الروائي آلان كيكاني: السرد في مواجهة الهوس والتطرف

حاوره: طه خلو

 

يدخل آلان كيكاني الرواية من منطقة التماس الحاد بين المعرفة والألم، حيث تتحوّل التجربة الإنسانية، كما عاينها طبيباً وكاتباً، إلى سؤال مفتوح على النفس والمجتمع. من هذا الحدّ الفاصل بين ما يُختبر في الممارسة الطبية وما يترسّب في الذاكرة، تتشكّل كتابته بوصفها مسار تأمل طويل في هشاشة الإنسان، وفي التصدّعات التي تتركها الصدمة، والخوف، والتطرّف، والحرمان داخل الوعي الفردي والجماعي. فالرواية عنده امتداد لمعرفة دقيقة بالجسد حين ينهك، وبالنفس حين تضيق، وبالعقل حين ينغلق على يقينٍ يقوده إلى الهوس.

يتجلّى هذا المنحى بوضوح حين يستعيد لحظة دخوله الأولى إلى الكتابة، تلك السهرة البعيدة في بريطانيا، حيث أصغى حتى الفجر إلى حكايات شباب كرد نجوا من الأنفال والمخيمات والمنفى، ليقول إنه لم ينم تلك الليلة، وإنه وجد نفسه مع الضحى جالساً أمام الكومبيوتر يكتب، وقد ظلّت تلك الأصوات تعتمل في داخله وتؤرقه. الكتابة هنا تنبع من أثرٍ أخلاقي ومعرفي معاً، من قصص لا تطلب التدوين بوصفه توثيقاً، وإنما تفرضه بوصفه محاولة لفهم ما فعله العنف بالإنسان.

وفي انتقاله إلى روايتيه “ليالي الرقة الحمراء” و”الموسوس”، يتّسع هذا السؤال ليشمل المجتمع بأسره، حين يربط بين التطرّف واضطراب الوسواس القهري، واصفاً المتطرّف بوصفه كائناً ينفّذ قناعاته بدقة قاسية، من دون اكتراث بالعواقب، حتى يتحوّل إلى ما يشبه آلة بلا مشاعر. هذه المقاربة، المستندة إلى الخبرة الطبية والمعايشة اليومية، تمنح السرد بعده النفسي العميق، وتجعل الرواية عند كيكاني أداة فحص للواقع المشحون، ومساحة لتأمل ما يحدث حين يُترك الفرد وحيداً أمام خوفه وهوسه.

هكذا يتقدّم هذا الحوار بوصفه إنصاتاً لما وراء النص، لما يغذّي السرد من الداخل، وللعلاقة المركّبة بين الطب والكتابة، بين المعاناة حين تُعاش، والمعاناة حين تُعاد صياغتها لغةً، في محاولة لفهم الإنسان قبل الحكم عليه.

كيف كانت بداياتك مع عالم الكتابة؟ ومتى شعرت بأنك ترغب في أن تكون روائياً لا مجرد هاوٍ يكتب؟

كانت بدايتي عاطفية محضة، أو لنقل كانت هبّةً وجدانية أثارتها قصص مؤلمة سمعتها ذات سهرة من بعض الأصدقاء في القارة الخضراء. كان ذلك في صيف علم عام 2004 وكنت مقيماً في مدينة هيستنغز البريطانية وأتلقى بعض التدريبات في علوم الطب والجراحة في مستشفى إيستبورن الجامعي على شواطئ بحر المانش. فذات مساء دعتني مجموعة من الكرد العراقيين إلى العشاء. كانوا عشرة من الشباب العزّاب، ومن قرى ومدن كردية مختلفة. وبعد الانتهاء من مراسيم الوليمة التي أقاموها على شرفي بعد أن تعرفوا عليّ صدفة على شاطئ المدينة، شرع كل واحد منهم يروي لي قصته، ماذا جرى لأهله عشية حملة الأنفال التي شنها الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين على المناطق الكردية، وكيف عبر الحدود وهرب إلى تركيا متشبثاً بطرف ثوب أمه الأرمل أو الثكلى، وكيف قضى سنوات طفولته تحت الخيام في مناطق متفرقة من تركيا. وزاد البعض بأن شرح لي معاناته في رحلته من تحت خيمته إلى ساعة وصوله إلى بريطانيا والحصول على إقامتها. كانت قصصاً مليئة بالألم والمعاناة، ظل يرويها أصحابها حتى الفجر وأنا صامت مذهول لا أدري ماذا أقول. لم أنم تلك الليلة قط وظلت أحاديث الشباب تعتمل في داخلي وتؤرقني ولا يعلم إلا الله كم مرة ذرفت فيها الدموع على وسادتي في تلك الصبيحة. وعند الضحى رأيتني أجلس على طاولة الكومبيوتر وأكتب. وبعد مضيّ شهر كنت قد أنجزت نصاً أدبياً أقرب ما يكون إلى رواية كاملة. حفظت هذا النص في علبة الوارد في بريدي الإلكتروني وغفلت عنه، على أمل العودة إليه في يوم ما.

