(ولاتي مه – خاص):
على امتداد أكثر من خمسة عقود، يمضي الفنان والمناضل شفكر هوفاك في مسيرةٍ حافلة تجمع بين الكلمة الثورية واللحن الصادق، ليغدو أحد أبرز الأصوات التي عبرت بصدق عن آلام الشعب الكردي وأحلامه بالحرية والكرامة. منذ انخراطه المبكر في صفوف الحزب الديمقراطي الكردستاني في سبعينيات القرن الماضي، ظل شفكر وفيا لنهجه الذي يمزج بين الفن والسياسة، مؤمنا بأن الأغنية يمكن أن تكون سلاحا ناعما لا يقل تأثيرا عن أي نضال آخر.
غنى للوطن وللشهداء، وكتب للثورات الكردية والسورية، فكان صوته مرآة لوجع الناس وآمالهم. ولا يعرف شفكر هوفاك كمغنٍ فقط، بل كشاعر مبدع أيضا، إذ صدر له سبعة دواوين شعرية حتى اليوم، فيما أربعة دواوين جديدة قيد الطباعة قريبا — معظمها تحمل الطابع الوطني وتنبض بلغة شعرية تصلح للغناء. ولمكانته وتقديرا لمسيرته، أطلقت مدينة دهوك اسمه على أحد شوارعها في حي زرگا، تخليدا لعطائه الفني والنضالي. وفي الذكرى العشرين لتأسيس موقع ولاتي مه، كان لنا هذا الحوار الخاص مع الفنان شفكر هوفاك، الذي فتح قلبه ليتحدث عن رحلته الطويلة، وهمومه، وأحلامه التي لا تزال متقدة رغم السنين.
"الفن والسياسة بالنسبة لي كالهواء... لا أستطيع أن أعيش بدونهما."
البداية والنشأة
سؤال: في البداية، حدثنا عن حياتك السياسية والفنية.
شفكر هوفاك:
أنا من مواليد كيشكة – عام 1957، متزوج ولدي خمسة أبناء: شورش، روكش، شينوار، شفین، وكاني أم.
التحقت بصفوف الحزب الديمقراطي الكردستاني عام 1975، وبدأت الفن منذ أن كان عمري 13 عاما.
تعلمت الشعر والغناء من والدي الذي كان تلميذا للفنان الراحل سعيد آغا جزراوي، وكان بيتنا ملتقى للشعراء والسياسيين، مما شكل شخصيتي الفنية والسياسية.
على مدى أكثر من 55 عاما لم أنقطع عن الفن ولا عن السياسة، وأعتبر نفسي شاعرا ومغنيا ثوريا.
لدي أكثر من 20 ألبوما، وقرابة 400 أغنية، و11 فيديو كليب أنتجتها على نفقتي الخاصة.
الفن في خدمة الثورة
سؤال: كنت من الداعمين للثورة السورية والكردية سياسياً وفنيا، ماذا قدمت للثورة؟
الجواب:
مع انطلاق الثورة السورية، أعلنت توقفي عن الغناء والحفلات احتراما لأرواح الشهداء.
كرست وقتي لمتابعة أخبار الثورة والتواصل مع شباب التنسيقيات ودعمهم معنويا.
ألفت وغنيت لشهداء الثورة الكردية، ومنهم:
مشعل تمو، جوان قطنة، نصر برهك، كما كتبت وغنيت أغاني مثل:
«اسمع يا بشار»، «بيشمركة روزآفا»، «سرى كانيى»، «روزآفا مه بريندارم» وغيرها.
الإيمان بالقضية
سؤال: من أين تستمد روحك الثورية؟
الجواب:
من إيماني العميق بعدالة قضية الشعب الكردي، وتمسكي بنهج البارزاني الخالد.
هذا الإيمان هو الذي يمنحني الصبر والقوة للاستمرار.
الدعم الذاتي
سؤال: هل تلقيت أي دعم مادي أو معنوي من الجهات الكردستانية؟
الجواب:
لم أتلق أي دعم من أي جهة أو حزب.
كل أعمالي الفنية قمت بتمويلها على حسابي الخاص، رغم وضعي المادي المتواضع.
لكنني غني بكرامتي وبمحبة الناس لي.
