جريمة صامتة بحق الأمهات: بين العادات الجائرة وقلوب الأطفال الفارغة

خلات عمر

ليست الحكاية حكاية هرفين وحدها فقط، بل حكاية آلاف الأمهات في مجتمعاتنا. امرأة تعبت كثيرًا، حملت أطفالها تسعة أشهر في بطنها، ثم حملت همومهم سنوات طويلة على كتفيها. سهرت ليالي طويلة بجانب أسرتهم في المرض، تركت أحلامها لأجل أن يكبروا، وقفت وحدها في وجه الحياة كي لا ينقصهم شيء. لكن ما أن يشتعل أول خلاف بينها وبين الزوج حتى تتحول كل أمنياتها إلى سراب. فجأة تطرد من بيتها وتنتزع منها فلذات كبدها، بفتوى من العادات والأعراف الموروثة من مجتمع ظالم لا يعرف العدل: “الأولاد أولاد الزوج، ليس للمرأة حق فيهم أبدًا”.

كأن الأم لم تكن شيئًا، كأنها لم تتعب، لم تسهر، لم تنجب، كأن تعبها خدمة مؤقتة تُلغى بمجرد كلمة طلاق. الأبناء الذين عاشوا في أحضانها يصبحون غرباء عنها، يختبئون وراء قوانين جائرة وأعراف بالية لا تعرف الرحمة، والمرأة تُحاكم ظلمًا وكأنها مجرمة ارتكبت جريمة بشعة، ذنبها الوحيد أنها أنثى. المجتمع هنا لا يكتفي بحرمانها من أطفالها فقط، بل يحكم عليها بالموت البطيء. موت من نوع آخر: لا جدران، لا سجن، لا حبال مشانق، إنما قلوب فارغة وليالٍ طويلة بلا دفء أولادها.

هذه ليست قصة خيالية، بل واقع يتكرر في مدننا وقرانا بأسماء مختلفة وظروف متشابهة. إنها حكاية نساء أصبحن ضحايا الظلم وعدم الإنصاف تحت ذريعة العادات والأعراف والتقاليد.

لكن إلى متى؟

إلى متى تُسلب حقوق الأمهات باسم التقاليد والأعراف؟

إلى متى يُختصر دور الأم في الحمل والولادة ثم يُلغى عند أول مشكلة بينها وبين الزوج؟

إنها جريمة صامتة بحق النساء، وظلم كبير بحق الأطفال الذين يُحرمون من نصف الحنان، نصف الحياة. يعيشون غرباء عن الأم، يلتقون بها في مواعيد محددة كالغرباء، ثم يعودون ليلًا إلى أحضان فارغة وقلوب مثقلة بالشوق.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صبحي دقوري

في لحظة ثقافية نادرة، يتصدّر الموسيقار الكوردي هلكوت زاهير المشهد الموسيقي العالمي بعدد أعمال معتمدة بلغ 3008 أعمال، رقمٌ يكاد يلامس الأسطورة. غير أنّ أهمية هذا الحدث لا تكمن في الرقم نفسه، بل في ما يكشفه من تحوّل جذري في مكانة الموسيقى الكوردية ودورها في المشهد الفني الدولي.

فهذا الرقم الذي قد يبدو مجرّد إحصاء،…

يسر موقع ولاتى مه أن يقدم إلى قرائه الأعزاء هذا العمل التوثيقي القيم بعنوان (رجال لم ينصفهم التاريخ)، الذي ساهم الكاتب : إسماعيل عمر لعلي (سمكو) وكتاب آخرين في تأليفه.

وسيقوم موقع ولاتى مه بالتنسيق مع الكاتب إسماعيل عمر لعلي (سمكو). بنشر الحلقات التي ساهم الكاتب (سمكو) بكتابتها من هذا العمل، تقديرا لجهوده في توثيق مسيرة مناضلين كورد أفذاذ لم ينالوا ما يستحقونه من إنصاف وتقدير…

صبحي دقوري

يضع كتاب أزمة العالم الحديث لرينيه غينون قارئه أمام أحد أعمق التشخيصات الميتافيزيقية لانحدار العصر الحديث، تشخيص لا ينطلق من داخل الحداثة بل من خارجها، من أفقٍ تقليدي يرى العالم لا من زاوية التاريخ بل من زاوية المبدأ. غير أنّ هذا التشخيص لا يكتمل فهمه إلا إذا وُضع في موازاة جهود مفكرين كبار واجهوا…

ناصر السيد النور *

يدخل الروائي السوري (الكردي) والطبيب في روايته الصادرة مؤخراً عن دار رامينا اللندنية -هذا العام- إلى تجاويف سردية غائرة بدلالاتها السيكولوجية في تعبير جريء وشاخص لشخصياته روايته التي اتخذت مساراً سردياً يغلب عليه التفصيِّل في شمول سردي يتخطى أحيانا المساحة (الفضاء السردي) المتاح. بافتراض أن التطابق ما بين احالات النص السردي وقيمة…