بعد ذلك بسنتين وفي موقف عاطفي ووجداني آخر ليس بأقل من الأول وجدت نفسي أحمل القلم مرة أخرى، وفي هذه المرة لأرثي به صديقاً. وأي صديق! كان من خيرة الشباب الذين أعرفهم وأكثرهم هدوء وحلماً، انتهى من دراسة الهندسة في جامعة حلب وتوظف في مؤسسات الدولة، وبعد زواجه ببضعة أشهر جاء خبر إصابته بسرطان الخصية. وأهملته الدولة عندما أوصى طبيب المؤسسة بعلاجه في ألمانيا، وظل المسؤولون يماطلون في تسيير ملفه حتى انتشر الورم في جسمه وقضى عليه. رثيته بخاطرة. وبعد أيام أرسلتها إلى أحد المواقع الإلكترونية. وفي اليوم التالي تلقيت إيميلاً من الروائي والشاعر الكردي المعروف إبراهيم اليوسف، يعزيني بصديقي ويشيد بقلمي، فكانت لكلماته أبلغ الأثر في نفسي. فأن يشيد بي أديب بحجم الأستاذ إبراهيم اليوسف من أول خاطرة أكتبها هذا يعني حكماً أنني أكتب ما يستحق القراءة، أليس كذلك؟!

أما متى شعرت بالرغبة في أن أكون روائياً وليس مجرد هاوٍ فهذا يعود إلى عام 2016 عندما عرضت روايتي التي كتبتها قبل اثنتي عشرة سنة وحفظتها في ركن من أركان بريدي الإلكتروني على دار أزمنة الأردنية للنشر بعد أن تعرفت على مندوبها في معرض الرياض الدولي للكتاب ونلت الموافقة على نشرها من قبل مديرها الروائي الأردني المعروف إلياس فركوح رحمه الله. فقد أكسبتني هذه الموافقة دفعاً لكتابة المزيد ومنحتني شجاعةً على الخوض في عالم الرواية المعقد والمتشعب. فبعد صدورها بزمن قصير بدأت بكتابة روايتي الثانية مذكرات الملازم الطبيب.

– في روايتك “ليالي الرقّة الحمراء” اعتمدت الرواية على مزيج بين التوثيق والخيال. كيف استطعت الحفاظ على هذا التوازن دون أن تطغى الحقيقة على الجانب الفني أو العكس؟

وأنت تكتب روايتك لا بد لك من تفعيل خيالك. ومن دون هذا التفعيل لا تكتمل روايتك مهما كانت حقيقة الأحداث التي ترويها. فالروائي ليس مؤرخاً يوثق الأحداث، وليس صحفياً يصورها وينقلها كما هي فيما إذا توخى الصدق والأمانة، بل هو فنان يعرف كيف يستعرض الحدث بطريقة فنية تحقق للقارئ المتعة والعبرة، وعليه لا أعتقد أن ثمة روائياً يكتب الحدث كما شاهده أو قرأ عنه. لا بد له من وضع بصمته، وبصمته هنا هي خياله. وحتى الروايات التاريخية التي كُتبت عن أحداث كنت قد اطلعت عليها في كتب التاريخ في أوقات سابقة وجدتها عند قراءتها طافحة بآثار خيال مؤلفيها. خلاصة القول أنْ تختلق بعض الأحداث لتوظفها في خدمة الحدث الحقيقي، أن تضخم حدثاً أو تقزم آخر في سبيل إيصال رسالتك لقارئك، أن تجتهد في تأويل حدث وتفسره وفق فهمك وثقافتك، هي ما تجوز للروائي ولا تجوز لغيره.

في ليالي الرقة الحمراء ثمة حدث جرى بالفعل، حدث حقيقي لا مجال للخيال فيه. فتىً صغيرٌ كان يمشي وسط الحقول وعينه في كتابه، وعلى حين غرة عنّت له عجوز طاعنة في السن كانت هناك، وهاجمته، وشتمته بذريعة أنه يسعى إليها! وكادت تضربه لولا أنه أطلق العنان لساقيه وولى هارباً تاركاً وراءه كتابه. هذا الحدث المضحك شغل بالي طويلاً حتى اجتهدت في تفسيره وأنا في العقد الرابع من عمري بعد أن بت طبيباً ومهتما بعلم النفس وأمراضه. وكروائي وظفت هذا الحدث ومقاربتي العلمية له في كتابة روايتي “ليالي الرقة الحمراء” بعد أن طعّمته بالكثير من الخيال.

يمكنني القول هنا بعد تجربتي الروائية المتواضعة أنْ ليس ثمة رواية حقيقة صرفة مثلما ليست ثمة رواية خيالية صرفة. وعليه فالرواية هي بنت التزاوج بين الخيال والواقع.