بين الغربة والوطن
سؤال: هل منحتك الغربة أفقا أوسع في خدمة القضية الكردية؟
الجواب:
الغربة صعبة جدا، أموت فيها ألف مرة في اليوم، لكنني لم أنفصل عن الوطن يوما.
عملت في الجمعيات الكردية بأوروبا لنقل معاناة شعبي، وكنت أعتبر نفسي سفيرا للقضية الكردية في المهجر.
فنان الثورة الكردية
سؤال: هل تعتبر نفسك فنان الثورة الكردية في سوريا؟
الجواب:
هذا شرف يقرره الناس. إن رأوني فنان الثورة، سأكون ممتناً لهم.
في كل الأحوال، أنا فخور بانتمائي لهذا الشعب العظيم.
أسباب مغادرة روج آفا
سؤال: ما السبب الأساسي لتركك روج آفا؟
الجواب:
عملت في البريد عام 1980، لكنني فصلت بعد ثلاث سنوات بقرار من الأمن السياسي، بتهمة “التحريض القومي”.
سُجنت تسعة أشهر، وتعرضت للتهديدات والمنع من الغناء، فاضطررت لمغادرة الوطن بحثا عن الأمان.
الريادة الرقمية الكردية
سؤال: كنت أول من افتتح منبراً إعلاميا كرديا على الإنترنت عام 1993 عبر “البالتوك”. حدثنا عن التجربة.
الجواب:
نعم، افتتحت غرفة باسم «غربي كوردستان» في البالتوك عام 1993، لأكون صلة وصل بين كرد الوطن والمهجر.
كنت أول من استخدم مصطلح «روج آفا كوردستان» في الإعلام الإلكتروني.
كنا نبث الندوات من الساعة 6 مساء حتى 2 ليلا، يوميا، واستضفنا شخصيات بارزة مثل حميد درويش، دهام ميرو، رشد حمو وغيرهم.
جميع الحوارات مسجلة وموجودة لدي حتى اليوم.
فنان البيشمركة
سؤال: يلقبك الناس بـ«فنان السروك والبيشمركة»، ما الذي يعنيه لك هذا اللقب؟
الجواب:
هو وسام شرف على صدري.
حصلت على درع البيشمركة من وزارة البيشمركة، والتقيت الرئيس مسعود بارزاني عام 2019،
وقال لي: «اذهب وغن للبيشمركة، أنت منهم».
هذه الكلمات لا تقدر بثمن، وسأبقى فنان البيشمركة ما حييت.
سؤال: رغم مرور 25 عاماً في إقليم كردستان، ما زلت مستأجرا ولم تحصل على بيت، لماذا؟
الجواب:
صحيح، لكنني أعتبر محبة السروك وعائلة بارزاني أعظم من أي بيت أو معاش.
لا أطلب شيئاً من أحد، وإن احتجت يوما، سأطلبه من السروك شخصيا.
سؤال: من هم الفنانون الذين غنوا من كلماتك وألحانك؟ وهل يعترفون بذلك؟
الجواب:
غنى من كلماتي وألحاني عدد من الفنانين، منهم: الفنان الراحل نزر محمد (أغنية “جورجيت صومي”)، والفنان صلاح أوسي الذي قدم ثلاث أغنيات من شعري وألحاني، وكذلك الفنانون كانيوار، فريد زيدان، سليمان هوفك، هوزان درويش الكوباني، طالب روج آفا، غمكين قامشلو، علي غمكين، علي خوديدا شنكالي، گارا (أغنية “سولاڤ”)، هادي شنكالي، فرقة كوما نارين، وفرقة كوما نوهلات في دمشق، إضافة إلى الفنانين ناصر تمو، شوقي شلال، صلاح رسول، وغيرهم.
للأسف، بعضهم يعترفون بفضلي، لكن الأغلبية ينكرون. ومن ينكر الجميل أراه مريضا بالغرور، سارقا للفن، وغير وفي لمن قدم له الدعم.
الاستمرار والعطاء
سؤال: هل فكرت بالاعتزال؟ وهل وصلت إلى ما تستحقه؟
الجواب:
لم ولن أعتزل. سأغني حتى آخر نفس في حياتي.
لم أصل إلى حقي المادي، لكنني راض، لأن المناضلين الحقيقيين لا يملكون سوى شرفهم وكفنهم.
