الشاعر أحمد شيخ صالح.. نبض الوفاء الكردي وروح السلام

نارين عمر

   الشاعر الوفي أحمد شيخ صالح!

سنظل نتذكر لقاءاتنا الدافئة في منزلك الدافئ كقلبك، الهادئ كهدوء نفسك وفي حديقة منزلك العطرة بورود روحك وزهور عطائك الهانئة في كنف عين ديور وستظل ديرك تحتضنك في صدرها وفكرها بحبّ ووفاء، وقد كنت المخلص لها والمحب

 

حياته ونشأته:

   ولد شاعرنا أحمد شيخ صالح عام 1935 في قرية عين ديور

التابعة لمدينة ديريك بغربي كردستان، ووالده شيخ صالح هو ابن الشيخ محمود ينحدرون إلى قرية ” شيخ ملك نافيان” التابعة لمنطقة شرناخ في شمالي كردستان.

قضى طفولته في قريته ثم انتقل إلى ديريك وانتسب إلى المدرسة الابتدائية فيها عام 1949 وبعد ثلاث سنوات حصل على شهادة ” سرتفيكا” عام 1951وكانت مرحلة يدرس فيها التلاميذ خمس سنوات ولكنه اختصرها لثلاثة نظراً لذكائه ونباهته.

عام 1958 بدأ عمله كمعلّم للمرحلة الابتدائية في قريته، لأن شهادة ” سرتيفكا” كانت حينها ذات قيمة كبيرة وتؤهل حاملها للعمل بها كمعلم.

 

رحلته مع الكتابة والشعر:

   مال إلى كتابة الشعر في سنّ مبكرة وقبل أن يتحاوز العشرين عاماً باللغتين الكردية والعربية، نظراً لإتقانه لهما بحرفية وإتقان، وسعى إلى طباعة مجموعة شعرية بالكردية عن طريق الحزب، ولكن المجموعة ضاعت وتلفت بسبب تعرض قيادات الحزب وأعضائه للاعتقال، ولكنه لم يحاول فيما بعد في جمع قصائده وطباعتها ونشرها لأسباب تتعلق به إلى تمكن من طباعة ديوان شعري له عام 2015 وهو بعنوان ” Asoma Girtinhevê,  آسوما كرتنهفي” أي ” علة التناحر” مع شرح مفصل للقصائد باللغة العربية، وهو صادر عن دار تموز بدمشق.

اعتمد شاعرنا في كتابه على الأحرف العربية وليس الكردية اللاتينية لأنه كان يؤكد على أن كتابة الكردية بالحروف العربية أنسب لها، كون العربية تتسم بالمرونة والحيوية يندر وجودها في لغة أخرى ، وأن الكرد يستطيعون لفظ حروفها الصعبة بسهولة؛ على الرغم من أنه كان يبدي أسفه وحسرته على ما آلت إليه لغتنا الكردية من انقسامها بين الأحرف العربية واللاتينية وعدم تمكننا من الوصول إلى لغة كردية موحدة كباقي لغات العالم.

اعتمد شاعرنا في كتابه المميز هذا على موضوع واحد يتطرق فيه إلى نشأة الكون بدءاً من صراع هابيل وقابيل وقتل أحدهما للآخر إلى عصرنا الحديث بكل تناقضاته وسلبياته وإيجابياته، وبكل تأكيد كان لشعبه الكردي حصة كبيرة فيه، وما يجب الإشارة إلى أنه كتب قصائده بلغة كردية خالصة وصافية وبأسلوب يلامس المشاعر ويدغدغ الفكر.

على الرغم من أن معظم قصائده تدور حول موضوعات دينية، وطنية،  اجتماعية وفكرية ولم يكتبها للغناء إلا أن بعض الاصوات الكردية قد انبرى إلى تلحين وغناء عدد من هذه القصائد ومنهم  محمد شيخو وسعيد گاباري وكروان كامل وغيرهم، وتعد مرثيته المؤثرة في رثاء ابنه عبد الغفار إحدى أروع الأغاني التي صدحت بها حنجرة الفنان محمد شيخو.