– شخصيات الرواية تبدو شديدة العمق والتعقيد وكأنها تعيش صدمة مستمرة. هل استندت في بنائها إلى شخصيات حقيقية أم كلها متخيلة؟ 

في الغالب استندت إلى شخصيات حقيقية عايشتها على أرض الواقع. فإذا كنتَ طبيباً تمارس مهنتك يسهل عليك الاحتكاك بمثل هذه الشخصيات، ناهيك عن أن الناس لا يجدون ضيراً في مصارحتك بما يجول في خواطرهم من أفكار وأفعال قد تكون غريبة أو شاذة. دعني هنا أضرب لك مثلاً: دعيت ذات يوم للكشف على مريض في بيته. كان في حوالي الخامسة والسبعين وفي المراحل الأخيرة من سرطان الكولون، أعني أنه كان مدنفاً وفاقداً القدرة على النهوض والسير على قدميه تماماً من شدة الضعف والهزال. وأنا أفتش في كيس أدويته لأعرف ما هي الأدوية التي يستخدمها في الوقت الحالي وقعت عيني على علبة لعقار الفياغرا المعروف. ظننت أنه من مخلفات أدويته قبل أن يصيبه المرض ويقعده، إلا أن أبناءه أخبروني أن الدواء جديد في الكيس وأنه أصر على شرائه منذ أيام لأنه على قناعة تامة أنه سيشفى بعد أيام وسيجد له منفذاً إلى امرأة يتمتع بها. كان المشهد لافتاً لي. وفي طريق عودتي إلى عيادتي علمت من ابنه البكر أن الحظ لم يحالف والده في علاقاته مع النساء طيلة فترة شبابه وكهولته وهو الآن مصرٌ على تعويض ما فاته.

أليست شخصية هذا الرجل هي ما أوحت إلي أن أرسم شخصية حليمة العليوي في ليالي الرقة الحمراء؟ تلك العجوز التي عندما أدركت أن الزمن خانها وحرمها من متعة الجنس في شبابها وكهولتها راحت تتحرش بفتى صغير وتدعوه إليها علها تعوض شيئاً مما فاتها!

– في رواية “الموسوس” تذهب إلى عالم مختلف تماماً، حيث تركز على هواجس الفرد وصراعه الداخلي. ما الذي ألهمك لكتابة رواية نفسية بهذا العمق؟

أستطيع القول أنّ التطرف الديني والمذهبي الذي شاع بين الناس منذ عقود في بلادنا هو الذي ألهمني لكتابة آخر رواياتي: “الموسوس”. فمنذ أن شاهدت أول مقطع فيديو يذبح فيه إنسانٌ أخاه الإنسان بدم بارد ودون أدنى إحساس بالذنب وأنا أبحث عن الدافع النفسي الذي يقود الإنسان إلى ارتكاب مثل هذه الجرائم البشعة حتى وجدته في اضطراب الوسواس القهري. ولعلي لن أكون مبالغاً إذا قلت أنّ كل متطرف، سواء كان دينياً أو مذهبياً أو قومياً أو قبلياً أو ماركسياً، هو مريضٌ يعاني من شكل من أشكال الوسواس القهري أو درجة من درجاته. هذا الاضطراب الذي يتصف بأن المصاب به يميل إلى تنفيذ قناعاته على أرض الواقع بدقة بالغة دون مراعاة للظروف ومهما كانت النتائج التي تتمخض عن هذا التنفيذ.

وباختصار فإن الموسوس القهري يتحول إلى روبوت لا مشاعر لديه ولا أحاسيس، همه الأول والآخر هو تأدية ما تمليه عليه واجباته المقدسة. فيجهد ويجهد في الأداء، وكلما بالغ في هذا الأداء شكَّ أنه لم يؤده كما ينبغي، فيعيده مرة تلو الأخرى حتى يرهق نفسه.

— تطرح الرواية أسئلة حول العقل البشري وحدود الهوس. هل أجريت بحوثاً نفسية أو اعتمدت على مراجع علمية أثناء الإعداد للرواية؟

لم أجر أي بحث نفسي في هذا الإطار إلا إذا كنت تقصد بالبحث مراقبة سلوك الأفراد عموماً والمصابين منهم باضطراب الوسواس القهري على وجه الخصوص. أما الاعتماد على المراجع فهو شغلنا اليومي كأطباء، وخاصة في ظل توفر المصادر الطبية في مختلف الاختصاصات على الشبكة العنكبوتية. بيد أن مرجعي الأول والأخير في كتابة روايتي “الموسوس” هو الواقع. فقليل من التأمل في هذا الواقع المشحون بالتطرف والمكتظ بالمتطرفين يدعونا إلى التسليم بأن جائحة نفسية خطيرة تغذيها بعض الإيديولوجيات تكمن وراء هذا التطرف وهي تنعش بذرة اضطراب الوسواس القهري في النفوس المستعدة للإصابة بهذا المرض. ثم إنني كنت قبل بضع سنوات على تماس مباشر مع عائلة يعاني أحد أفرادها من اضطراب الوسواس القهري، وكنت شاهداً على معاناة هذه العائلة التي تحول ولدها فجأة من فتى هادئ وذكي وطموح إلى شاب متطرف عنيد لا يسمع إلا الأصوات التي تزيده تطرفاً، ولا يرى إلى المشاهد التي تزيد من تشدده وتعنته. وقد بلغ الأمر بهذا الشاب إلى أن يعيد كل صلاة عشرات المرات ظناً منه أنه لم يؤدها على الوجه الذي يريده الله. وظل هكذا حتى وصل إلى مرحلة لم تعد ساعات اليوم الواحد تكفيه لأداء صلواته الخمس. وعليك أن تتخيل معي حجم معاناة أفراد أسرته في هذه الحالة، وخاصة والديه. كان ينهار جوعاً وهو واقف يصلي، رافضاً تناول طعامه حتى يقتنع أنه قد أدى صلواته بالصورة التي ترضي نفسه، بيد أن هذا الرضا كان بعيد المنال!

