حين يصبح الحب ابتلاءً، من نهفة عائلية إلى سؤال وجودي؟

مسلم عبدالله علي

بعد كل مناقشة في نادي المدى للقراءة في أربيل، اعتدنا أن نجلس مع الأصدقاء ونكمل الحديث، نفتح موضوعاً ونقفز إلى آخر، حتى يسرقنا الوقت من دون أن نشعر.

أحياناً يكون ما نتعلمه من هذه الأحاديث والتجارب الحياتية أكثر قيمة من مناقشة الكتب نفسها، لأن الكلام حين يخرج من واقع ملموس وتجربة شخصية، يأخذنا إلى أفكار جديدة ويترك فينا أثراً عميقاً.

في آخر جلسة وبعد أن امتلأت الطاولة بالنهفات والقصص الطريفة، قلت لهم: “خلوني أحكيلكم نهفة عن ستي”.

القصة تعود لوقت قديم أظنها أكبر من عمري، قبل العيد بأيام قليلة كان بيت جدي عامراً بالأحفاد والأبناء، الضحك يملأ المكان بين العصر والمغرب.

ستي كانت جالسة تثبت الخرز على حذاء حفيدتها الصغيرة، فيما الأولاد يملؤون الساحة ضجيجاً، أحدهم أمسك قلماً وراح يرسم على الحائط، وحين انتهى كان قد رسم قلباً يخترقه سهم.

عندما انتبهت عليه صاحت ستي بلهجتها وبشيء من التوبيخ:

“احمدا من تشي بحبي كتي!”

ثم رمت عليه فردة الحذاء فضحك الجميع من حولي عندما سمعوا القصة، إلا واحدة من بين صديقاتي توقفت عند الجملة وقالت:

“أعد ما قالته ستك”.

كررت العبارة فاندهشت من التعبير وراحت تردد: “ما أجمل هذا الكلام! ما أجمل لهجتكم!”

سألتني عن معنى “بحبي كتي”، لم أكن قد توقفت عند العبارة في السابق، مع أني رويت هذه القصة في عدة أماكن مختلفة.

شرحت لها أن العبارة تعني “ابتُلي بالحب” أو “وقع فيه”، كأنه مرض لا شفاء منه… بل وصفته وكأنه “سرطان”. 

عندها فقط أدركت كم تحمل الكلمة من عمق وغرابة في آن واحد، وكيف يصف أهل لهجتنا الحب وكأنه ابتلاء مزمن.

ومنذ ذلك اليوم لم تفارقني الفكرة:

هل الحب مرض؟ وهل يمكننا الشفاء منه؟

أم أنه مزمن لا علاج له سوى التعايش معه؟

هل هو ابتلاء أم نعمة متخفّية في ثوب ألم؟

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

 

ا. د. قاسم المندلاوي

 

عامودا:

مدينة الفن والحب والجمال، تابعة لمحافظة الحسكة، وتبعد عنها 80 كم. تقع في شمال شرق اقليم كوردستان الغربي، وعلى الحدود مع تركيا وقرب مدينة قامشلو. معظم سكانها من الكورد مع اقليات عربية ومسيحية. يمر فيها نهر باسم “نهر الخنزير”.

اسست المدينة على يد مهاجرين سريان هربوا من تركيا في اعقاب مذابح…

يسر موقع ولاتى مه أن يقدم إلى قرائه الأعزاء هذا العمل التوثيقي القيم بعنوان (رجال لم ينصفهم التاريخ)، الذي ساهم الكاتب : إسماعيل عمر لعلي (سمكو) وكتاب آخرين في تأليفه.
رفوف كتب
وسيقوم موقع ولاتى مه بالتنسيق مع الكاتب إسماعيل عمر لعلي (سمكو). بنشر الحلقات التي ساهم الكاتب (سمكو) بكتابتها من هذا العمل، تقديرا لجهوده في توثيق مسيرة مناضلين كورد أفذاذ لم ينالوا ما يستحقونه من إنصاف وتقدير في…

حاورها: إدريس سالم

 

في زمن الانهيارات الكبرى والتحولات الجذرية، لم يعد ممكناً التعامل مع القضايا المصيرية بمنطق الإنكار أو الاستخفاف؛ فالمشهد السياسي السوري، بكل تعقيداته وتناقضاته، بات يفرض على الفاعلين الكورد مسؤولية مضاعفة في إعادة تعريف أدوارهم، وترتيب أولوياتهم، وبناء مشروع وطني يتجاوز الاصطفافات الضيقة والانقسامات القاتلة، فالسكوت لم يعد ترفاً، ولا الشعارات تُقنع جمهوراً أنهكته…

فراس حج محمد| فلسطين

مقدمة:

أعددتُ هذه المادّة بتقنية الذكاء الاصطناعي (Gemini) ليعيد قراءة الكتاب، هذا الكتاب الشامل لكل النواحي اللغوية التي أفكّر فيها، ولأرى أفكار الكتاب كما تعبّر عنه الخوارزميات الحاسوبية، وكيف تقرأ تلك الأفكار بشكل مستقل، حيث لا عاطفة تربطها بالمؤلف ولا باللغة العربية، فهي أداة تحليل ونقد محايدة، وباردة نسبياً.

إن ما دفعني لهذه الخطوة…