جدير بالذكر أن ديوان علة التناحر ومؤلفه هو حالياً موضوع رسالة ماجستير للطالب خالد درويش بجامعة دجلة في مدينة ” آمد” عاصمة شمالي كردستان.

 

نضاله الحزبي والسياسي:

   بدأ نضاله السياسي في ” منظمة آزادي” عام 1956 التي كانت قد تشكلت في مدينة قامشلي من قبل بعض الشباب الكرد آنذاك، وعندما تم الإعلان عن تأسيس أول حزبي كردي في غربي كردستان وعموم سوريا وهو الحزب الديمقراطي الكردستاني عام 1957، كان هو أحد أوائل المنتسبين إليه، حيث عمل في الهيئة الفرعية وكان الفرع مختصاً باتخاذ القرارات الحاسمة، وهذا ما كان يناسبه وهو الحاسم في قراراته والصائب في آرائه.

يعتبر الشاعر أحمد شيخ صالح من أوائل المعتقلين في سبيل قضية شعبنا والدفاع عن حقوقنا مع مجموعة من الشباب الكرد المتحمسين في حلب من قبل أجهزة المخابرات عندما كانوا يؤدون دورة الكادر السياسي.

اعتزل شاعرنا العمل السياسي في بداية ثمانينيات القرن العشرين وبعد عودته من شمالي كردستان، حيث كان هناك في مهمة حزبية رسمية وخاصة بعد استشهاد ابنه عبد الغفار في حادث مأسوي؛ ولكنه ظل محافظاً على نهج الكوردايتي وظل

 المدافع عن أرضه وشعبه وقضية أمته إلى آخر يوم من عمره.

يتضح لنا ذلك من خلال زرعه لكل تلك المبادئ والقيم في نفس أولاده من البنات والبنين الذين يسيرون على خطاه بإخلاص ووفاء، حيث أنهى ابنه عمر دراسة الليسانس لغة عربية- جامعة حلب ثمّ أتم دراسة الماجستير والدكتوراه في لغات وحضارات الشرق الأدنى القديم – جامعة ليون – فرنسا، ويحاضر في جامعات جنوبي كردستان، كما أن ابنته خاشعة أيضاً درست اللغة الانكليزية في معهد إعداد المدرّسين بمدينة الحسكة.

 

أبرز المواقف في حياته:

الموقف الأول: نظراً لنباهته وسرعة بديهته اختصر معلمو مدرسته دراسته من خمس سنوات إلى ثلاثة، وذلك بفضل براعته في تلاوة القرآن وفهم الشريعة الإسلامية.

الموقف الثاني: حصل على منحة دراسية مع اثنين من زملائه بسبب ذكائه وتفوقه من قبل الحكومة السورية إلى السعودية عام 1950م، ولكنه لم يلتحق بالمنحة لأنه رضخ لرغبة والدته خاصة أنه كان المعيل الوحيد، حيث كان والده قد توفي وهو صغير.

الموقف الثالث: ويتلخص في صدق رؤياه، إذ كان برفقة أخته في زيارة إلى شمالي كردستان ليرى في منامه خيمة عزاء نصبت أمام باب داره، ما أدخل الحزن إل  قلبه والشك إلى فكره، وازداد قلقه بسبب انعدام وسائل ووسائط التواصل المباشر حينذاك. عندما عاد فوجئ برحيل ابنه الأكبر عبد الغفار إثر حادث أليم في رحلة سفره إلى مدينة الحسكة ليحصل على شهادة الصف الخاص التي نال عليها.

الموقف الرابع: عندما كان ابنه عمر يدرس في جامعة حلب، طُلب منه كتابة حلقة بحث عن شاعر مغمور، فقرر أن يكتب عن والده أحمد شيخ صالح، وعندما علم بذلك سافر على الفور إلى حلب وساعد ابنه في إعداد بحثه الذي استحق أعلى الدرجات والعلامات، ما يوحي إلينا حبه وعطفه وشغفه بأولاده وحرصه على أن يكونوا من الأوائل في مختلف مجالات الحياة.