– تظهر الرواية أن الهوس قد يتحوّل إلى سجن داخلي. هل أردت توجيه نقد معيّن للمجتمع، أم أن الهدف كان استكشاف التجربة الإنسانية؟ 

الاثنان معاً.

فمن جهة أردت إرسال رسالة إلى المجتمع أقول فيها تعالوا أيها الناس وشاهدوا ماذا يمكن أن يفعل التطرف بأبنائكم فيما إذا تساهلتم معهم وسهّلتم لهم دروب التطرف والتشدّد، تعالوا وشاهدوا كيف يمكن أن يتحول المراهق الوديع بلمح البصر إلى كائن خطير يهدد دولاً ومجتمعات إذا ما غضضتم الطرف عنه وتركتموه دون رقيب أو حسيب. أردت أن أقول لهم إذا كنتم لا ترعون أبناءكم على أسس حضارية وعلمية فلا تتوقعوا منهم أن يكونوا في المستقبل كما تريدون.

ومن جهة أخرى أردت، كطبيب وكاتب، تسليط الضوء على هذا الاضطراب النفسي الخطير بسرد روائي بذلت فيه قصارى جهدي كي يكون ممتعاً. ولا أدري إلى أي مدى نجحت في ذلك. وفي هذا السياق لابد من الإشارة هنا إلى أن المكتبة العربية تفتقر إلى الروايات التي تتناول الجانب النفسي للمجتمع، بينما نجد التركيز على هذا الجانب في الغرب بدأ منذ قرنين تقريباً، منذ أن أطلق سيغموند فرويد نظريته في التحليل النفسي.

– على الرغم من اختلاف ليالي الرقّة الحمراء والموسوس من حيث الموضوع والبنية، إلا أن القارئ يشعر بخيط مشترك بينهما. ما الذي يجمعهما في نظرك؟

البعد النفسي هو الجامع بينهما. ففي الروايتين تجد الأبطال يتخبطون في أفكارهم وسلوكياتهم، تجدهم في دوامات نفسية عميقة لا يعرفون كيف يخرجون منها، أو أنهم لا يرغبون الخروج منها لأن المريض النفسي في الغالب لا يعتبر نفسه مريضا، ولا يرى أية شائبة في سلوكه، ويصر على أن كل ما يقوم به، وكل ما يفكر به هو الصحيح، وأن الناس من حوله هم المخطئون.

ففي الموسوس يغرق الفتى صهيب أكرم العطار في بحر من الشكوك والوساوس، ويدفعه القلق من الأفكار السوداوية التي تراوده وتعكر حياته وحياة والديه إلى القيام بأعمال غير منطقية، مثل تكرار الوضوء والصلاة، وفي النهاية لا يجد بداً من الالتحاق بتنظيم الدولة الإسلامية مجاهداً في سبيل الله!

أما في ليالي الرقة الحمراء فتجدُ العجوزُ حليمة العليوي، مثلاً، نفسها أسيرةً للشهوة الجنسية التي حرمت منها في شبابها وكهولتها. وعندما تبلغ من العمر مبلغاً وتدرك أن الزمن فاتها وأنها على وشك الفناء قبل أن تشبع نفسها مما حُرمت منه، تلجأ إلى التحرش بفتى صغير وتستدرجه إلى سريرها.  

– كيف تنظر إلى تطور أسلوبك بين الروايتين؟ وهل تمثلان مرحلة جديدة في مشروعك الأدبي؟

بين الروايتين سنة من الزمن. وهذه المدة غير كافية لحدوث تغير جوهري في أسلوب الكاتب، ومع ذلك يمكنك أن تلمس تطوراً لا بأس في رواية “الموسوس” فيما إذا قارنناها بالرواية التي سبقتها، أعني “ليالي الرقة الحمراء”. ربما كان هذا التطور ناجماً عن تحسن أدواتي الكتابية بعد أن أنجزت كتابة ثلاث روايات ومجموعة قصصية، وربما كان عائداً إلى نصائح دار النشر وإدارتها ولجنة قراءتها. فباعتبارهم أصدقاء مقربين، لا يبخلون عليّ بنصائحهم واقتراحاتهم، وبدوري أتقبل هذه النصائح والاقتراحات برحابة صدر. فعلى سبيل المثال اقترح علي الصديق والروائي والناقد هيثم حسين مدير دار رامينا للنشر في رواية الموسوس أن أقسم الرواية إلى فصول بدلاً من السرد المتواصل، وأجعل في كل فصل شخصية تروي قصتها بنفسها. تذكرت بعض الروايات التي تتَّبع هذا الأسلوب في التعبير مثل رواية “أسمي الأحمر” للروائي التركي أورهان باموك والتي قرأتها قبل عقدين من الزمن تقريباً وتذكرت أنها كانت أكثر ديناميكية ولفتاً للانتباه. فعجبتني الفكرة وطبقتها على روايتي فخرجت الموسوس في أسلوب مختلف عن ليالي الرقة الحمراء.

