّعْبِ هُوَ نَوْعٌ أدبيٌّ يَهْدِفُ بواسطة مَجموعة مِنَ الأحداثِ المُتشابِكةِ والمَواضيعِ المُثيرةِ وَالمُفَاجآتِ الصَّادمةِ، إلى إثارةِ مَشاعرِ الخَوْفِ والرَّهْبَةِ لَدَى القارئِ مِنْ خِلال قِصَص عَن الأشباحِ ، أوْ مَصَّاصِي الدِّمَاءِ ، أو الكائناتِ الغريبة ، أو العناصر الخارقة للطبيعة ، أو القُوى الشِّريرة ، أو الأحداث العنيفة المُرَوِّعَة…

غريب ملا زلال

احمد كرنو من الاسماء القليلة التي تعتبر اعمالهم صندوقهم الاسود، ففيها ستجد كل ما يخص كرنو، من حنينه المشبع بالشوق للمكان الذي بات وجعا يوخز الذاكرة المتعبة بدورها مما تحمله من حزن وفرح، الى فيضان احاسيسه العذبة بسبب ما يحمله من روح تئن كثيرا تحت وطاة الهوة المؤسفة للنوافذ…

إبراهيم اليوسف

تنبثق بطاقات الصباح من عادة باتت أقرب إلى طقس داخلي، إذ يفتح أحدنا عينيه على وعد صغير في صورة أو خاطرة أو قصيدة، ويرسلها إلى صديق يعرف أن من شأن هذه اللفتة أن تضيء يومه. وحقيقة، إن ما تبدو عليه البطاقة- أياً كان نوعها- من بساطة لا يلغي أنها شريان خفي يصل بين المرسل…

ماهين شيخاني

لم يكن نوري ديرسمي مجرّد طبيب بيطري، ولا ثائراً حمل السلاح ثم طواه النسيان؛ كان ذاكرة حيّة تمشي بين الناس، شاهدة على جراح ديرسم وكوردستان، ورمزاً لمقاومةٍ لم يُطفئها الموت ولا المنفى. وُلِد عام 1894 في قرية “أخزونيك” التابعة لولاية ديرسم، لأسرة بسيطة من عشيرة ملان الكردية. فقد أمه صغيراً، فربّاه عمه، وكبر بين…