سؤال: ما هي مشاريعك القادمة؟
الجواب:
بعد فترة مرض وتعاف، أعمل الآن على تسجيل ألبومين جديدين يضمان 16 أغنية.
كما أعددت أربعة دواوين شعر جديدة بعد أن طبعت سبعة دواوين سابقة.
أشعاري متاحة لأي فنان صادق يرغب بغنائها، بشرط أن يذكر اسمي.
الأغنية الكردية في روج آفا وكردستان
سؤال: كيف ترى واقع الأغنية الكردية اليوم في روج آفا وكردستان؟
الجواب:
أنا لست ضد التغيير أو حداثة الأغنية، ولكن لتأليف وتلحين الأغنية شروط وثوابت يجب الالتزام بها. يجب أن ينسجم الإحساس مع الكلمة واللحن، وأن تكون الأغنية هادفة وتحمل رسالة. لكل زمان رجاله، وهناك من يعمل بصدق ويغني بهدف إضافة الجمال للأغنية، وهناك من يسرق ويتعب القليل. للأسف، تغير كل شيء في روج آفا وكردستان، وتغير حال الفن أيضا. الواقع غير مرض، وأصبح معظم الفنانين يشبهون بعضهم، ولم نعد نرى أسلوبا أو هوية فنية مميزة لكل فنان.
سؤال: من الفنانين الشباب الذين ترى فيهم نفسك؟
الجواب:
بصراحة، لا أحد. وربما أرى نفسي في ابني شورش فقط.
سؤال: هل تفكر في إصدار مذكراتك أو كتاب يوثق تجربتك الطويلة؟
الجواب:
نعم، فكرت في ذلك، خاصة أن عمري الآن 69 عاما، وعمري الفني يمتد إلى 54 عاما. لدي الكثير لأقوله عن مشواري الفني الطويل، وقد أنهيت كتابة مذكراتي وسجلتها أيضا بالصوت. أنوي إصدار الكتاب بعد عام تقريبا.
سؤال: ما رأيك بدور المرأة الكردية في الفن والسياسة؟
الجواب:
المرأة إنسانة وهي نصف المجتمع، ويحق لها أن تمارس الفن والأدب والشعر والرياضة والتعليم. للأسف، ما زالت هناك عوائق أمام رغبات المرأة، منها العادات العشائرية والدينية وحتى العائلية، لأن مجتمعات الشرق الأوسط ما زالت ذكورية إلى حد كبير. ومع ذلك، أرى أن المرأة الكردية بدأت تشق طريقها بقوة في مجالات الفن والسياسة وغيرها.
سؤال: ما رسالتك للأجيال الجديدة من الفنانين الكرد؟
الجواب:
رسالتي للشباب الكرد أن يدرسوا الموسيقى بشكل أكاديمي، وأن يتعلموا قراءة النوتات وأنواعا مختلفة من الآلات الموسيقية. والأهم أن يعودوا إلى الفلكلور الكردي كقاعدة لانطلاقهم وتألقهم، وأن يتقنوا اللغة الكردية لأنها أساس هوية الفنان.
تكريم خاص من موقع ولاتى مه
سؤال: تم تكريمك مؤخرا من قبل إدارة موقع ولاتى مه بمناسبة الذكرى العشرين لتأسيسه. كيف كان شعورك بهذا التكريم؟
الجواب:
الفنان أو الشاعر أو الأديب، وحتى الرياضي والمناضل، عندما يكون حيا يتمنى ألا يهمل أو ينسى. لذلك شعرت بسعادة كبيرة عندما زارني في منزلي الأستاذ شفيق جانكير لتكريمي بمناسبة الذكرى العشرين لتأسيس موقع “ولاتي مه”. شعرت حينها أنني قدمت شيئا لشعبي ولقضيتي، وأن هذا التكريم هو مكافأة لمسيرتي الفنية والشعرية والسياسية.
كلمة الختام
شفكر هوفاك:
أشكر صفحة ولاتى مه على 20 عاما من العطاء الإعلامي والنضال الثقافي.
أتمنى لكم دوام النجاح والتألق، وسأبقى من متابعيكم دائما.



مع فرقة نارين في بداية الثمانينات، وكان احد المؤسسين لها ومسؤول القسم الفني حتى خروجه من الوطن في نهاية ١٩٨٧

مع فرقة شانيدر. تربسبي
.