 وعلى العموم فإن سؤالك عن تطور أسلوبي بين الروايتين ينبغي أن يتم الجواب عليه من قبل القراء والنقاد، فالروائي لا يستطيع تقييم نفسه، لا يستطيع تقييم ما يكتب، فهو يعتقد أنه قدم أجمل ما عنده، ومن يثبت اعتقاده هذا أو ينفيه هو الناقد بالدرجة الأولى، والجمهور بالدرجة الثانية.  

أما هل تمثل الروايتان مرحلة جديدة في مشروعي الأدبي، فالجواب هو أنني لا أدري صراحة، وكل ما أعرفه هو أنني أرى نفسي مؤخراً أميل إلى كتابة الروايات ذات العمق النفسي. وهذا ليس غريباً لو أنك علمت أنني وبالإضافة إلى الأدب أهتم بالفلسفة وعلم النفس بصورة مفرطة منذ أكثر من عقد من الزمن، بالرغم من أن هذين الفرعين من العلوم يوقعان عشاقهما في فخ الكآبة.

– بوصفك روائياً كردياً، كيف انعكست هويتك وثقافتك على أسلوبك في السرد؟

البيئة الطبيعية والاجتماعية والثقافية الكردية ملهمة إلى أبعد التصورات. أنت كردي إذن أنت تنتمي إلى شعب عريق ومترامي الأطراف لكنه متشرذم ومشتت ومنهك على أقصى حد، أنت تنتمي إلى أمة لها ذخيرة هائلة من الأدب الشفاهي الذي يتردد صداه في المجالس والسهرات منذ مئات، بل منذ آلاف السنين، أنت تنتمي إلى تاريخ موغل في القدم شابته حروب ومجازر ومآسي تقشعر لها الأبدان. أنت كردي إذن أنت ابن الألم والمعاناة، وهذان العنصران هما وقود الشعر، وقود القصة، وقود الأغنية، هما محركان أساسيان لدفع عجلة الأدب عموماً إلى الأمام. بيد أن أكبر عائق في سبيل تقدم هذه العجلة هو اللغة. فالكردية لا زالت ممنوعة على ثمانين بالمئة من أصحابها وعند العشرين بالمئة الآخرين مقسمة إلى لهجات ولكنات تعرقل التفاهم بين أبناء الأمة الواحدة. وعلى هذا يضطر الأدب الكردي بالتعبير عن نفسه بلغات أخرى، بالعربية والتركية والفارسية، وربما بلغات أخرى.

لكن مهما عبر الكرد عن أنفسهم بألسنة غيرهم فإنهم لا يستطيعون إيصال رسالتهم كما هي. قرأت مرة أن مستشرقاً سمع كردياً يغني بين جباله أغنية ملحمية مفعمة بالألم والحنين، فطلب من مترجمه أن يترجم له مقطعاً، وعندما سمع الترجمة لم تتحرك مشاعره كما توقع المترجم، فقال له الأخير: آه لو تسمعها بالكردية.

وعلى الرغم من أنني أكتب منذ عشرين سنة، ولا أكتب بغير العربية، فيما إذا استثنينا مقالاً واحداً كتبته بالكردية عام 2010 ونشرته في جريدة آزاديا ولات التي كانت تصدر في ولاية آمد “ديار بكر” التركية، إلا أنني أشعر في كثير من الأحيان أنني حتى هذه اللحظة أفكر بالكردية وأكتب بالعربية. ولا أدري إلى أية درجة ينعكس هذا على أسلوبي في الكتابة بالعربية.

– هل تعتقد أن الأدب الكردي نال في السنوات الأخيرة مساحة أوسع للانتشار، أم أنه ما زال يواجه تحديات حقيقية؟

للأسف مازال هذا الأدب يواجه تحديات حقيقية على الرغم من أن الكرد باتوا أحرار في جزء من اجزائهم الأربعة. فالحرية هي أساس كل إبداع، وهي أساس تفجر الإمكانات وتنمية المواهب، والكرد ليسوا أحراراً في أرضهم التاريخية، وعلينا ألا نتوقع انتعاش أدبهم. بيد ان التحدي الأكبر أراه، كما ذكرت في جوابي على سؤالك السابق، يكمن في تشرذم اللغة الكردية وغياب المحاولات لوحدة لهجاتها. ومن دون هذا الاتحاد لا يمكن للأدب الكردي أن يتبوأ مكانة لائقة في خارطة الأدب العالمي.

