وسائل التواصل الاجتماعي ودورها في المشهد العام

خالد بهلوي

لم تعد وسائل التواصل الاجتماعي مجرد منصات للترفيه والتسلية، بل تحولت إلى فضاء واسع للتعبير عن الرأي وتبادل المعرفة وصناعة الوعي الجمعي. وفي الحالة السورية، التي تمر بمرحلة حساسة من التحولات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، تزداد أهمية هذه الوسائل بوصفها أداة فعّالة لرصد الواقع وكشف الحقائق والمساهمة في رسم ملامح سوريا المستقبل.

أغلب مستخدمي هذه المنصات في سوريا من فئة الشباب، وهم عماد المستقبل وأساس أي نهضة قادمة. وقد وفرت لهم هذه الأدوات مجالاً للمشاركة في النقاشات العامة، وطرح مبادراتهم وأفكارهم الإبداعية، وتبادل الخبرات مع نظرائهم في الداخل والشتات. وهذا الانفتاح أوجد فرصاً جديدة لريادة الأعمال والعمل التطوعي والمبادرات المجتمعية. والتحدي الحقيقي اليوم لا يكمن في امتلاك التكنولوجيا بحد ذاتها، بل في كيفية توظيفها كأداة للتغيير الإيجابي وبوابة نحو مستقبل أكثر إشراقاً لكل السوريين.

على مدى عقود طويلة، احتكرت الأنظمة الاستبدادية الإعلام التقليدي كالتلفزيون والصحف، وصاغت روايات رسمية أرادت فرضها على وعي الناس. لكن مع انتشار الإنترنت وظهور وسائل التواصل، فقدت هذه الأنظمة جزءاً كبيراً من قدرتها على التحكم في المعلومة. فقد بات المواطن العادي قادراً على توثيق الأحداث وبثها مباشرة، صوتاً وصورة، بعيداً عن رقابة السلطة. وهكذا تحولت هذه المنصات إلى مساحة لنشر الوعي حول المواطنة وحقوق الإنسان، والدفاع عن قيم التعددية والحكم اللامركزي.

لقد مكّنت وسائل التواصل الأفراد، خاصة في الدول التي تفتقر لحرية التعبير، من إيصال أصواتهم إلى العالم، وفضح الانتهاكات الأمنية وممارسات الفساد والتضليل الإعلامي. بل إنها أسهمت في نقل الحقائق إلى المنظمات الحقوقية الدولية، ما دفع بعض الأنظمة إلى مراجعة سياساتها أو محاسبة من تورطوا في الجرائم ضد الأبرياء. وخلال الأزمات والثورات، مثل أحداث “الربيع العربي”، لعبت هذه المنصات دوراً محورياً في كشف القمع والانتهاكات عبر تسجيلات حية وشهادات مباشرة، يصعب على الأنظمة طمسها أو إنكارها.

ومع ذلك، لم تقف الأنظمة مكتوفة الأيدي، إذ لجأت إلى ما يسمى “الجيوش الإلكترونية” أو “الذباب الإلكتروني”               لبث الإشاعات وتضليل الرأي العام. كما أن سرعة تداول الأخبار الكاذبة تجعل من الصعب أحياناً تصحيحها لاحقاً.

ومع ذلك، يبقى فقدان السلطة لاحتكار المعلومة بداية لتحول أعمق، عنوانه: لا سلطة بلا مساءلة،    ولا رواية تبقى سرية.المضحك المبكي ان محافظ يقول انصح بعدم الانسياق وراء ما يتم تداوله على وسائل التواصل الاجتماعي .

واليوم، بينما تقف سوريا على أعتاب مرحلة جديدة تتعافى فيها من أهوال الحرب، يصبح دور وسائل التواصل أكثر وضوحاً في صياغة مستقبل البلاد. فهي لم تعد تهديداً للسلطة فحسب، بل يمكن أن تكون شريكاً في بناء دولة الحرية والكرامة. فهي تمنح المواطنين القدرة على مراقبة السياسات العامة، ورصد الفساد، والمشاركة   في صناعة القرار.

 من خلال توثيق الانتهاكات، وطرح البدائل، والابتعاد عن خطاب الكراهية  والتحريض والتخوين .

إن سوريا المستقبل لا يمكن أن تُبنى على التعتيم والرقابة والخوف من القبضة الأمنية، بل على الثقة والمشاركة. والاعتراف بالدور الإيجابي لوسائل التواصل، وفتح المجال أمامها للعمل بحرية ومسؤولية، هو شرط أساسي لبناء وطن يليق بتضحيات السوريين. وفي هذا الإطار، يجب أن يتحول المواطن من مراقَب إلى شريك فاعل، ليُكتب بذلك عقد اجتماعي جديد أساسه الكرامة والحرية.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماهين شيخاني

تتوالى الأنباء كما لو أنها خيوط حزن تتسرب إلى القلوب: خبر وفاة مناضلٍ كبير، وشخصية كوردية تركت بصمة عميقة في الوجدان والتاريخ.

لقد التقيتُ به أكثر من مرة ، في مناسبات عامة وفي داره العامر، حيث كان الاستقبال ودوداً والبساطة شاهدة على عظمة رجلٍ لم تُغره المناصب. وحين بلغني خبر رحيله ، شعرتُ كأن صفحة…

المهندس باسل قس نصر الله
حينَ أنظرُ إلى أبنائيَ اليومَ، وقد أصبحَ كلُّ واحدٍ منهم يقودُ حياتَه ويصنعُ عائلتَه، أبتسمُ في داخلي وأقولُ: نعمْ … لقد صارَ لكلِّ بيتٍ جيشُه الصغيرُ، ومجموعُ هذه الجيوشِ هو جيشُنا الكبيرُ.

تعودُ بي الذاكرةُ إلى البداياتِ … إلى صباحاتٍ كنا نستيقظُ فيها على صوتِ أمِّهم وهي تُصدرُ أوامرَها الصارمةَ والحنونةَ معاً….

أحمد جويل

 

أنا نارٌ ملتهبة

إن لامستني…

تتجمدين في حجرتك الثلجية.

 

أنا كأسُ خمرٍ من عينيك

تعالي نسكر معاً

على ألحان الوجع المزمن

في ثنايا دفاتر المدارس.

 

أنا سبورةُ الكاشف السحري

للكلمة…

أقرأ مواضيع التدوين

بلا حروف.

 

عيناك ديوانٌ للشاعر

وعلى ضفتيه استراحةُ مقاتل.

 

أنا نولُ الكوجرية

بمغزلها الخشبي،

أرسم لوحةً لضحكات الطفولة

وعلى وتر (كركيتك)

أعزف ملحمة عشقي

للقبرات،

وحقول البيلسان.

 

أنا جمرة

متكئة على صدغ صخرة،

أستعد لطهي وليمة

لبياع التذاكر

إلى (مارتن لوثر كينغ)

في حفلة الخلود.

 

أنا شجرة…

صدر حديثاً عن منشورات رامينا في لندن كتاب “كُرات الذكريات” للكاتبة السورية نادين باخص، وهو نصّ يستند إلى الذاكرة كأرض أولى للكتابة، ويحوّل لحظات الحياة ومفارقاتها إلى كرات صغيرة تتدحرج في زوايا القلب والوعي.

تكتب نادين باخص نصوصها بوعي حادّ بأن ما يتساقط من التجارب قد يندثر إن لم يُسجَّل، فتجعل من الكتاب صندوقاً مفتوحاً يحوي…