خالد بهلوي
ضمن نشاطات الاتحاد العام للكتّاب والصحفيين الكُرد في سوريا، وبحضور نخبة من الكتّاب والمهتمين بالشأن الثقافي، افتُتحت أول مكتبة كردية في مدينة إيسن الألمانية بتاريخ السابع من أكتوبر عام 2025.
في خطوة طال انتظارها، جاءت المكتبة الكردية في ألمانيا لتكون منارة جديدة للثقافة والمعرفة، وجسرًا يربط بين الماضي العريق للشعب الكردي وحاضره المتجدّد في فضاء العالم المفتوح.
هذا الحدث الثقافي الكبير لا يرمز فقط إلى افتتاح مؤسسة معرفية، بل إلى ولادة فضاءٍ يعبّر عن هوية أمةٍ سعت عبر قرون إلى الحفاظ على لغتها وأدبها وتراثها الإنساني الغني.
تأتي المكتبة الكردية كمبادرة تهدف إلى جمع وتوثيق ونشر الإنتاج الأدبي والفكري الكردي، فضلاً عن الترجمات إلى اللغتين العربية والألمانية. وتضمّ بين رفوفها عشرات الكتب في مجالات الشعر والرواية والقصة الهادفة، التي تعكس بمجملها واقع الشعب الكردي وظروفه ومعاناته عبر عقود طويلة من الزمن.
كل رواية وكل قصة تعبّر عن مأساة حقيقية عاشها أبناء الشعب الكردي، من حكايات الهجرة عبر الألغام والبحار والغابات بحثًا عن الأمان وسبل العيش الكريم، إلى الأعمال التي توثّق التاريخ الثقافي والاجتماعي للكرد، إلى جانب نتاجات معاصرة لكتّاب وشعراء وفنانين يعيشون في المهجر.
افتتح الأستاذ خورشيد شوزي المكتبة بقصّ الشريط الحريري إيذانًا بافتتاح القسم الكردي ضمن المكتبة العالمية، وذلك بحضور جمهور من الكتّاب والشعراء الكرد وضيوف ألمان، وعدد من الأخوات والإخوة المقيمين في مدينة إيسن.
ثم ألقت الناشطة دلبر عبد الرحمن كلمة باللغة الألمانية رحّبت فيها بالضيوف الألمان، وقدّمت الشكر والعرفان على تخصيص قسم لعرض نتاجات الأدباء الكرد، ليصبح هذا الفضاء متاحًا لأصدقاء الشعب الكردي الراغبين في الاطلاع على أدبه وثقافته في الوطن والمهجر.
كما ألقى الشاعر والأديب إبراهيم اليوسف كلمة باسم الاتحاد رحّب فيها بالحضور، وعرض مراحل إنجاز هذا الصرح الثقافي بمساهمة الزملاء صلاح الدين سيدو، سوزان سعيد، وأراس اليوسف، وجهودهم المبذولة في الحصول على الموافقة والترخيص للمكتبة، بمتابعة وإشراف حفيظ أبو نوشين، الذين لم يبخلوا بأي جهد في تجميع وترتيب وأرشفة وفهرسة الكتب بما يليق بالمكتبة الكردية ضمن المكتبة العالمية.
وقد جاء الجناح الكردي من حيث التنظيم والعناوين متميّزًا، لا يقلّ أهمية عن أي جناح آخر.
بعد ذلك، قدّمت الناشطة دلبر عبد الرحمن عددًا من الشعراء ودعتهم لإلقاء مقتطفات من أشعارهم، وهم: الشاعر سرحان عيسى، والشاعرة فريال حميد، بمرافقة عزفٍ على الناي قدّمه الفنان رنوس شيخموس.
امتزج الفن بالشعر ليظهر بأبهى صوره، إذ أضفى هدوء الناي على الكلمات عمقًا وجمالاً، وكانت عفرين حاضرةً في الأبيات التي عبّرت عن واقع وهموم الشعب الكردي.
اللافت كان الحضور الإعلامي المميّز، إذ غطّت الحدث قنوات كورد سات 24 وولات تيفي، إلى جانب مندوبي روداو ووسائل إعلام أخرى.
يشكّل هذا المشروع الثقافي نقطة تحوّل في مسار الوعي الكردي في المهجر، إذ يمنح الجيل الجديد فرصة للتعرّف على جذوره وهويته من خلال اللغة والمعرفة، ويتيح للقراء استعارة الكتب وإعادتها بعد الاطلاع عليها.
ولا تقتصر أهمية المكتبة على الكتب المعروضة رغم قيمتها الثقافية، بل أصبحت مركزًا للحوار والتبادل الثقافي، ومكانًا يجمع القرّاء والباحثين والمبدعين في المهجر.
يسعى القائمون على المكتبة إلى إنشاء أرشيفٍ رقمي متطوّر، مع بريدٍ ورابطٍ إلكتروني يتيحان للمهتمين الاطلاع على قضايا وثقافة الشعب الكردي، وقراءة الشعر والقصص والروايات، مما يمكّن الباحثين في مختلف أنحاء العالم من الوصول بسهولة إلى المصادر الأدبية الكردية، في خطوة تهدف إلى دمج الثقافة الكردية في المشهد الأكاديمي العالمي.
إن افتتاح المكتبة الكردية في أوروبا ليس مجرد حدث ثقافي، بل إعلان عن حضورٍ حضاريّ متجدّد يؤكد أن الثقافة الكردية قادرة على العطاء والإسهام في الحضارة الإنسانية.
إنها رسالة تقول إن المعرفة هي الجسر الأقوى بين الشعوب، وإن الحفاظ على التراث لا يعني الانغلاق، بل الانفتاح الواعي على العالم. ويُعد وجود المكتبة ضمن المكتبة العالمية أحد أبرز الجسور الثقافية بين الشعوب.
وفي الختام، شكر الأستاذ حفيظ عبد الرحمن الحضور قائلاً:
“نتوجّه بخالص الشكر والامتنان لكل من شرفنا بحضوره وشاركنا هذه اللحظة الثقافية التي نعتز بها. نشكر حضوركم الكريم؛ فوجودكم بيننا اليوم كان دافعًا قويًا للاستمرار في خدمة الكتاب والقارئ الكردي. فشكرًا لكم من القلب، أنتم الداعم الحقيقي لكل خطوة نحو مستقبل ثقافي أجمل، وأنتم شركاؤنا في نشر نور المعرفة بين أبناء شعبنا”.
باسم الاتحاد العام للكتّاب والصحفيين الكرد في سوريا، وباسم أسرة المكتبة الكردية في إيسن، نتقدّم بالشكر لكل من ساهم في إنجاح هذا اليوم، وخاصة الإعلاميين ومندوبي القنوات التلفزيونية، مؤكدين أن المكتبة ستظل منارة ومركزًا للعلم والثقافة، وفضاءً رحبًا للقراء والباحثين والأصدقاء.