حتى التسعينات كان الكردي في تركيا، مركز ثقل الكرد، يقاد إلى السجن إذا تحدث بالكردية في الشارع، أما الآن فهو حر بالتحدث بلغته نعم، لكن هل هناك مؤسسات ترعى اللغة والأدب الكرديان؟ هل هناك من يكافئ صحفياً على مقال، أو شاعراً على قصيدة، أو أديباً على رواية؟ هل هناك من يدفع فلساً لباحث في هذه اللغة وهذا الأدب؟ الجواب هو بالتأكيد لا. إذن علينا ألا نتوقع أن ينال الأدب الكردي مساحة أوسع للانتشار في هذا الجزء المهم من كردستان.

أما كرد العراق، مثلهم مثل كرد إيران، فلا زالوا يكتبون بلهجتين، الصورانية والبهدينية، ويستخدمون الأحرف العربية في الكتابة، خلافاً لكرد تركيا وسوريا الذين يستخدمون اللهجة الكرمانجية ويكتبونها بالأحرف اللاتينية. كل هذه العوائق لا زالت موجودة وتفعل فعلها باللغة والأدب الكرديين..

أريد هنا أن أنوه إلى حقيقة جد مهمة. وهي أن اللهجة الكرمانجية تعتبر مركز الثقل في اللغة الكردية وهي لا زالت أسيرة، وبدون تحررها لا ينطلق الأدب الكردي.

-. يمرّ الكاتب الكردي عادة بتجارب سياسية وثقافية معقّدة. كيف أثّر هذا الإرث في أعمالك الروائية؟

مثل كل كردي أتفاعل، وبصورة يومية، مع الأحداث التي تتعلق بشعبي، أحزن لأحزانه وأفرح لأفراحه، لكني على قناعة أن الأدب ينبغي ألا يتلطخ بالسياسة، فالسياسة شيء والأدب شيء. الأدب سامٍ والسياسة سافلة. الأدب هو الحكمة والسياسة هي النزوة. يستطيع الأديب أن يعبر عن آرائه السياسة من خلال أعماله الأدبية لكن ليس على طريقة السياسي. يستطيع أن يدافع عن قضايا شعبه لكن بطريقة تختلف عن طريقة السياسي.

لا يروق لي الأدباء الذين يتمرغون في عالم السياسة ولا أستسيغ نتاجاتهم. فإذا كنت أديباً سياسياً لن تستطيع سوى إنتاج أدب انفعالي رديء أو أدب انتقامي بغيض، وهذان النوعان من الأدب هما أسوأ أنواع الأدب. قرأت ذات يوم رواية لهاوٍ فلسطيني يتهجم فيه على الإسرائيليين بطريقة لا تختلف عن تلك التي يسلكها السلفيون الجهاديون فكان وقعها على نفسي مختلفاً تماماً عما يهدف إليه الكاتب. ولولا معرفتي المسبقة بالقضية الفلسطينية وتضامني معها لاصطف قلبي مع اليهود الذين ينعتهم صاحبنا بأبشع الصفات ويحرض على قتلهم. وعلى ذكر فلسطين وقضيتها فقد كان الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش انفعالياً عندما كتب قصيدته “سجل فإني عربي” وقد أدرك فيما بعد حجم الخطأ الذي وقع فيه، وظل نادماً على كتابة قصيدته هذه حتى وفاته.

الأرث السياسي والثقافي الكردي بدا جلياً في أولى رواياتي “ليل ولات الطويل” والتي حدثتك عنها في جوابي على سؤالك الأول. أما رواياتي الأخرى، مذكرات الملازم الطبيب وليالي الرقة الحمراء والموسوس، فهي تخلو من هذا الأرث تماماً. بيد أنه، أي الأرث الثقافي والسياسي الكردي، يظهر على أشده في روايتي” وداعاً بير آفدو” قيد الطبع. فهذه الأخيرة كردية صرفة.

وفي الحق فإن البيئة الاجتماعية والثقافية الكردية خصبة جداً لإنتاج أدب رفيع يرقى إلى مستوى الآداب العالمية، مثل الأدب الروسي في القرن التاسع وآداب أمريكا الجنوبية في القرن العشرين. وأنا على يقين بأن هذا الأدب آتٍ، عاجلاً أم آجلاً. فدم كل شهيد من شهداء حرية الشعب الكردي سيتحول حكماً إلى رواية ملحمية ذات يوم بعد أن تتحقق هذه الحرية.

– برأيك، هل ما تزال الرواية قادرة على التأثير في وعي القارئ، أم تراجع دورها أمام وسائل التعبير الأخرى في الزمن الراهن؟

بل إن هذا التأثير في أعلى مستوياته. فإذا سألتني عن تراجع دور الشعر لأجبتك بنعم، وكذلك دور الفكر والفلسفة. أما الرواية فهي في صعود مستمر، لا أدري منذ متى ولا إلى متى، لكنه مستمر منذ أن واظبت على زيارة معرض الرياض الدولي للكتاب. حيث لا تجد الازدحام إلا في الأجنحة التي تنفرد بتقديم الرواية. وإذا خرج زائر من المعرض وفي حوزته عشرة كتب، ستجد خمسة منها على الأقل روايات. وهذا برهان ساطع على اهتمام الناس بهذا الجنس الأدبي.

