أومريك

مكرمة العيسى

أنا من تلك القرية الصغيرة التي بالكاد تُرى كنقطة على خريطة. تلك النقطة، أحملها معي أينما ذهبت، أطويها في قلبي، وأتأمل تفاصيلها بحب عميق.

أومريك، النقطة في الخريطة، والكبيرة بأهلها وأصلها وعشيرتها. بناها الحاجي سليماني حسن العيسى، أحد أبرز وجهاء العشيرة، ويسكنها اليوم أحفاده وأبناء عمومته من آل أحمد العيسى.

ومن الشخصيات البارزة في مملكة أومريك، التي كان لها دور مشرف، فوزي حسن العيسى (أبو كلال)، الذي تميز بحبه لقوميته الكوردية، وغرس هذا الحب في قلب عائلته. كما عُرف بكرمه، وقوة شخصيته، وصلاته الطيبة مع العشائر الكوردية والعربية على حد سواء، وكان له دور كبير في حل النزاعات وإصلاح ذات البين بين أبناء عشيرته والعشائر الأخرى.

تتمتع أومريك بطبيعتها الخلابة، ونهرها القادم من جبل طوروس، والذي يعبر من الطرف الشرقي للقرية باتجاه قرية تنوريا كوردا. جميع سكانها من عائلة واحدة، ويجاورها من الجهة الشرقية قرية دكشوري آل الأوسي، وهم أبناء العمومة المقرّبون لأهالي أومريك.

في الماضي، كانت القرية تعج بأشجار الفواكه؛ الرمان، والإجاص، والتين، والعنب، بفضل جهود ابن القرية عبدالكريم أحمد العيسى الذي اعتنى بزراعة الأشجار المثمرة. ولا يزال عبدالكريم مقيماً في القرية، لكن الأشجار لم تعد كما كانت، فقد تضاءل عددها كثيراً.

أما أشجار “البيكة” التي كانت تغطي ضفاف النهر وكأنها غابة صغيرة، فقد أُزيلت جميعها بحجة توسيع الأراضي الزراعية، حتى لم تبقَ شجرة واحدة، وأصبح النهر عارياً بلا ظل.

في زيارتي الحزينة الأولى بعد الهجرة، بسبب وفاة أمي رحمها الله، شعرت بوجع عميق على تلك الأشجار التي اندثرت. تذكرت أرجوحتي المعلّقة على تلك الشجرة الكبيرة، وأراجيح أخواتي وبنات أعمامي، وتذكرت أيام الصيد ببندقية الـ 12 ميلي، حين كنا نصطاد الطيور بكثرة، وركوب الخيل، وسيارة الشفرلي القديمة، وكأننا نعيش في مملكة من الجمال الفردوسي.

تأملت النهر، وسألته: أين ذهبت تلك الأشجار؟ أين رحلت الطيور؟ وأنت ما زلت تجري مسرعاً كما كنت…

مكرمة العيسى
دهوك – إقليم كوردستان

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

أحمد جويل

طفل تاه في قلبي
يبحث عن أرجوحة
صنعت له أمه
هزازة من أكياس الخيش القديمة……
ومصاصة حليب فارغة
مدهونة بالأبيض
لتسكت جوعه بكذبة بيضاء
……………
شبل بعمر الورد
يخرج كل يوم …..
حاملا كتبه المدرسية
في كيس من النايلون
كان يجمع فيه سكاكرالعيد
ويحمل بيده الأخرى
علب الكبريت…..
يبيعها في الطريق
ليشتري قلم الرصاص
وربطة خبز لأمه الأرملة
………
شاب في مقتبل العمر
بدر جميل….
يترك المدارس ..
بحثا…

عبد الستار نورعلي

في دُجى الليلِ العميقْ:

“سألني الليلْ:

بتسهرْ لِيهْ؟”

قلْتُ:

أنتَ نديمي الَّذي يُوفِّى ويُكفِّى،

ويصفِّي..

منَ الشَّوائبِ العالقة..

بقفصِ صدري المليءِ بالذِّكرياتِ الَّتي

تعبرُ أفْقَ خيالي..

بارقاتٍ

لامعاتٍ

تَخرجُ مِنْ قُمْقُمِها،

ففيكَ، أيُّها الليلُ الَّذي لا تنجلي،

أُلقي صَخرةَ النَّهارِ عنْ كاهلي،

وأرفعُ صخرةَ الأيامِ والكتبِ والأقلامِ

والأحلامِ،

والكلامِ غيرِ المُباح،

وفي الحالتين أشهقُ..

وأتحسرُ

وأزفرُ..

زفراتٍ حرَّى،

تسمعُها أنتَ، وتعي،

فما فاتَ لمْ يفُتْ،

وما هو آتٍ آتٍ لا ريبَ فيهِ!

وأشتكي لكَ ولصمتِكَ المهيبِ؛

فأنتَ الشِّفاءُ،

وأنتَ…

عِصْمَتْ شَاهِين الدُّوسَكِي

بَدٍلْ لَا تَتَبَدَّلْ

بَدٍلْ اسْتَقِرْ لَا تَنْفَعِلْ

فَالْأَدَبُ أَنْ تَتَحَكَّمَ

فِي الْمَوَاقِفِ لَا تَتَعَجَّلْ

***

الْحَيَاةُ لَيْسَتْ مَنَاصِبْ

وَلَا كُرْسِيٌّ لَكَ مُنَاسِبْ

<p dir="RTL"...

رضوان شيخو

يا عازف العود، مهلا حين تعزفه!
لا تزعج العود، إن العود حساس..
أوتاره تشبه الأوتار في نغمي
في عزفها الحب، إن الحب وسواس
كأنما موجة الآلام تتبعنا
من بين أشيائها سيف ومتراس،
تختار من بين ما تختار أفئدة
ضاقت لها من صروف الدهر أنفاس
تكابد العيش طرا دونما صخب
وقد غزا كل من في الدار إفلاس
يا صاحب العود، لا تهزأ بنائبة
قد كان من…