أدونيس.. الشاعر الذي تجاوز النقد

محمد ادريس*

قرأتُ ما كتبه الدكتور اليمني، قائد غيلان عن أدونيس، وتوقفت طويلًا عند حدّته في الحكم، وجرأته في نزع القيمة الإبداعية عن واحد من أبرز الأسماء التي شكّلت الوعي الشعري العربي المعاصر. ومع احترامي الكبير للدكتور غيلان، أرى أن اختزال تجربة أدونيس في “الضجيج الإعلامي” ظلمٌ لتجربة شعرية وفكرية ما زالت تُحدث أثرها فينا حتى اليوم.
ليس من العدل أن نقيس الشاعر فقط بما نحب أو نميل إليه، فالإبداع في جوهره تمرّد، وأدونيس كان أكثر الشعراء جرأة في زحزحة المفاهيم الشعرية التقليدية. هو لم يأتِ ليُرضي أحدًا، بل ليقترح طريقًا جديدًا في القول والرؤية والخيال، حتى وإن بدا غامضًا أحيانًا أو متعالياً.
لقد ساهم أدونيس في نقل القصيدة العربية من فضاء الغنائية إلى فضاء الفكر والرؤيا، وحرّر اللغة من حدودها المألوفة، فصارت القصيدة لديه ليست تعبيرًا عن العاطفة فحسب، بل عن القلق الوجودي وأسئلة الكينونة والزمان والهوية.
ولولا أدونيس وصحبه من روّاد الحداثة، لما تطوّر شعرنا العربي الحديث بهذه السرعة والعمق، ولما تجرّأ الشعراء اللاحقون على تجاوز الأسوار الكلاسيكية وفتح الأفق أمام التجريب والرؤيا الجديدة.
صحيح أن النقاد قد يختلفون حول شعره، وأن بعض نصوصه تميل إلى التجريد، لكن هذا لا يلغي عمق التجربة ولا صدق المحاولة. أدونيس ليس صنيعة المجلات، بل صنيعة الفكرة، والمغامرة، والبحث الدائم عن معنى جديد للإنسان في اللغة.
ربما لم يحصل على جائزة نوبل، لكنها — في رأيي — لم تكن لتضيف إليه شيئًا. فالشاعر الذي غيّر وجه القصيدة العربية لا ينتظر اعترافًا من لجنة ما، بل من التاريخ ذاته، ومن الأثر الذي تركه في وعي الشعراء والأجيال.

*شاعر وكاتب فلسطيني حديث.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

مصطفى عبدالملك الصميدي

أعمى أهـيـمُ

ولـنْ يـرْتـدّ لِـي بَـصَـرُ

ما لمْ تكـوني بقُـربـي ضَـوْئِيَ النّظَرُ

 

فحدِّقِي

في جيوبِ الغَيـمِ

وانتظري

قـمَـراً يـطِـلُّ علـى الدُّنـيـا

وينتـظـرُ

 

عـينـاك فـي اللـيل

مِـرآةٌ يحـطّ بها

وطِـبُّ عـيْنـايَ فـي مِرآتك

الـقَـمـرُ

 

يا رُبَّ أعمى

غداً يصـحـو بَصِيرا إذا

ما عـاد يذكُـر إنْ قَـد مَـسَّـهُ

الـضّـرَرُ

 

حتى وإنْ جاءَهُ سُؤْلٌ:

شُفِيتَ متى؟

يقـول لا عِلْـمَ لـي

مـا شَـاءَهُ الـقَــدَرُ

 

=========

اليمن

يسر موقع ولاتى مه أن يقدم إلى قرائه الأعزاء هذا العمل التوثيقي القيم بعنوان (رجال لم ينصفهم التاريخ)، الذي ساهم الكتاب : إسماعيل عمر لعلي (سمكو): نارين عمر سيف الدين، حاجم موسى، هشيار عمر لعلي، وبهجت حسن أحمد، في تأليفه.

وسيقوم موقع ولاتى مه بالتنسيق مع الكاتب إسماعيل عمر لعلي (سمكو). بنشر الحلقات التي ساهم الكاتب (سمكو)

ماهين شيخاني

لم تكن الدرباسية يوماً مدينة كبيرة بالمعنى الجغرافي، لكنها كانت — كما يصفها المسنين — “مدينة من الضوء والحنين”.

في نهايات الخمسينيات، حين كانت الطرق ترابية، والمولدات تُدار باليد، وعلب البوظة المعدنية تصدر رنيناً في أزقة السوق، وُلدت أول دار سينما في المدينة… سينما ( سلوى ) ل جليل قره زيوان.

كانت تقع مقابل المطحنة ومعمل…

نحن، إدارة مركز الجالية الكوردستانية، الذين عملنا تحت مظلة الفدراسيون لأكثر من أربع سنوات، وساهمنا في جمع الجمعيات المدنية الكوردية والفنانين والمبدعين تحت لواء مركزنا، نرفع إليكم هذا التقرير لتوضيح ما تعرضنا له من إجحاف وظلم بحرماننا من حقنا المشروع في المشاركة في المؤتمر القادم، المزمع عقده بتاريخ 7 ديسمبر في برلين.

للأسف، نحيطكم علمًا بأن…