وأستطيع القول إنّ سبب تهافت الناس على الرواية هو أنها تجمع الفائدة والترفيه عن النفس في كتاب واحد. فإذا كانت قراءة الكتب العلمية والفكرية والفلسفية والسياسية تسبب الملل، وربما الصداع، فإن الناس يلجؤون إلى قراءة الرواية للقضاء على الملل، ولتسكين الصداع. فهي في العموم سهلة الفهم مالم تكن شديدة الغموض وترفع من مستوى وعي القارئ دون أن يشعر، ناهيك عن أن عنصر التشويق فيها – وما من رواية إلا ويكون هذا العنصر حاضراً فيها – يشد القارئ ولا يتركه حتى آخر سطر من الكتاب.

– بحسب علمي، لديك كتاب سيرة قيد النشر، هل يمكن أن تمنحنا لمحة موجزة عنه وما الذي دفعك لخوض غمار السيرة؟ 

صدقت، وسيصدر في مستهل السنة القادمة، ربما في الشهر الأول أو الثاني منه، وقد عنونته بـ “وداعاً بير آفدو”. وبير آفدو هذه هي القرية التي ولدت وترعرعت فيها إلى سن الثامنة أو التاسعة، قبل أن أرحل عنها مع أفراد أسرتي إلى قرية أخرى بعيدة عنها بمقاييس المسافات في ذلك الزمن، حيث المواصلات شحيحة والطرق صخرية. وكانت قرية صغيرة، بالكاد يتجاوز عدد بيوتها الخمسة عشر، إنما كانت مكتظة بالأطفال والرجال والنساء والخراف والخيول والكلاب…

أحكي في هذا الكتاب، وهو سيرة روائية تتوزع على اثني عشر باباً إن لم تخنني الذاكرة وعلى ما يقرب من أربعمائة صفحة، عن حياتنا البدائية البسيطة، عن أمي وأبي، عن أخوتي وأخواتي، عن أعمامي وأخوالي وأبنائهم، عن قطعان الأغنام، عن حصاننا الوحيد (دنيس)، عن كلبينا (كريخ وبللو)، عن مشاوير بيري (رحلات حلب الأغنام) التي كنا نقوم بها صباحاً ومساءً في فصل الربيع لجني الحليب من ضروع النعاج، عن الكوجرية (البداوة) ورحلة البحث عن الماء والكلأ في فصل الربيع، عن القُبرّات وأعشاشها وشراكي التي نصبتها لها، عن ألعابنا وأحلامنا كأطفال، عن بعدنا عن المدنية وعيشنا حياة أقرب إلى الفطرة، عن أول يوم ذهبت فيه إلى المدرسة، عن أول كلمة عربية نطقت بها، عن أول إنسان عربي التقيته في بيئة كردية صرفة وردة فعلي تجاه ذلك. إضافة إلى قصص وطرائف وحكايات كان الناس يتداولونها في مجالسهم وسهراتهم.

أما ما الذي دفعني إلى خوض غمار السيرة، فالأمر يعود إلى معرض الرياض الدولي للكتاب عام 2023 وبالتحديد في الشهر التاسع منه، عندما سألني صديقي الروائي والناقد هيثم حسين عن مشروعي الأدبي في السنة القادمة، أي خلال سنة 2024. فقلت له أمامي عدة خيارات لم يستقر رأيي على أي منها بعد. فاقترح قائلاً: وما رأيك بكتابة سيرتك؟ أجبته مستغرباً: سيرة؟! قال نعم سيرة. قلت كبار السن فقط يكتبون سيرهم أولئك الذين يوشكون على الموت، أما أنا فبالكاد تجاوزت الخمسين ثم أنني لا أريد أن أموت قريباً لدي الكثير ما أعمله. فقال ضاحكاً هذا ليس شرطاً. ثم شرع يحدثني عن أهمية كتابة السيرة في الأوساط الأدبية في هذه الأيام. كان الأمر أقرب ما يكون إلى المزاح لكن عندما عدت إلى البيت ضممت السيرة إلى الخيارات. وطيلة الأشهر المتبقية من السنة رحت أفكر ماذا أختار، حتى استقر رأيي على السيرة، لكن قررت تجزئتها إلى عدة أجزاء، أبدأ بسيرة الطفولة وفي السنوات القادمة إذا أطال الله بعمري، ربما قمت بكتابة سيرة الصبا، ثم سيرة الشباب، وهكذا حتى أصل إلى اليوم الذي أعيشه.

ولا بد من الإشارة هنا إلى أن روايتي “مذكرات الملازم الطبيب” تمثل فصلاً من فصول سيرتي الذاتية في الفترة التي أديت فيها خدمة العلم في الجيش السوري بين عامي 1997 إلى 1999.

