ا. د. قاسم المندلاوي
في هذه الحلقة نقدم للقارئ الكريم نبذة مختصرة عن فنانين آخرين، احدهم من غرب كوردستان، الفنان الشهيد يوسف جلبي، الذي تعرض الى ابشع اساليب الاضطهاد والتعذيب من قبل السلطات السورية الظالمة، وخاصة بعد سيطرة نظام البعث سدة الحكم عام 1966. فقد تعرض الكثير من المطربين والملحنين والشعراء الكورد في سوريا للملاحقة والتهديدات والمضايقات والاعتداءات وسجون التعذيب والموت.
اما الفنان الاخر حسن شريف، من جنوب كوردستان، فقد تعرض هو الاخر الى الاضطهاد والمضايقات من قبل السلطات العراقية العنصرية والشوفينية الظالمة، خاصة بعد سيطرة القوميين البعث عام 1963 على سدة الحكم في العراق.
اولا: الفنان الشهيد يوسف جلبي
ولد يوسف جلبي عام 1927 في قرية جبلكراوي التابعة لولاية مردين في شمال كوردستان / تركيا. كان ملحنا ومغنيا وشاعرا كورديا، وتميزت معظم اغانيه بطابع ثوري وقومي وانساني.
شارك في حفلات ومناسبات واعياد شعبية، وكان صوته قريبا من الناس، يعبر عن همومهم وقضاياهم. وفي عام 1962 لعب دورا مهما في تنظيم اول احتفال بعيد نوروز في قامشلو، وهو اخر احتفال يشارك فيه، حيث قدم خلاله اغاني ثورية وقومية.
بعد هذا الاحتفال مباشرة قامت المخابرات السورية باعتقاله، وتعرض لتعذيب قاس داخل السجون الى ان استشهد في 7 / ايار / 1962، ثم رميت جثته امام منزل شقيقته في قامشلو.
يصفه الكاتب ابراهيم اليوسف بقوله:
كان يوسف يدخل بيوت المسيحيين واليهود والكورد والعرب كواحد منهم، محبوبا كأنه من كل بيت، وصديقا كأنه فرد من كل قبيلة. ومع ذلك، حين سقط، لم تتحرك المؤسسات الثقافية لتكريمه، فلا مهرجان باسمه، ولا جائزة، ولا توثيق يليق باول شهيد فني في قامشلو. ويضيف: لقد ان الاوان لجمع اغانيه وتوثيقها، واطلاق جائزة باسمه، وتكريمه كما يليق بمن غنى للحرية ولم يساوم، ودفع حياته ثمنا لصوته. يوسف جلبي لم يكن مطربا فحسب، بل ظاهرة، والظواهر لا تموت، بل تعود حين نستحقها.
كان يوسف جلبي مناضلا وطنيا وقوميا، قريبا من الفقراء والمهمشين، ومدافعا عن حقوقهم. قدم خلال مسيرته الفنية اكثر من 500 اغنية كوردية، من اهمها:
-
اغنية “زعيم سلو”، التي انتقد فيها بشكل مباشر الرئيس السوري فوزي السلو، اول رئيس كوردي في تاريخ سوريا، بسبب تجاهله مطالب الفقراء في ذلك الوقت.
-
اغنية “ايمو”
-
اغنية “حجي عزيز”
-
اغنية “ورني ورني”
معظم اغانيه التراثية كتبها ولحنها بنفسه. وكانت اغانيه تدعو الى الحرية، والمقاومة، ورفض الظلم والتهميش الذي عانى منه الشعب الكوردي في سوريا وسائر اجزاء كوردستان، وتشجع على اليقظة والنهوض والنضال من اجل حقه في تقرير المصير.
يقول نجل يوسف جلبي بأسى:
ان والدي لم يذكر كشاعر، ولا كملحن، ولا كاحد اوائل من غنوا لنوروز، ولا كمعلم موسيقي خرّج العديد من الفنانين. لم يكرم يوما، لا تمثال يحمل صورته، ولا جائزة باسمه، ولا كتاب يوثق سيرته. بقي حاضرا في الذاكرة الشعبية، وغائبا عن الذاكرة الرسمية. لم يوثق ارثه الفني والثقافي، ولا توجد مكتبة باسمه، ولا سجل موسيقي رسمي يشير اليه حتى اليوم. غاب عن مناهج الفن، وعن ارشيف الاذاعات ومهرجانات الاغنية الكوردية، وكأن موته تحت التعذيب كان كافيا لدفن كل ما صنعه. لقد حان الوقت لرفع الظلم الثقافي عنه، فاقامة تمثال له في قلب قامشلو، وتأسيس جائزة باسمه، وجمع اعماله وتوثيقها، وادراج اسمه في تاريخ الفن الكوردي والسوري، ليست تكريما بل حقا طبيعيا له. بعض اغانيه ما تزال مسجلة على اجهزة الفونوغراف والغرامافون منذ خمسينيات القرن الماضي.
رحل الفنان يوسف جلبي شهيدا عام 1962 بعد سلسلة اعتقالات وتعذيب على ايدي اجهزة الامن السورية، لأنه كان صوتا كورديّا حرا قدم اغاني ثورية وقومية وانتقد نظام البعث الدموي.
رحمه الله، وجعل مثواه الجنة.
ثانيا: الفنان البيشمركة حسن شريف
ولد الفنان البيشمركة حسن شريف عام 1969 في قرية كسته بمحافظة دهوك في جنوب كوردستان. اكمل المرحلة الابتدائية في قريته، ثم واصل دراسته في دهوك، لكنه اضطر لترك الدراسة بسبب صعوبة الظروف المعيشية.
