شيرين خليل خطيب
في أيِّ مجال إبداعي، أو أي حرفة تعتمد على الحس والموهبة، يظهر أشخاص يظنون أن بإمكانهم اقتحام هذا العالم لمجرد أنه يعجبهم أو أنهم يحلمون بالانتماء إليه. لكن الحقيقة المُرَّة التي مهما حاولنا تجميلها، هي أن بعض الطرق لا تُفتح لكل عابر، وأن بعض الفنون تحتاج إلى موهبة أصلية أو حد أدنى من المَلَكة لا يمكن صنعه بالجهد والمثابرة. ومن هنا تبدأ آفات مجتمعنا، الكوردي تحديداً.
كثيرون يواصلون السير في طريق لا يناسبهم، ينفقون أعمارهم وهم يحاولون أن يكونوا شعراء بلا حس شعري، أو رسامين بلا عين قادرة على فصل الجزئيات المبتغاة بعضها عن بعض، أو كُتّاباً بلا لغة تنطق بما هو مطلوب، أو شخصاً أراد أن يكون إعلامياً ففشل ثم تحول إلى محلل سياسي ففشل ثم تحول إلى روائي وأيضاً فشل، لأن كل هدفه كان بلوغ الشهرة ومديح الناس، لا التركيز على ما يملكه فعلياً من ملَكات إبداعية والعمل عليها لغاية إنسانية بحتة، سواء أكان لمصلحته أم لمصلحة الآخرين.
يفعلون ذلك لأن لا أحد يمتلك الشجاعة ليقول لهم “توقفوا، هذا ليس طريقكم”. فلنصارح أنفسنا بجرأة “نحن نخشى تجريح الآخرين، نخشى أن نُتَّهم بإحباطهم أو كسر أحلامهم، لكننا لا ندرك أن قول الحقيقة ليس قسوة، بل هو إنقاذ”.
فليس من الخطأ ألّا يكون الإنسان فناناً، ولا عيب في أن يبحث عن مجاله الحقيقي خارج دائرة الإبداع الذي لا يمتلك أدواته. العيب الحقيقي هو الإصرار على موقع لا يناسبه، بينما يمكنه أن يتألق في مكان آخر خُلق له. قد يحتاج بعضٌ إلى صوت جريء صديق صريح أو ناقد منصف بشكلٍ قاسٍ، يضع أمامه المرآة ويقول: “أنت لا تصلح لهذا الفن أو هذا العمل، لكنك تصلح لأفضل منه في مجال آخر”.
فالصدق هنا ليس إهانة، بل هو بوابة لاكتشاف الذات. قد يكرهك الشخص للحظة، لكنه سيشكرك لاحقاً عندما يجد ما يليق به حقاً وعندما يجد قدراته تتفتح في المجال المناسب بدل أن تذبل في غير أرضها. فكم من موهبة ضاعت لأنها لم تجد من يوجهها! وكم من حياة فازت لأنها سمعت الكلمة الصعبة!.
الخلاصة: يجب أن تكون لدينا القدرة والشجاعة والجرأة لنقول لأغلبهم “هذا ليس مكانك، لكن هناك مكان ما ينتظرك في زمانٍ ما، فقط كن صادقاً مع نفسك ومع الآخرين، لأن أساس الموهبة الحقيقية وأساس النجاح وأساس احترام الناس هو الصدق ولا شيء غيره”، فمن الحُمق أن يتوهم المرء أنه قادر على مراوغة الحقيقة والنجاح في الكذب على النفس وعلى الآخرين.