– ما الرسالة التي تودّ توجيهها إلى الكتّاب الشباب الذين يحاولون اتخاذ أولى خطواتهم في عالم الرواية؟

لو كنت في مقام النصح لنصحتهم بالتالي:

  • حتى لا يصيبكم الإحباط لا تقدموا على كتابة الرواية قبل توفر شرطين أساسيين هما الموهبة والثقافة العالية. فمن دونهما لا يمكن أن تكتبوا ما يستحق القراءة. فأما الموهبة فهي هبة ربانية لا شأن لكم بها لكن يمكن صقلها وتنميتها إذا توفر شيء ولو بسيط منها. وأما الثقافة فهي من صنعكم وليس لله شأن بها. قوموا، قبل أن تفكروا بالكتابة، بقراءة مئات الروايات العالمية، أضيفوا إليها كتباً في النقد الأدبي وأخرى في الفلسفة والفكر، وأخرى في التاريخ، واستمروا في القراءة حتى تسمعوا أصواتاً من أعماقكم تطلب منكم تناول القلم والبدء بالكتابة.
  • احذروا التقليد. اقرأوا لعظماء الأدب وفطاحلها لكن لا تقلدوهم. كونوا أنفسكم، ولا تكونوا غيركم. فكل عمل قام على أساسٍ من التقليد بدا سخيفاً حتى لو كان جميلاً.
  • تسلحوا بالصبر ولا تتهافتوا إلى الظهور، واعلموا أن الانطواء على الذات بقصد الكتابة هي سمة تجمع معظم الروائيين.
  • تجنبوا وسائل التواصل الاجتماعي والنشاط المكثف فيها. هذه الوسائل مدارسٌ تعلمكم السطحية في التفكير، وتوهمكم بنجاحات لم تحققوها عندما تتلقون الإعجابات على نصوصكم. ناهيكم عن أنها مضيعة للوقت.
  • تسلحوا بالشجاعة ولا تخافوا من الفشل. وإذا أخفقتم مرة فلا تستسلموا لليأس بل حاولوا مرة أخرى. وإذا حدث أن رُفضت أعمالكم عند عرضها على دور النشر، فلا تقنطوا ولا تحبطوا، بل قفوا مرة أخرى على نصوصكم، وتقبلوا النصائح من أصحاب الخبرة برحابة صدر. بل اسعوا إليها. وتذكروا دائماً القاعدة الذهبية: على قدر تعنتك وتفاعلك الانفعالي مع النقد يأتي فشلك، وعلى قدر تقبلك لهذا النقد يأتي نجاحك.

هذه رسالتي المختصرة والمستمدة من تجربتي المتواضعة لكل من يرغب بالبدء بكتابة الرواية.

******

عن الرواية نت.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم أبو عواد / كاتب من الأردن

لَيْسَ الاستبدادُ حادثةً عابرةً في تاريخِ البَشَرِ ، بَلْ بُنْيَة مُعَقَّدَة تَتكرَّر بأقنعةٍ مُختلفة ، وَتُغَيِّر لُغَتَهَا دُونَ أنْ تُغيِّر جَوْهَرَها . إنَّه مَرَضُ السُّلطةِ حِينَ تنفصلُ عَن الإنسانِ ، وَحِينَ يَتحوَّل الحُكْمُ مِنْ وَظيفةٍ لِخِدمةِ المُجتمعِ إلى آلَةٍ لإخضاعه .

بَيْنَ عبد الرَّحمن الكواكبي (…

عبدالجابر حبيب

 

يا صديقي

بتفصيلٍ ثقيلٍ

شرحتُ لكَ معنى الأزقّةِ،

وكيفَ سرقتْ منّي الرِّياحُ وجهَ بيتِنا الصغيرِ،

لم يكنْ عليَّ أن أُبرِّرَ للسّماءِ

كيفَ ضاعتْ خطواتي بينَ شوارعَ غريبةٍ،

ولم يكنْ عليَّ أن أُبرِّرَ للظِّلالِ

كيفَ تاهتْ ألوانُ المساءِ في عينيَّ،

كان يكفي أن أتركَ للرِّيحِ

منفذاً خفيّاً بينَ ضلوعي،

أو نافذةً مفتوحةً في قلبي،

فهي وحدَها تعرفُ

من أينَ يأتي نسيمُ الحنينِ.

كلُّ ضوءٍ يُذكِّرُني ببيتِنا…

غريب ملا زلال

يتميز عدنان عبدالقادر الرسام بغزارة انتاجه، ويركز في اعماله على الانسان البسيط المحب للحياة. يغرق في الواقعية، يقرأ تعويذة الطريق، ويلون لحظاتها، وهذا ما يجعل الخصوصية تتدافع في عالمه المفتوح.

عدنان عبدالقادر: امازون الانتاج

للوهلة الاولى قد نعتقد بان عدنان عبدالقادر (1971) هو ابن الفنان عبدالقادر الرسام…

 

ا. د. قاسم المندلاوي

 

عامودا:

مدينة الفن والحب والجمال، تابعة لمحافظة الحسكة، وتبعد عنها 80 كم. تقع في شمال شرق اقليم كوردستان الغربي، وعلى الحدود مع تركيا وقرب مدينة قامشلو. معظم سكانها من الكورد مع اقليات عربية ومسيحية. يمر فيها نهر باسم “نهر الخنزير”.

اسست المدينة على يد مهاجرين سريان هربوا من تركيا في اعقاب مذابح…