بدأت علاقته بالموسيقى في سن مبكرة، وكان في الحادية عشرة من عمره، بدعم من والدته وتشجيع عدد من الفنانين الكورد. في عام 1985 اصدر اول عمل موسيقي بعنوان “ذوقي”، وفي عام 1986 سجل برنامجا غنائيا بعنوان “باران باري”. وبسبب اغانيه ذات المضمون الثوري والوطني تعرض لملاحقة وتهديد وضغوط من قبل اجهزة الامن والمخابرات العراقية في زمن النظام السابق.
عام 1987 التحق بصفوف البيشمركة في جبال كوردستان، واصبح احد المقاتلين الشجعان هناك، وقدم اغاني وطنية وقومية حماسية، دعما لثورة كولان التي شهدتها تلك المرحلة في جنوب كوردستان.
ومع تصاعد حملات الابادة ضد الشعب الكوردي، وخصوصا جريمة القصف الكيمياوي لمدينة حلبجة في 16 اذار 1988 بأمر من صدام حسين وتنفيذ علي حسن المجيد، والتي ادت الى استشهاد اكثر من 5000 مدني واصابة اكثر من 10000 اخرين، اضطر حسن شريف لمغادرة المنطقة متوجها الى ديار بكر في شمال كوردستان، وبقي فيها حتى عام 1991، ثم لجأ الى اوربا بسبب الظروف الصعبة، واستقر في السويد.
شارك حسن شريف في عدد كبير من الحفلات والمهرجانات الشعبية والقومية في اقليم كوردستان واوربا.
في عام 1993 سجل شريطا غنائيا بعنوان “اسد الجبال”، وفي عام 1994 اصدر شريطا اخر بعنوان “ليلتي ذات الاكمام الطويلة”.
يتحدث حسن شريف عن تجربته قائلا:
كانت حياتي صعبة جدا، لكني اعتبر حياتي في صفوف البيشمركة المرحلة الذهبية والاكثر شرفا في حياتي.
تركز اعماله الغنائية على قضايا الامة والوطن والبيشمركة. وقد سجل في اقليم كوردستان كليبا عن الابادة الجماعية للشعب الكوردي من خلال شبكة اعلامية كوردية. كما سجل اغنية “اسود وازرق” عن احداث 16 اكتوبر، معتبرا اياها خيانة كبرى، ويقول:
انا كفنان اردت ان تكون لي اغنية في هذه المناسبة. يجب ان تكون للفنان اغاني لكل الظروف والمواضيع، ومسيرة النضال لا يجب ان تتوقف، فنحن نكمل بعضنا بعضا، ونحن الفنانين ملك لكوردستان، وسوف ندافع عن ارضها جنبا الى جنب مع البيشمركة.
ويضيف:
العلاقة بين الفن والسياسة يجب ان تكون في خدمة توحيد الصفوف، فالفن منبر لمطالب الشعب الكوردي واداة للسلام وبناء الجسور بين الشعوب، لا لتأجيج الصراعات الداخلية.
من اشهر اغانيه اغنية “لالش” التي تجسد الثقافة الايزيدية ودورها في حماية ارض الوطن. كما يفضل الاغاني البوتانية الجزيرية، مثل اغنية “جولمرك” واغنية “سرحدان”، وقدم ايضا اعمالا تراثية مثل البوم “اي اف واف”.
يعد الفنان حسن شريف واحدا من الوجوه الفنية البارزة التي خدمت قضية الشعب الكوردي بصوته القوي واغانيه الثورية والقومية. ونتمنى له الصحة والعافية ومزيدا من العطاء الفني.
المصادر والمراجع
-
ابراهيم اليوسف: “يوسف جلبي الفنان الكوردي الكبير غنى لشعبه ولنيروز وللمظلومين”، 8 / 5 / 2025، ولاتي مه.
-
“يوسف جلبي ملك الاغنية الفولكلورية الكوردية”، فيسبوك.
-
“فنان كوردي وهب صوته لقضايا شعبه ونوروز والمظلومين”، 8 / 5 / 2025، التاخي، بغداد.
-
“يوسف جلبي، فنان كوردي وهب صوته لقضايا شعبه ونوروز والمظلومين”، 6 / 5 / 2025، رووداو، اربيل.
-
ابراهيم اليوسف: “الفنان الكوردي الكبير يوسف جلبي في الذكرى الثالثة والخمسين لاستشهاده: صوت اصيل لم يمت وذاكرة تبحث عن انصاف”، 7 / 5 / 2025، كورد اونلاين.
-
ابراهيم اليوسف: “بعد خمسين سنة من قتله تحت التعذيب.. نجل الفنان الشهيد يسمي قتلة والده”، 8 / 5 / 2025، كوردستان 24، يوتيوب.
-
روى كمال: “الفنان الكوردي الكبير يوسف جلبي في الذكرى الثالثة والخمسين لاستشهاده.. صوت اصيل لم يمت.. وذاكرة تبحث عن انصاف؟”، 7 / 5 / 2025، التاخي، بغداد.
-
حسن شريف: “انضمامي الى البيشمركة هو المرحلة الذهبية من حياتي”، 16 / 8 / 2018، رووداو، اربيل.
-
جمال برواري: “الفنان البيشمركة حسن شريف في حلم خاني”، 3 / 10 / 2015، جريدة التاخي، بغداد.
-
جون دوست: “حسن شريف يغرد للحرية والوطن”، 3 / 4 / 2025، كوردستان بالعربية، يوتيوب.