الموقف الخامس: وهو الأبرز في حياة الشاعر أحمد شيخ صالح حيث أوصى بألا تلقى كلمات وقصائد السياسيين والشعراء على قبره أثناء الدفن وفي خيمة العزاء، وألا يتم إحياء أربعينيته، وكلنا نعرف السبب الذي دفعه إلى كتابة هذه الوصية.

 

رحيله الأبدي:

في الثاني والعشرين من عام 2017 تمكن سهم الموت من اختراق جسده الطاهر، ليبتعد عنا جسداً وتظل روحه ترفرف في ثنايا النفس والوجدان، حيث كان في جنوبي كردستان في رحلة علاجية، ثم نقل جسده إلى ديريك ووري الثرى في مقبرتها تنفيذاً لوصيته بمشاركة مختلف فئات وشخصيات شعبنا الكردي ومختلف الطوائف الأخرى لمكانته الاجتماعية والأدبية والثقافية في

منطقة ديريك وفي غربي كردستان.

 

*وردت المقالة في كتاب ” رجال لم ينصفهم التّاريخ” القسم الأوّل

* خالص الشّكر والامتنان للعزيزين دكتورعمر وخاشعة أحمد شيخ صالح على مراجعة المعلومات وتوثيقها.

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

مصطفى عبدالملك الصميدي

أعمى أهـيـمُ

ولـنْ يـرْتـدّ لِـي بَـصَـرُ

ما لمْ تكـوني بقُـربـي ضَـوْئِيَ النّظَرُ

 

فحدِّقِي

في جيوبِ الغَيـمِ

وانتظري

قـمَـراً يـطِـلُّ علـى الدُّنـيـا

وينتـظـرُ

 

عـينـاك فـي اللـيل

مِـرآةٌ يحـطّ بها

وطِـبُّ عـيْنـايَ فـي مِرآتك

الـقَـمـرُ

 

يا رُبَّ أعمى

غداً يصـحـو بَصِيرا إذا

ما عـاد يذكُـر إنْ قَـد مَـسَّـهُ

الـضّـرَرُ

 

حتى وإنْ جاءَهُ سُؤْلٌ:

شُفِيتَ متى؟

يقـول لا عِلْـمَ لـي

مـا شَـاءَهُ الـقَــدَرُ

 

=========

اليمن

يسر موقع ولاتى مه أن يقدم إلى قرائه الأعزاء هذا العمل التوثيقي القيم بعنوان (رجال لم ينصفهم التاريخ)، الذي ساهم الكتاب : إسماعيل عمر لعلي (سمكو): نارين عمر سيف الدين، حاجم موسى، هشيار عمر لعلي، وبهجت حسن أحمد، في تأليفه.

وسيقوم موقع ولاتى مه بالتنسيق مع الكاتب إسماعيل عمر لعلي (سمكو). بنشر الحلقات التي ساهم الكاتب (سمكو)

ماهين شيخاني

لم تكن الدرباسية يوماً مدينة كبيرة بالمعنى الجغرافي، لكنها كانت — كما يصفها المسنين — “مدينة من الضوء والحنين”.

في نهايات الخمسينيات، حين كانت الطرق ترابية، والمولدات تُدار باليد، وعلب البوظة المعدنية تصدر رنيناً في أزقة السوق، وُلدت أول دار سينما في المدينة… سينما ( سلوى ) ل جليل قره زيوان.

كانت تقع مقابل المطحنة ومعمل…

نحن، إدارة مركز الجالية الكوردستانية، الذين عملنا تحت مظلة الفدراسيون لأكثر من أربع سنوات، وساهمنا في جمع الجمعيات المدنية الكوردية والفنانين والمبدعين تحت لواء مركزنا، نرفع إليكم هذا التقرير لتوضيح ما تعرضنا له من إجحاف وظلم بحرماننا من حقنا المشروع في المشاركة في المؤتمر القادم، المزمع عقده بتاريخ 7 ديسمبر في برلين.

للأسف، نحيطكم علمًا بأن…